مايا الخوري

المحامية ليلى عواضه: المرأة ضحية الذكورية وحمايتها واجب

8 آذار 2021

02 : 00

تحت ستار "الطاعة"، لا تزال المرأة اللبنانية ضحيّة سوء استخدام السلطة في المنزل، ورغم جهود المنظّمات والجمعيات الأهلية لحمايتها، إن لم تُصحح الثغرات والشوائب في القوانين المتعلقة بحماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري سيبقى التحايل على القانون سيّد الموقف لإخضاعها.

الحملة التي قامت بها منظّمة "كفى عنف واستغلال" لإقرار قانون حماية النساء من العنف الأسري سجّلت إنجازاً بتحقيق الوعي الإجتماعي وتحويل قضية العنف الأسري من خاصة إلى رأي عام. حيث بات هناك ناشطون في الإعلام والسوشيل ميديا يتأهبّون ليتحوّلوا إلى خلية دعم عند الإبلاغ عن جرم أو عنف تجاه أي سيّدة. فأصبح المجتمع متفاعلاً أكثر ومعنيّاً بتقديم المساعدة والتدخل لحماية النساء من العنف الأسري. فضلاً عن أن تطبيق القانون بشكل إيجابي وفعّالٍ، خصوصاً في الشق المتعلّق بحماية الضحية، إنعكس وعياً لدى المجتمع الذي أدرك إمكانية إخراج المُعنِّف من المنزل أو منعه من التعاطي مع الضحية.

إلا أن الجانب التشريعي بثغراته، لم يبلغ مستوى الوعي الإجتماعي بعد، برأي ليلى عواضة المحامية المسؤولة عن وحدة العنف الأسري في منظمة "كفى". حيث لا يزال المعنيّون يرفضون حماية النساء وجعلها أولوية، والإعتراف بتعرّضهن للعنف على أساس الجنس. "وذلك من أجل حماية السلطة الأبوية والذكورية في المنزل وإبقاء المرأة خاضعة لطاعة الرجل، بمعنى آخر يرفضون الإنتقاص من هيبته وسلطته داخل أسرته".

ينقسم قانون "حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف" إلى اثنين، عقابي وحِمائي. بالنسبة إلى قسم الحماية، أشارت عواضة إلى توصية من الأمم المتحدة لتخصيص النساء بحماية من العنف الأسري، ورغم إلتزام لبنان بالإتفاقات والمواثيق الدولية، إلا أنهم عمّموا الحماية لتشمل سائر أفراد الأسرة بدلاً من تنفيذ التوصية، وهذه ثغرة أساسية. إذ يمكن للزوج كيدياً، أن يطالب بالحماية كردّ على طلب المرأة. فضلاً عن أن القانون اللبناني لم يربط العنف بعلاقات السلطة داخل البيت، كما في كل التعاريف الدولية التي تقول أن "العنف هو سوء استخدام للسلطة".

وتكشف عواضة عن "قضية إحدى السيّدات التي تعرّضت لعنف منزلي نتج منه ضرر في عمودها الفقري إستوجب خضوعها لعلاج. إضطرت بسبب وضعها الصحي السيئ أن تترك ابنها الرضيع في المنزل، فمنعها زوجها من رؤيته 6 أشهر. عندما لجأت إلى القضاء مطالبة بقانون حماية من العنف المعنوي، لم تحصل عليه. عندها وقفت تحت شرفة المنزل تصرخ مطالبة برؤية ابنها، فتقدّم زوجها بطلب حماية لمنعها من الإقتراب منه. إنما القاضي الواعي والمتحسس لقضية العنف ضد النساء أنصفها برفضه الطلب الكيدي مانحاً إياها قراراً باستلام إبنها. إلى ذلك طالبت "كفى" بتأهيل المُعنِّف فور إبعاده عن المنزل لئلا يقوم بأفعال عنفية أكبر. "لكنهم رفضوا أيضاً ضمّه إلى قانون الحماية، لأنهم عندما يفكّرون بالقانون، ينظرون إلى المعنّف كرجل لا يريدون تكبيله بالأعباء والإلتزامات".

وعن مطالبة المنظّمة "بتوحيد قانون الأحوال الشخصية"، تقول: "لا تزال الدولة تعالج نتيجة العنف بدل الإنطلاق من الأسباب. برأينا، قوانين الأحوال الشخصية هي أول مسبب للعنف ضد النساء كونها تكرّس السلطة الأبوية في المنزل وبالتالي تفرض الطاعة على النساء، كما هي مصدرٌ لهذه الأدوار النمطية التي تظهر عنها لامساواة في السلطة داخل الأسرة وبالتالي تبرير العنف".

مضيفة: "لذا نعتبر أن قانون الأحوال الشخصية الموحّد أولوية على مستووين، على مستوى حقوقي في مكافحة وتمييز العنف ضد النساء بشكل شامل بدءاً من المنبع. وعلى المستوى السياسي". وردّاً على مطالبة المجموعات السياسية والأحزاب التي تكوّنت بعد 17 تشرين بالدولة المدنية وإلغاء النظام الطائفي، تقول: "لا يمكن الحديث عن إلغاء النظام الطائفي وإبقاء قوانين الأحوال الشخصية عند الطوائف في آن، أو الحديث عن دولة مدنية وعلمانية مع إبقاء هذه القوانين. أو الحديث عن فساد القضاء وضرورة إستقلاليته مع إبقاء قوانين الأحوال الشخصية عند الطوائف. إنه موضوع لا يتجزأ، كونه مطلباً حقوقياً وسياسياً على حد سواء. لا يمكن معالجة المواطنة والتحدث عن دولة المواطنة والعدالة الإجتماعية وإستعادة علاقة المواطن بالدولة، في الوقت الذي نُبقي فيه إرتباط المواطن الشخصي بطائفته".

وتأسف عواضة "لعدم اعتراف دولتنا بالعنف الممارس على النساء، على أساس جنسي. ولا بموضوع العنف الأسري أو بقضية التحرّش، بل تضع هذه القضايا في إطار عام، أي بمصاف أي جريمة إجتماعية أخرى".

وعن جديّة تطبيق القوانين في ما يتعلّق بالعنف الأسري، تشير إلى 3 مستويات في تطبيق القانون، "هناك قاضٍ مجتهد نشيط متحسس لتلك القضايا، يصدر أحكاماً ممتازة. في مقابل قاضٍ يخضع لتدخلات سياسية وحزبية في الملفات، ونموذج ثالث لقاضٍ ذكوري لا يؤمن بقوانين حماية النساء فيبرر إنفعال الرجل وعنفه ضد المرأة".

وتكشف عواضة عن ثغرات وتقصير في موضوع حماية المرأة عند متابعة ملفات جرائم العنف ضد النساء في القضاء. لافتة إلى "أن ما يؤثر في فعالية الحماية هو البطء في المحاكمات وعدم تشديد العقوبة، مثلما حصل في ملف "رولى يعقوب" التي قُتلت على يد زوجها في عام 2013، ولم يصدر الحكم في قضيتها حتى الآن، بل لا تزال أمام محكمة التمييز. إرتبط زوجها مجدداً ويعيش حياة طبيعية في إنتظار محاكمته. أحياناً، نكتشف منح القاضي أسباباً تخفيفيّة للزوج وتبريراتٍ للإنفعال في أثناء الجريمة، وهذا التراخي في العقوبة والبطء في المحاكمات يساهم في عدم تفعيل قانون حماية النساء من العنف الأسري".

وعمّا إذا كانت نسبة التبليغ عن حالات العنف قد زادت بعد الحجر المنزلي، تُجيب: "لا رقم إحصائياً رسمياً عن نسبة العنف الأسري ضد النساء في المجمل، إذ تتكل كل جمعية على الإتصالات التي ترد إليها. نلاحظ في "كفى" أن نوعية الإتصالات هي التي إختلفت في فترة الحجر المنزلي. برأينا بعض النساء لا يجد مساحة كافية للتبليغ أو التحدث عن العنف الذي يتعرّضن له، بسبب تواجد المُعنّف في المنزل. فيما إتّكلت سابقاً على خروجه أو خروجها لتتمكن من الإتصال والتبليغ. لاحظنا أيضاً أن نسبة الإتصال للإبلاغ عن العنف الآني والمباشر زادت، وذلك لخوف الضحية على حياتها. كما لاحظنا زيادة في وتيرة العنف لا في نسبة حالات العنف. أي أن من تعرّضت للتعنيف في فترة الحجر، عانت منه سابقاً ومراراً، إنما بقاء المعنّف في المنزل زاد من وتيرته وبالتالي من خطورته على حياتها، ما انعكس ارتفاعاً في الأرقام".

وتوضح أن من يعاني أساساً من سلوك عنيف، يضاعف عنفه ويتعرّض أكثر للمرأة في ظل ظروف عصيبة أو بسبب تواجده الدائم في المنزل، إنما الظروف الإقتصادية والمعيشية الصعبة لا تخلق رجلاً معنّفاً. كلما زادت وتيرة العنف، زادت نسبة الجرائم. والدليل إلى ذلك تصريح زوج الضحية "زينة كنجو" بعدما قتلها "لم أفعل شيئاً، وضعت كما كل مرّة يدي على فمها فقط".

وتكشف عواضة أن العنف المعنوي يسجّل النسبة الأعلى بين أنواع العنف، وهو يرتكز على "إهانات، شتائم، تحقير، سوء معاملة، إهانات لفظية، ويكون مرافقاً أساسياً للعنف الجسدي، كما يمكن أن يكون مستقلاً أيضاً".





تتلقى "كفى" عادة أكثر من 100 إتصال شهرياً لحالات تطلب المساعدة. خفّت نسبة الإتصالات قليلاً بعد انفجار 4 آب لأن الأولوية تغيّرت، لتتضاعف طلبات إيجاد عملٍ ومدخولٍ بسبب الظروف الإقتصادية الصعبة. 1754 هو الرقم المخصص لطلب المساعدة بالتعاون ما بين قوى الأمن الداخلي و"كفى"، وهذا الرقم هو الإنجاز الثاني بعد تحقيق الوعي الإجتماعي برأي عواضة. لأن المتصلات يشعرن بفعاليته وبسرعة التدخّل، ما يشجّعهن أكثر على طلب المساعدة.

عن أي نوع مساعدة تبحث المتصلة؟ تجيب: "تبحث عن مساعدة إجتماعية بالدرجة الأولى، فترافقها أخصائية إجتماعية تفكّر معها وترتّب لها خياراتها وأولوياتها لتضعا خطة الخروج من العنف. بعد وضع خطّة تلبي إحتياجاتها الخاصة يمكنها الإتجاه نحو المساعــدة النفسية والقانونية والإقتصادية".

عن دور الدولة اللبنانية في ما يتعلق بحماية النساء، تقول: "لا يمكن محو الجريمة بالمطلق أو منعها، إنما من واجب الدولة تشريع قوانين رادعة. في الدول المتحضّرة، عندما تصبح المرأة جاهزة للشكوى ستجد قوانين جاهزة لحمايتها ولإبعاد المعتدي عنها. إنما في لبنان، إذا كانت المرأة جاهزة لتقديم الشكوى فتجد أن الآليات غير متوافرة. نحن نقوم دائماً بحملات مطلبية للضغط على الدولة للقيام بواجباتها".

ما المطلوب لتصبح المرأة اللبنانية بأمان؟ تُجيب: "يجب تحقيق قانونين: الأول إستعادة توازن علاقات السلطة داخل المنزل فتتغيّر ثقافة الفكر الذكوري. ولا يتحقق ذلك من دون تغيير قوانين الأحوال الشخصية وتوحيدها لأنها منبع الثقافة. فضلاً عن قانون شامل للعنف ضد النساء يعمل على 4 محاور: الوقاية والحماية والملاحقة أي محاسبة المعنّف والتعويض على الضحية، لأن نساء كثيرات خسرن مهارات جسدية بسبب العنف".

قضايا النساء غير منفصلة عن الوعي السياسي برأي عواضة، "يجب أن يعرف المواطن من ينتخب، وأي قوانين سيشرّع، وكيف يفكّر، وما هي رؤيته للعدالة الإجتماعية والمساواة. وهل هو متبنٍ لمفهوم المواطنة بشكل عام، لأن هذه كلها تنعكس على قضايا النساء. القضايا النسوية هي أساسية، فالنسوية حركة سياسية غير منفصلة عن القضايا السياسية الأخرى. أي قضية سياسية وإجتماعية وإقتصادية مرتبطة مباشرة بالقضايا النسائية لأن أول المتضررين هنّ النساء. عند أي متغير بالوضع الإقتصادي والمعيشي في البلد، تتضرر النساء ضعف ما يتضرر الرجل بسبب عدم التكافؤ في فرص العمل والقوانيـن وتوزيع الثروات".