خالد أبو شقرا

"المركزي" يقرع جرس انتهاء مهلة الرسملة و"نفير" غياب الخطة المتكاملة يصمّ الآذان

المصارف تُرمّم "واجهاتها"... والمودعون "يهلكون"

1 آذار 2021

02 : 01

نسبة "الهيركات" على الودائع ارتفعت إلى أكثر من 60% (فضل عيتاني)
فلنسلّم جدلاً أننا استفقنا على خبر نجاح 63 مصرفاً (50 تجارياً و13 استثمارياً من أصل 15، بعد شطب عودة لمصرفي أعمال عن لائحة الجمعية وضمّهما إلى البنك التجاري) بالامتثال لتعاميم مصرف لبنان لجهة رفع رساميلها بنسبة 20 في المئة، ووضع 3 في المئة من قيمة ودائعها بالعملة الأجنبية في المصارف المراسلة في الخارج. فهل تنتهي المشكلة وندخل في مرحلة جديدة من التعافي على الصعيد المصرفي؟





العملية التي بدأت في تشرين الثاني 2019 مع إلزام حاكم مصرف لبنان البنوك العاملة في لبنان بزيادة رؤوس أموالها بنسبة 20 في المئة على مرحلتين، انتهت مساء أمس. فبعد تقسيم الزيادة على مرحلتين، أولى بنسبة 10 في المئة تنتهي في31 كانون الأول 2019، وثانية بنسبة موازية تنتهي في حزيران 2020. أعاد المركزي في آب 2020 تجديد المهل لغاية 28 شباط 2021 مع "رَشَقٍ" من التعاميم، أبرزها: 154 والتعميم الوسيط 567.

على حساب المودعين

في الأمس انتهت المُهل. و"المركزي" عقد العزم على تطبيق المادة 70 من قانون النقد والتسليف، انطلاقاً من ان "استقرار القطاع المصرفي هو من واجباته وأولوياته"، قالها مصرف لبنان في بيان، مشدداً على ان "مقاربته ستكون هادفة الى اتخاذ كل الاجراءات الآيلة الى معالجة وضع المصارف، وصولاً الى تعزيز استقرار الوضع المصرفي وضمانة أموال المودعين وحقوقهم". ولكن المشكلة ان هذا الحل الذي يرتكز عليه المركزي في المعالجة "غير مستدام، وغير واضح المعالم، لأنه غير مبني على خيارات واضحة في ما خص أهداف إعادة هيكلة الدين العام، وإعادة هيكلة مطلوبات مصرف لبنان وتنقيح ميزانيته الغارقة في الديون بالعملة الصعبة، لا سيما وأن أكثر من 65 في المئة من موجودات المصارف تقوم على الدين العام والودائع لدى مصرف لبنان"، تقول كبيرة الاقتصاديين للشرق الاوسط وشمال أفريقيا وآسيا الوسطى لدى مصرف "جفريز" عليا مبيض، "وبالتالي فان أي عملية لرسملة المصارف غير مبنية على معالجة الخسائر الناتجة عن إعادة الهيكلة، والتي يجب أن تدرج من ضمن الخطة الاقتصادية والمالية الشاملة، ستأتي فقط على حساب المودعين. خصوصاً أصحاب الودائع الصغيرة والمتوسطة، كما هو الحال منذ تشرين الاوّل 2019".


وذلك لأن "المشاكل الأساسية المتعلقة بانهيار الليرة، والاستمرار في طباعة العملة لسد حاجات المالية العامة، واستنزاف ما تبقّى من سيولة دولارية لدى مصرف لبنان، ستبقى عالقة، ولن تسمح بوقف الإنهيار الحاصل. لا بل ستضغط على كل من سعر الصرف، والتضخم. وستنعكس سلباً على القيمة المتبقية من الودائع وحقوق المودعين، وإفقاراً للمجتمع بكلّ أطيافه". وبرأي مبيض فانه "طالما ان إعادة هيكلة الدين العام وديون مصرف لبنان للمصارف (وبالتالي للمودعين) والمقدّرة بحوالى 75 مليار دولار مغيّبة، وطالما أن هناك تعدداً في سعر الصرف، سيبقى المودعون غير قادرين على الحصول على ما تبقى من ودائعهم في المصارف. واذا قدّر لهم الحصول عليها فستكون بقيم أقلّ بكثير. ففي بداية العام 2020، كان حلّ الأزمة المالية والمصرفية ممكناً عبر تحويل الودائع إلى أسهم "Bail in" بنسبة لا تفوق 30-35 في المئة من قيمتها، كجزء من عملية إعادة رسملة المصارف. وكان يمكن تفادي الاقتصاص منها لو قامت السلطات اللبنانية بتطبيق برنامج شامل للتصحيح المالي والنهوض الاقتصادي، يسمح بتخفيض الدين العام إلى 70 في المئة من الناتج المحلي على مدى 10 سنين، وإعادة هيكلة المصارف ضمن برنامج متكامل مع صندوق النقد.


إلّا أن التمادي في رفض الحلول الناجعة مثلما شهدنا في بلدان أخرى مرّت بظروف مشابهة، ووضع العراقيل أمام المحادثات مع فريق الصندوق، أدّى إلى تحميل المودعين "هيركات" فعلياً يتخطّى الـ70 في المئة، من دون أيّ تحسين يذكر في المقابل. كما ان هناك احتمالاً لتزايد "الهيركات" عليها بفعل تدهور سعر الصرف بالسوق الموازي، وزيادة التضخّم المفرط، مع كل تأخير باعتماد الحل الشامل".



من دون برنامج وطني متكامل الانهيار مستمرّ لا محالة (فضل عيتاني)



إلقاء المال الجيد بعد السيئ

كثيرون اعتبروا ان زيادة رساميل المصارف بنسبة 20 في المئة لن تقدّم ولن تؤخر. فالمصارف أصبحت بحكم الخاسرة لأكثرية رساميلها تلقائياً، بعدما اتخذت الدولة قرارها الشهير بالتخلف عن سداد ديونها الداخلية والخارجية. وإذا لم تتمّ معالجة مشاكل القطاع المصرفي من ضمن الخطة الشاملة لإعادة الهيكلة، تكون زيادة الرساميل، برأي مبيض، كمن يطبق المثل القائل "إلقاء المال الجيد بعد السيئ"، (throw good money after bad). بمعنى، إنفاق المزيد من المال على شيء إشكالي، سبق أن أنفق المال عليه من دون الأمل باصلاحه. لكن الحسنة الوحيدة من هذه العملية، برأي مبيض، هي "إتاحة المجال أمام مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف للنظر عن كثب في وضعية البنوك، وفقاً لسيناريوات تبقى إفتراضية وغير مرتبطة بواقع القرارات التي من الممكن ان تأخذها أي حكومة سواء كانت الحالية أم المستقبلية".

لن يستفيد أحد

منذ أن بدأت بوادر الأزمة النقدية بالظهور نهاية العام 2019، تعددت آراء الخبراء واختلفت المواقف في ما بينهم، ليبقى الجامع الوحيد هو: التشديد على اعتماد الحل الشامل. فالحل "على القطعة" أو بـ"المفرق" على قاعدة "اللهم نفسي"، سيزيد التعقيدات ويعمق المشاكل. و"لقد طالبنا من البدء ‏بخطة ذات أبعاد ثلاثة تعالج مالية الدولة، خسارات مصرف لبنان، وخسائر المصارف"، يقول المدير التنفيذي السابق في بنوك وصناديق مالية عالمية صائب الزين، و"هذه العملية تتم من خلال إعادة الهيكلة الشاملة والتركيز على حماية صغار المودعين، وتحديد الخسارات وتقاسمها بطريقة عادلة، لا من خلال سياسة التعاميم وشراء الوقت". وبحسب الزين فان "بعد 28 شباط قد يكون أسوأ على المودعين بشكل عام، والصغار منهم بشكل خاص. فنسبة "الهيركات" على الودائع ارتفعت من حدود 30 في المئة قبل 10 أشهر، إلى 50 في المئة نهاية العام الماضي (يحصل المودعون على أموالهم من المصارف على سعر 3900 فيما سعر السوق يزيد عن 8000 ليرة) لتفوق اليوم نسبة الاقتطاعات 60 في المئة". أمّا على صعيد القطاع المصرفي فـ"زيادة الرسملة وتأمين جزء من البنوك نسبة 3 في المئة نقداً في المصارف المراسلة، لن تحل مشكلتهم وتعيدهم إلى سابق عهدهم كمصارف تجارية. فعدا عن زيادة رأس المال ستكون دفترية، سيعمد البعض من البنوك، بحسب الزين، "إلى إلغاء رخص المصارف التابعة غير الفعالة وإعادة دمجها بالبنك الرئيسي من دون أن يصار إلى عمليات دمج واستحواذ فعالة تفيد القطاع". وفي المحصلة فان "إعادة الرسملة المستقلة عن وجود حكومة فعالة، وخطة متفق عليها واضحة المعالم، وثقة داخلية وخارجية بمستقبل الاقتصاد لن تؤدي إلى نتيجة إيجابية. وهي لن تبقي المصارف تعمل كـ"زومبي" بنك فحسب، بل ستحول كامل الاقتصاد إلى هيكل من دون روح".

أولوية المقاربة الشاملة

لا شيء من الممكن ان يعوض الخلل الحاصل. فطالما لم تُوضع مقاربة شاملة لإعادة هيكلة القطاع المصرفي من ضمن برنامج للإستقرار المالي والنهوض الاقتصادي مع صندوق النقد الدولي، طالما الإنهيار سيستمر. وبرأي المبيض فان "الإتفاق مع الصندوق يجب أن يبنى على 5 ركائز أساسية، وهي: 1) إعادة هيكلة الدين العام وإصلاح المالية العامة عبر زيادة فعالية الانفاق، وترشيده وتنفيذ إصلاحات ضريبية عميقة ؛ 2) إعادة هيكلة القطاع المصرفي، مع إعطاء الأولوية لتنقيح ميزانية مصرف لبنان؛ 3) إصلاح السياسات النقدية وسياسة سعر الصرف؛ 4) إصلاحات هيكلية لإطلاق عجلة النمو (حوكمة، بيئة أعمال؛ و5) صياغة منظومة جديدة للحماية الإجتماعية...

لبنان بحاجة لبرنامج وطني متكامل يتفق عليه اللبنانيون يتضمن كل هذه الاصلاحات التي لن تؤدي إلى دعم الصندوق فحسب، بل إلى إعادة التوازن، إلى الاختلالات المالية الخارجية، تحسين تنافسية الصادرات من السلع والخدمات وعودة التدفقات المالية الخاصة تدريجياً، إذا ما التزمت السلطات اللبنانية بتطبيقه. وإلا فان الانهيار مستمر لا محالة. ففي السنة الماضية، انخفض العجز التجاري في ميزان المدفوعات بشكل كبير من 14 ملياراً إلى 7 مليارات تقريباً، وتحديداً في ما يتعلق بالميزان التجاري، إلا أن مصرف لبنان خسر 13 مليار دولار من سيولته الدولارية في العام 2020. جزء كبير منها ذهب على الدعم وتهريب الاموال والبضائع عبر الحدود، بسبب غياب قانون لـ"الكابيتال كونترول".