خالد أبو شقرا

إقفال المعابر غير الشرعية يتطلّب الحزم بعد أخذ "المباركة" السياسية

التهريب من لبنان أشدّ ضرراً من التهريب إليه

12 أيلول 2019

02 : 27

عدم ضبط التهريب يخدم النظام السوري المحاصر (أرشيف)
لا ينحصر دور المعابر غير الشرعية بتهريب البضائع من سوريا إلى لبنان كما يظن البعض. فبالرغم من الضرر الكبير الذي تلحقه عمليات تهريب البضائع والمنتجات من سوريا، يبقى على الأكيد أخف مما قد يترتب على عمليات التهريب المعاكسة من لبنان الى سوريا، والذي يفوت المسؤولين عند مقاربتهم لهذا الملف الحديث عنه، وذلك نظراً لما سيكبده من عقوبات دولية على لبنان ككل، في وضع تصل الحاجة فيه الى الدعم الخارجي حدّ الاستجداء.



في جدول تحديد الصادرات والواردات للنصف الاول من العام الحالي، الصادر عن "الجمارك اللبنانية"، والمعاد تفصيله في كل من تقرير "جمعية المصارف اللبنانية" ومصرف "بلوم للاستثمار"، يظهر في جهة الاستيراد، وتحديداً في خانة المنتجات النفطية، رقماً فاقعاً. إذ وصلت قيمة المستوردات النفطية في الاشهر الستة الاولى من العام الحالي الى 3 مليارات دولار، مقارنة مع 1.3 مليار دولار للفترة نفسها من العام 2018. وهذا الفارق البالغة قيمته ملياراً و700 مليون دولار، لا يظهر في جدول الصادرات، ليقال انه أعيد تصديره، فإين ذهب؟

ولو معبر واحد!

يجيب أحد المسؤولين المتابعين لهذا الملف أن "أكثر من نصف مستوردات لبنان من النفط تحديداً تهرّب الى سوريا عبر المعابر غير الشرعية، فمن المستحيل إيصال كل هذه الكميات تحت أعين الجمارك اللبنانية عبر المعابر الشرعية مهما بلغت درجة غض النظر". تعليق منطقي لكنه يثير الاستغراب وسط تأكيد وزير الدفاع الياس بوصعب مؤخراً في حديث صحافي انه "لم يبق من المعابر غير الشرعية سوى ما بين 8 و 10 معابر". يؤكد المصدر أنه "لو بقي معبر واحد مخصص لعبور الشاحنات، كما ظهر بشكل واضح في التقارير التلفزيونية، فهو كفيل بتفريغ حمولة النفط في لبنان ونقلها الى سوريا عبر الصهاريج، في وضح النهار".

تقرير جمعية المصارف يظهر أن فاتورة المستوردات ارتفعت بشكل ملحوظ من ثلاث دول رئيسية، هي: الولايات المتحدة الاميركية، روسيا واليونان، وإذا كان من المستحيل أن يهرب النفط الاميركي، فانه من المحتمل أن يكون نفط كل من روسيا واليونان يذهب مباشرة الى سوريا المحاصرة بالعقوبات الدولية، عبر بوابة لبنان مع كل ما يترتب من أخطار على هذا السلوك.

إستجلاب العقوبات

فالتهريب الى دولة معاقبة يستجلب العقوبات على الدولة المهربة، وهذا ما لا يستطيع لبنان تحمله في ظل أسوأ مرحلة إقتصادية، يتزامن فيها الانكماش الاقتصادي مع تخطي عجز الخزينة وميزان المدفوعات كل الخطوط الحمر، وفي الوقت الذي تتمحور فيه الرهانات للخروج من الازمة على مساعدة الدول المانحة في مؤتمر "سيدر".

هذا وتؤدي عمليات الاستيراد للتهريب، الى زيادة العجز في الميزان التجاري، وارتفاع الطلب على الدولار من لبنان لتوفير ثمن المشتريات. وبحسب المصدر المسؤول فان "سداد ثمن النفط المهرب لا يمر عبر المصارف بل يدفع بشكل مباشر للمهربين بعملات لا تنحصر بالدولار فقط، بل ممكن أن تكون بعملات أخرى أو بخدمات أو تسهيلات، وغيرها الكثير من الطرق، التي لا تعود على الخزينة والبلد بأي منفعة تذكر".

سوريا مستفيدة

الجهود المبذولة لتسكير المعابر غير الشرعية، ما زالت بحسب وزير الدفاع تتطلب "حلاً سياسياً يقضي بترسيم الحدود مع سوريا وتعاون جيش البلدين"، وهنا تحديداً يبرز سؤالان: الأول، هل هناك حل سياسي قد يكون أكبر من قرار مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة في 24/05/2019 والذي جاء فيه "قرر المجلس الطلب من الجيش اللبناني والاجهزة الامنية كافة التشدد في ضبط الحدود البرية ومنع عمليات التهريب، إضافة للإيعاز الى إدارة الجمارك اتخاذ أقصى العقوبات والغرامات بحق المهربين، وصولاً الى مصادرة الآليات المستعملة للتهريب بحسب الاصول".

أما السؤال الثاني، فمن قال ان الجيش السوري يهمه ضبط الحدود والمساعدة في وقف التهريب ومنع إيصال السلع الاستراتيجية والحيوية اليه في ظل اشتداد الخناق على نظام الاسد؟! في الوقت الذي تتفق فيه معظم القوى السياسية على أهمية نيل ثقة الاطراف الدولية وإظهار حسن السلوك لتسهيل وصول القروض والتخفيف من آثار الازمة الخانقة، يبقى سلوك بعض الاطراف على أرض الواقع مستجلب للأزمات، بدءاً من العقوبات على الافراد مروراً بالمصارف ووصولاً الى احتمال فرض عقوبات دولية على لبنان ككل، في حال استمرار هذا السلوك.

وبرأي متابعين فإن المشكلة في ملف التهريب عبر المعابر الشرعية وغير الشرعية، انه أصبح خاضعاً للمحاصصة مثله مثل بقية الملفات الاشكالية التي لم تحل من نفايات وكهرباء وماء وتلوث وغيرها الكثير. فلكل جهة مقاربتها للموضوع ووجهة نظرها وهو ما يعقد الحلول ويجعلها شبه مستحيلة. التهويل بحجم هذا الملف لجهة تطلبه الكثير من الاموال، والحاجة الى نشر عديد كبير من الافراد على الحدود، قد يُحل سريعاً وذلك من خلال الادوات التكنولوجية، وتجيير البعض من الهبات والمساعدات لمكافحة التهريب. وكل ذلك يتطلب أمراً واحداً: توفّر النية واتخاذ القرار بمسك الملف بقبضة حديدية.


MISS 3