"سيدر" تحت المجهر: الموازنة أوّل الاختبارات

00 : 49

تأفّف اللبنانيون من لغة الأمر والنهي التي اعتمدها الموفد الفرنسي بيار دوكان حيال الأرقام والمؤشرات الصادمة التي صادفها في رحلة البحث عن ابرة إصلاحات في كومة الفوضى التي تعيث فساداً بالوضع الاقتصادي والمالي اللبناني... ولو أنّهم يعرفون جيّداً أنّ الانهيار لم يعد مجرد فزاعة يتم التهويل بها ويصار الى تقاذف كرة نارها في اطار الصراعات السياسية، وإنما باتت على العتبة، ولم يعد حتى إعلان حالة الطوارئ كافياً لمواجهة الأسوأ.

اذاً، كل ما فعله الموفد الفرنسي هو تذكير اللبنانيين بـ"عورات" الإرث الثقيل المتوارث من العهود السابقة، من دين عام يسرع لملامسة حافة المئة مليار دولار ونهب واستباحة للمال العام، واسقاط ورقة التين عن القوى السياسية التي تتذاكى على ناسها من خلال محاولة اقناعها بأنها وضعت اصلاحات، مطلوبة من دون الحاجة إلى "املاءات" المانحين، على سكة التنفيذ.

قال دوكان ما يقوله يومياً اللبنانيون، الذين استحالوا جميعاً خبراء اقتصاديين وماليين: كل محاولات السلطة الانقاذية، ليست إلا "ضحكاً على الذقون"، فيما زواريب الهدر مفتوحة على مصراعيها، ومنظومات الفساد تنهش بما تبقى من فتات المال العام.

كل ما فعله "ناظر سيدر" هو اعادة رسم خريطة الطريق المفترض على الحكومة سلوكها لكي تدخل "جنة سيدر"، ولو أنّها عبارة عن قروض ميسّرة ستتحملها الخزينة العامة، لكن البلد يعوّل عليها في سبيل إعادة تحريك العجلة الاقتصادية ورفع منسوب النمو.

هكذا، عادت الكرة إلى ملعب الحكومة حيث يفترض أن تكون موازنة العام 2020 الاختبار الأول لجدية السلطة اللبنانية في تنفيذ رزمة الاصلاحات المطلوبة منها، ليس من باب الانصياع للاملاءات الخارجية، ولكن من باب الواجب الانقاذي.

يقول أحد المعنيين بملف متابعة "سيدر" إنّ السلطة السياسية لم تعد تملك ترف الوقت وهي بحاجة الى اتخاذ سلسلة اجراءات جذرية لوضع حدّ للتدهور الاقتصادي وذلك من خلال خطتين: الأولى، قصيرة إلى متوسطة المدى، والثانية متوسطة إلى بعيدة المدى. أما الهدف فمحدد بلجم العجز في المالية العامة، الناتج عن فظاعة الدين العام والاختلال في الميزان التجاري.

ويلفت إلى أنّ طاولة الحوار التي استضافتها الرئاسة الاولى في بعبدا ليست سوى خطوة تمهيدية، وهي لا تشكل الوعاء العلمي لأي خطة اصلاحية جدية، لكنها خطوة أولى على طريق طويلة، يفترض أن تكون موازنة العام 2020 أبرز محطاتها المنتظرة. ويؤكد أنّ مشروع الموازنة سيتضمن سلّة اجراءات قاسية وموجعة ستطال كل الشرائح المجتمعية ولو بنسب مختلفة ومتدرجة، وتشمل: التهريب، التهرّب الضريبي، القطاع العام، الكهرباء...

ويشير إلى أنّ القوى السياسية جميعها تستعد لهذا الاستحقاق من خلال سلسلة أوراق اقتصادية ستوضع على طاولة مجلس الوزراء فور ادراج مشروع الموازنة على جدول الأعمال، لبدء جوجلة الأفكار المعروضة والخروج بخلاصات موحدة تنضم إلى الموازنة العامة التي ستوضع تحت المجهر الدولي.

ويؤكد أنّ الجانب الرقابي يشكل حيزاً مهماً من شروط مانحي "سيدر"، مشيراً إلى أنّ آلية المتابعة تلحظ وجود لجنة تضم ممثلين عن الدول والهيئات المانحة والدولة اللبنانية، فيما يتمّ العمل على آلية المراقبة بالتنسيق مع مجلس الانماء والاعمار الذي سيتولى تنفيذ مشاريع البنى التحتية.


MISS 3