خالد أبو شقرا

حسن إدارة أصول الدولة يُشكّل أحد المداخل الأساسية للإستفادة من الإيجابيات النادرة للأزمة النقدية

الدين العام يتراجع إلى 40 مليار دولار... والعبرة تبقى بالتسديد

15 نيسان 2021

02 : 01

السماح للشركات الخاصة باستثمار المرفأ يؤمّن تدفّقات نقدية هائلة بالعملة الأجنبية (رمزي الحاج)

الغرق في رمال الدعم المتحركة، تلاحق الأزمات المعيشية، إنهيار سعر صرف الليرة، وتوالد المشاكل مع المصارف... عناوين كبيرة أنستنا جوهر الأزمة الحقيقية المتمثلة بالدين السيادي أو العام. فهذا الدين الذي فاق لغاية نهاية العام الماضي 94 مليار دولار، ما زال يرتفع باضطراد على الرغم من توقف الدولة عن سداد الديون.




يتفق الإقتصاديون على أن المشكلة لم تكن يوماً في الرقم بحد ذاته، بل بنسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي، حيث فاقت هذه النسبة 170 في المئة، بناء على آخر الأرقام المنشورة من قبل وزارة المالية في العام 2019، التي حددت الناتج الإجمالي بـ 55 مليار دولار أميركي. أمّا هذا العام ومع ناتج لن يتجاوز 18.7 مليار دولار، بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، فان نسبة الدين إلى الناتج سترتفع نظرياً إلى 513 في المئة. لكن فعلياً، فان الحقيقة ستختلف باختلاف طريقة احتساب قيمة الدين بالعملتين المحلية والأجنبية. ولن يصار إلى معرفة الرقم الحقيقي إلا بعد خطة حكومية رسمية تحدد حجم الدين وطريقة احتسابه.


الدين العام مستمر بالإرتفاع



ينقسم الدين العام إلى شقين الأول بالعملة الأجنبية بقيمة 34 مليار دولار والثاني يقدّر بحدود 58.7 مليار دولار بالليرة اللبنانية على سعر صرف 1515 ليرة. يحمل مصرف لبنان والمصارف التجارية ما يعادل 17 مليار دولار أو ما نسبته 50 في المئة من مجمل الدين بالدولار. فيما يتوزع الدين بالليرة اللبنانية بأغلبيته على مصرف لبنان والبنوك والضمان الإجتماعي الذي يحمل الحصة الأقل بما يقدر بـ12 تريليون ليرة. وبلغت خدمة الدين لغاية نهاية العام 2019 نحو 6 مليارات دولار سنوياً تتوزع على الأقساط وفوائدها.


المفارقة الاولى في ملف الدين العام هو استمراره بالإرتفاع رغم إعلان الدولة في 9 آذار 2020 توقفها عن سداد الديون بالدولار (يوروبوندز)، وعزمها على إعادة جدولة تلك المقومة بالليرة اللبنانية. وهذا ما يظهر جلياً من خلال تسجيل الموازنة العامة في 2020 عجزاً نظرياً بقيمة 7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، أو ما يقدر بـ 3.9 مليارات دولار. مع العلم أن احتساب تراجع الإيرادات بأكثر من 50 في المئة في العام 2020 واستمرار الإنفاق التشغيلي كما هو، يرفع نسبة العجز إلى أكثر من 11 في المئة أو ما يتراوح فعلياً ما بين 6.5 و 7 مليارات دولار. و"في الوقت الذي تعجز فيه الحكومة عن الإستدانة لتسكير العجز، فهي تتكل على طباعة النقود من مصرف لبنان لتسديد المستحقات من دون أن تسجله ديناً على نفسها"، يقول رئيس الجمعية الاقتصادية اللبنانية د. منير راشد، "فيما الحقيقة أن هذه الطريقة للتمويل تعتبر وجهاً آخر للاستدانة يتحمل كلفتها كل الشعب اللبناني من خلال ارتفاع الأسعار والتضخم الكبير".


معالجة الدين العام الهائل



كل انهيار في الليرة اللبنانية يخفض قيمة الدين. فـ"اذا كان مجمل الدين بالعملة المحلية يساوي 58.7 مليار دولار (89 تريليون ليرة) على سعر صرف 1515، فقد أصبح، مع وصول سعر الصرف إلى 13 ألف ليرة، يعادل 6.8 مليارات دولار"، بحسب راشد، و"إذا أضفنا اليه الدين بالعملة الاجنبية بقية 34 ملياراً يصبح مجمل الدين 40.8 مليار دولار. أما نسبته من الناتج المحلي المقدر بحسب صندوق النقد بـ18.7 مليار دولار فستتراجع إلى 218 في المئة". مع العلم ان الناتج المحلي الإجمالي، بحسب راشد، "لم ينخفض إلى هذه الدرجة، بل إنه من الممكن أن يكون قد تراجع في العام 2020 بنسبة 25 في المئة ووصل إلى حدود 35 مليار دولار. وذلك لعدة أسباب تتعلق بطريقة احتساب الناتج من مختلف الأنشطة الحقيقية بشكل فعلي، قياساً إلى القوة الشرائية. الأمر الذي يخفض نسبة الدين إلى الناتج مرة جديدة إلى 116 في المئة. وهذا الرقم قريب مما يطلبه صندوق النقد الدولي والجهات المانحة بخصوص تخفيض نسبة الدين إلى الناتج إلى حدود 100 في المئة".


مقدمة لحل أزمة المصارف



النقطة الثانية التي لا تقل أهمية عن نسبة الدين إلى الناتج، هي أن معالجته تحل مشكلة المودعين في المصارف، وإن لم يُصر بعد إلى الإتفاق على الخطة الشاملة على تسديد المستحقات بالعملة الأجنبية. فالشق المتعلق بالعملة اللبنانية سيكون مضموناً وهو ما يخلص الإقتصاد من طباعة النقود، وبالتالي تحميل المواطنين أكلاف التضخم الناتجه عنه. وبرأي راشد فان "الصندوق الذي اقترحته خطة الحكومة المستقيلة (غير المنفذة) لتجميع أصول الدولة والتعويض من خلال استثمارها على المودعين لا يقدم ولا يؤخر. فيما الحل من وجهة نظره هو "بيع هذه الاصول بمبالغ قد تصل إلى حوالى 50 مليار دولار، ما يسمح للمصارف بارجاع الحقوق لأصحابها، ولو أن الودائع بالعملة الأجنبية البالغة 111 مليار دولار في المصارف لا توجد في مقابلها حقوق فعلية بالقيمة نفسها. لكن تخصيص الأصول، واستثمار المرفأ بنفس الطريقة التي يلزم بها استخراج النفط، وبيع بعض الشركات تؤمن تدفقات نقدية بالدولار الحقيقي كافية لانتشال لبنان من المأزق الواقع فيه". وبحسب راشد فان "تحرير سعر صرف الليرة وتسديد البنوك المستحقات ولو بالليرة، لكن بسعر الصرف الحقيقي، كفيلان بعودة الإستقرار إلى السوق الداخلية.



حسن إدارة أصول الدولة... و الأساس


هذه العملية التي يستفيد منها كل اللبنانيين، مودعين أو غير مودعين، بسبب تراجع التضخم، "تتطلب حسن إدارة أصول الدولة ووجود حكومة تقنية منسجمة مع نفسها، لا تملك أجندة سياسية، وقادرة على أخذ القرارات غير الشعبوية"، يقول نائب رئيس مجلس الوزراء السابق غسّان حاصباني. فمن شأن الإدارة السليمة لهذا الملف الذي اكتسب أهمية أكبر، جذب الإستثمارات الأجنبية المباشرة وإعادة تحريك العجلة الإقتصادية، وتأمين الخدمات بشكل أفضل وخلق آلاف فرص العمل. والدليل الأوضح على ذلك هو مرفأ بيروت. ففي الوقت الذي لا تتجاوز فيه كلفة إعادة تأهيله نصف مليار دولار، فأن "قيمته كمرفقٍ استراتيجي على المتوسط، بغض النظر عن قيمته العقارية، تحقق للدولة مداخيل هائلة مسبقة توزاي العشرين سنة القادمة"، يقول حاصباني، و"بامكان الدولة تحقيق هذه المبالغ فوراً في حال قبولها عروض الشركات الراغبة باستثماره وإدارته. وبالتالي استخدام هذه العوائد لإطفاء جزء كبير من الدين العام بالليرة اللبنانية". ومثل المرفأ هناك الكثير من أصول الدولة التي من الممكن أن تستقطب بالإدارة السليمة تباعاً وتدريجياً إستثمارات أجنبية كبيرة. وهنا، تنتفي الحاجة إلى المساعدات الخارجية". وفي السياق يلفت حاصباني إلى أنه "مع هيكلة الدين وبدء تسديد الدولة ديونها للبنوك، وعودة التدفقات النقدية الخارجية بالعملات الأجنبية يستعيد القطاع المصرفي الثقة وتنخفض سقوف الطلبات للحصول على كامل الودائع. وهذا يخفف المشاكل بشكل كبير".


التطلع إيجاباً نحو المستقبل والبناء على خطط إدارة الأصول العامة بطريقة فعالة ومنظمة، "يقعان في صميم الإصلاحات"، من وجهة نظر حاصباني. حيث يجب أن يترافقا مع سلة إصلاحات شاملة في مختلف القطاعات إضافة إلى الإصلاح في الإدارة العامة.

MISS 3