لبنانيون عاشوا الحرب الأهلية: الفقر والجوع والفساد أسوأ من القذائف

02 : 00

خلال سنوات الحرب الأهلية، اعتادت عبلة باروتا الاحتماء وعائلتها من القذائف كلّما اشتدت المعارك، لكنها اليوم وفي خضم أسوأ أزمة اقتصادية يشهدها لبنان، تقول إنها لا تعرف كيف تحمي نفسها من الجوع والفقر ومن فساد الزعماء. وتوضح عبلة (58 عاماً)، ربّة المنزل التي تعافت خلال الأشهر الماضية من إصابة بالغة جراء انفجار المرفأ القريب من منزلها: "أثناء الحرب، حين كنا نسمع القصف، كنا نختبئ في المنزل أو الملاجئ. لكن اليوم كيف نختبئ من الجوع؟ من الوضع الاقتصادي؟ من كورونا؟ من زعمائنا؟".

وتقول: "كانت مخاوفنا أن نموت جراء قذيفة أو قناص، لكن اليوم كل شيء يخيفنا، المرض والفقر والجوع". تصمت قليلاً ثم تضيف بحسرة: "أن يموت الفرد جراء قذيفة أفضل، أقله لا يعاني... بينما نعاني اليوم ونموت ببطء".

على غرار عبلة، يردّد كثر في جلساتهم وعلى شاشات التلفزة أن ما يشكون منه اليوم تحت وطأة الانهيار الاقتصادي منذ العام 2019 والتدهور الجنوني لليرة والخوف من العوز، لم يشهدوه حتى في أسوأ أيام الحرب الأهلية (1975-1990) التي يحيي لبنان غداً الذكرى الـ 46 لاندلاعها. ورغم فصول مرعبة من العنف والخطف والاغتيالات والقصف، كانت وتيرة الحياة تستأنف عادية كلما سكتت المدافع. ولم تتوقف العجلة الاقتصادية، بينما كانت الجهات المتصارعة تتلقى دعماً وفيراً بالمال والسلاح من الخارج.

وانتهت الحرب بعد توقيع اتفاق الطائف العام 1989، وجولة عنف أخيرة انتهت في 1990، وتقاسمت القوى السياسية التي خاضتها السلطة بعد الحرب، وفشلت في بناء دولة مؤسسات وقانون. وجاء الانهيار الاقتصادي الأخير ليشكّل أسوأ أزمات لبنان ونتج عن سنوات من الإهمال وسوء الإدارة والأزمات السياسية المتتالية. وبات أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر، وفق الأمم المتحدة.

وباتت عائلات كثيرة في لبنان تعتاش من مساعدات وإعانات تقدمها جهات مانحة أو حتى أحزاب.

في محلة الكرنتينا الملاصقة للمرفأ، يروي جان صليبا (63 عاماً)، مختار المنطقة سابقاً، قصص عائلات تدمرت منازلها أو تضررت، أو فقدت أفراداً جراء انفجار بيروت.

ويقول الرجل بينما يرد على تحيات من المارة في الشارع، "لم نر الدولة" منذ الانفجار، "ولولا المساعدات المادية والغذائية من الجمعيات، لما كان الناس يقوون على الاستمرار".

ويتحدث بمرارة عن "نكبة جماعية" ألمّت بسكان المنطقة. ويقول إن ما تعرضوا له في أحلك جولات الحرب "نقطة في بحر" مآسي الانفجار. حينها "كان الفرد يتوجّه إلى عمله خلال النهار.. وثمة فترات جنى فيها الناس المال. كانت هناك بحبوحة لم تعد موجودة اليوم". وإذا كان "جيل الحرب" صمد بمواجهة القذائف، فإن "الحالة الاقتصادية في ظل... دولة لا تسأل عن المواطن هي "التي تخيف" الناس جميعاً اليوم.

ورغم كل هذا المشهد المأسوي والنقمة الشعبية على الطبقة السياسية، ما زالت القوى السياسية عاجزة عن إيجاد حلول لأزمة أسقطت حكومتين، وقد مضت أشهر على استقالة الثانية، وفاقمها تفشي فيروس كورونا ثم انفجار المرفأ.

في منطقة رأس بيروت، يقصد زبائن قليلون محل سمير حداد (83 عاماً) المتواضع لإصلاح آلات كهربائية، بعدما كان أربعة موظفين يعملون لديه خلال الحرب في صالة عرض أنيقة.

تغلبه دموعه ويشهق بالبكاء عندما يتذكر "أيام العز" في بيروت. ويقول "الوضع اليوم قاس جداً.. أصلّي لربّي أن يحمي البلد الى أن يتحرك ضمير" المسؤولين. ويضيف "ولّت الأيام الحلوة، ولّت".

MISS 3