مايا الخوري

جواد عدرا: لن ننهض بلبنان ما لم ندرّس التاريخ الحقيقي

26 نيسان 2021

02 : 00

إستعاد متحف "نابو" نشاطه بعد التوقّف القسري الذي فُرض على لبنان بسبب جائحة "كورونا"، فقدّم معرض "يأس وأمل" الذي يستعرض صوراً ولوحات عن الحرب الأهلية اللبنانية، تتوسّطها شجرة الأمل. أحد مؤسسي المتحف، رئيس "الدولية للمعلومات"، جواد عدرا تحدث إلى "نداء الوطن" عن أهمية المتحف ورسالته للنهوض بلبنان الجديد.

"متحف نابو" مؤسسة قدّمت مساحة لتنظيم نشاطات ثقافية وفنيّة عديدة وموقعاً أساسياً لعرض تُحف ومقتنيات أثرية نادرة، كيف تؤمّنون استمراريته في ظلّ الأزمات التي يمرّ فيها لبنان، بدءاً من انهيار الوضع المالي مروراً بانفجار المرفأ وصولاً إلى إقفال البلد على مراحل عدّة بسبب جائحة "كورونا"؟

إن مؤسسي متحف "نابو"، بدر الحاج، فداء جديد وأنا، أعلنّا في كتيّب حول غايات المتحف ما يلي: "لطالما حلمنا نحن الثلاثة بالقيام بأمر ما يخدم مجتمعنا ويمكّنه من الإنتقال من حال التروي إلى حالٍ جديدة تسيّر عمق تاريخنا...". كنا نعلم ما يعانيه لبنان قبل تأسيس المتحف، متوقّعين الإنهيار، إنما نحن جاهدون كمواطنين للاستمرار بدعم المتحف المفتوح مجاناً للمواطنين. كانت "الكورونا" طبعاً عائقاً وقد التزمنا بالإقفال. وبعدما إرتكز برنامجنا على تنظيم ثلاثة أو أربعة معارض خلال العام، سيقتصر نشاطنا على تنظيم معرضين فقط، لأن ذلك يبدو صعباً.

افتتحتم أخيراً معرض "يأس وأمل" الذي يحكي عن حرب لبنان الأهلية وحروب المنطقة. ما الهدف أو الرسالة، من عرض لوحات تختصر هذه المآسي خصوصاً أن ثمة تهرّباً من كتابة التاريخ ومحاولة لطمس الذاكرة الجماعيـــــــة أو تحويرها؟

لن نتمكن من النهوض بلبنان ما لم نعِ أو ندرّس التاريخ الحقيقي المدعّم بالوقائع والأدلّة لا بروايات غير مثبتة. الأهم ألا ندرّس التاريخ كـ"أبطال" و"حرامية". اللجوء إلى التقديس وإلى التخوين في رواية التاريخ لا يساعد في بناء وطن. لذلك يأتي هذا المعرض (يأس وأمل) لنبيّن بالوقائع وبالصور شعارات الأحزاب والقوى السياسية التي شاركت بالحرب الأهلية وكذلك صرخة الأطفال وعائلات المفقودين. نأمل في أن يقرأ الزوّار الكتابات التي تركّز على سبر أغوار علّة لبنان.





بعض شعوب المنطقة ساهم في شكل أو في آخر بأزمات بعضه البعض، فهل توحيد الألم في هذا المعرض يُمهّد أمام المصارحة والمصالحة وبالتالي التأسيس لمستقبل مشرق؟

لم تساهم شعوب المنطقة بأزمة لبعضها البعض ولا شك في أن هذا ما تقوله السردية للتاريخ الوهمي. ما يؤكد ضرورة العمل على الرواية الواقعية. من ساهم في الأزمة هي أنظمة المنطقة، وكذلك دول الخارج، وزعماء العشائر والطوائف، فكانت الشعوب مجرد ضحية. المصالحة والغفران مطلوبان بل أساسيان. وجب علينا القيام بذلك بعد الطائف مباشرةً لكننا اكتفينا بالإنتقام من بعضٍ ومكافأة بعضٍ آخر. برأيي الحقيقة تحررنا والمحبة طريقنا إلى رحاب أوسع.

"شجرة الأمل" تتوسّط المعرض، أي رسالة توجّهون من خلالها إلى الزوّار؟

شجرة الأمل مستوحاة من تاريخنا. هي شجرة الحياة والفسيفساء خاصةً فترة بيزنطيا تظهرها بوضوح. كتب الناس وعلقوا أمانيهم وأفراحهم وأتراحهم على هذه الشجرة، وسنقوم بإعداد كتاب يبيّن ما كتبوا من حب، وغضب وأمل وضياع. أما القاسم المشترك بينهم جميعاً وهم مصرّون عليه فهو: الأمل.

كيف تقيّم حركة الزوار حالياً خصوصاً أن الوضع الصحي في البلد لم يستقرّ بعد؟

يزور المتحف الآن نحو 100 شخص يومياً ويرتفع العدد في يومي السبت والأحد، كما نعمل مع الجامعات والمدارس لتنظيم الزيارات ونتعاون في ورشات عمل وتدريب.





هل تتخوّف من حرب جديدة تطيح بما تبقّى من لبنان الإنسان والثقافة والحضارة في ظل الإحتقانين السياسي والإقتصادي؟

من الكتابات التحليلية في معرض "يأس وأمل" أن لبنان يواجه كل بضع سنوات أزمات وهزّات ولكن هذه المرحلة قد تكون الأخطر. التهديد وجودي يطال كيان لبنان، من دون وجود حرب. ورغم هذا الواقع قررنا تأسيس المتحف لأّن بلادنا على ما هي عليه.

"نابو" إله الحكمة، برأيك هل تملك دولتنا بمؤسساتها وقادتها الحكمة اللازمة لإدارة شؤون البلد؟

اخترنا اسم "نابو" لأنه إله الحكمة والكتابة والعلم ولأننا بحاجة للكثير من الحكمة. لقد صدمنا العالم "كسياسيين" بهذه اللامسؤولية التي أظهرناها وسط هذه الكارثة. كانت تقتضي الحكمة ضبط حركة وعمليات النقد، خطة مالية اقتصادية، مساءلة المرتكبين، وقف النزيف... الخ. إنما ما نراه اليوم هو خليط من جنون واستهتار ومراهنة على النجاة من دون الآخر المنافِس على السلطة.

يضمّ المتحف مقتنيات أثرية ومخطوطات نادرة من بلدان عربية مختلفة، أي دور يؤدي المتحف على الصعيد المشرقي وأي إنعكاس لصورة لبنان من خلاله في الخارج؟

لا يمكن فهم تاريخ لبنان، كما ورد في أسئلتك السابقة، إلا بارتباطه مع محيطه. أي تنوير أو نهضة عربية من دون البستاني، وآل الشدياق واليازجي وبعدهم جبران ومي زياده؟ وأي لبنان من دون أوغاريت وقرطاج؟ لقد كتبنا أنّ المتحف في أعماله يسعى ليس لحفظ التراث وإحيائه فقط، بحيث لا يكون الفن تجسيداً للواقع والمعاناة بل سيكون شكلاً من أشكال مقاومة المنفى. وهكذا سيرى الناس في العالم العربي والدول الأخرى لبنان وطناً جميلاً جديداً من كلمات وصور.





يحتاج الإهتمام بالمنحوتات والمقتنيات فضلاً عن إحضار تُحف جديدة إلى تمويل وسيولة، كيف تؤمّنون ذلك طالما أنّ الأموال محجوزة؟ وما هي النشاطات الثقافية المقبلة؟

لدينا مجموعاتنا الخاصة التي تعطينا ميزة تفضيلية ولكن لا شكّ في أنّ أمامنا تحديات. نستطيع تخصيص معروضات لهذه المجموعات، فعلى سبيل المثال لم نعرض بعد مجموعات "صليبا الدويهي" ونأمل في أن نقوم بذلك السنة المقبلة. كما أنّنا نستطيع التعاون مع أصدقاء ومهتمين لديهم مجموعاتهم الخاصة، كما فعلنا سابقاً. فليس من الضروري "تمّلك" كل عمل. وسنقوم بعد ثلاثة أشهر بعرض صور قديمة عن قضاء البترون.

نلحظ انعكاس انفجار المرفأ على الناتج الفنّي، من لوحات ومنحوتات تعبّر عن الألم. هل من نيّة بتقديم معرضٍ في "نابو" يجسّد هذه الكارثة الإنسانية؟

ما تم عرضه وخاصة في فيلا عوده من أعمال تأذت من الإنفجار بل تجوهرت بعده، كان رائعاً، ولا اعتقد أننا نستطيع الإضافة على ذلك. علينا رفع القبعة لمن ساهم في هذا المعرض. أما في ما يتعلق بالمأساة التي حلّت بالناس فهذه طبعاً ستبقى في ذاكرتنا الجماعية وقد ننظم معرضاً بهذا الخصوص.

MISS 3