بشير عصمت

الكرة في مرماك ولكن مطلوب منك

27 نيسان 2021

02 : 00

دور "حزب الله" العسكري والعقائدي

يذكر احد الذين أرّخوا لمراحل من تاريخ لبنان المعاصر أنه في بداية الحرب الاسرائيلية- العربية عام 67، بدأت الاذاعة اللبنانية ببث الاناشيد الحماسية الحربية، فما كان أن تلقى وزير الاعلام اللبناني آنذاك ميشال ادة اتصالاً من مسؤول عربي كبير قال فيه للوزير اللبناني: ماذا تفعلون. لا نريد اهازيجكم. الزموا الصمت. اتفقنا في الجامعة العربية على تحييد لبنان. فهو لا يحتمل الضربات. ليبق الى جانبنا ولنحافظ عليه. الكل يجمع في لبنان على احترام السيد حسن نصرالله، لدور له في قيادة المقاومة ولذكائه وتضحياته والكاريزما التي يتمتع بها.


كما اظن ان الكل يحترم مناضلي "حزب الله" والتزامهم ومناصرتهم لقضايا المظلومين. وعلى المستوى الشخصي عايشت وعملت في الجامعة والحياة مع زملاء كثر اساتذة وطلاب واصدقاء كبار ومحترمين وواعين وساعين للخير العام ولمصلحة المجتمع مع الكثير من الانفتاح على الافكار والتقنيات الحديثة. كان واضحاً عندي انهم حزبيون لكن لم نتفاتح يوماً بحديث خاص عن الحزب او العقيدة او الطقوس المقدسة وكنت ابادلهم الاحترام والمحبة ولم اشعر مرة بغربة او تمييز اما اذا تطرق الحديث لامر سياسي كنت اما اؤيد اذا تعلق الامر بالمقاومة او اناقش اذا كان امراً يمكن نقاشه وغالباً ما كنا نتفق بالعام او بالخاص حيث فريقهم السياسي يصطف. في المسائل المهنية كانت غالبيتهم الساحقة لا تتوقف عند الشكليات البيروقراطية مع احترام شديد للقانون لكن ذلك لم يمنع من بعض الحشو المطلوب سياسياً من دون قطع السبل على الآخرين وهذا ما درجت عليه سلطة الميليشيات التي التحق بها "حزب الله" متأخراً وثمة من يقول انه شكل لها حماية مدرعة والبراهين على ذلك كثيرة.


اقول ذلك شهادة للتاريخ عن جانب من معرفتي بالاشخاص وطبيعتهم وطيب نواياهم وظنهم انهم في المكان الامثل لمقارعة الشيطان الاكبر. وهذه المقارعة ميراث يجذب الكثير من الحنين عند بقايا اليسار المفتت الضائع المعتاد على ان هناك امبريالية واحدة نصطف مع اي كان لقتالها. ربما كان لدي البعض من ذلك. غير ان ما ذكرت اعلاه هو عن جانب اعرفه جيداً، غير اني تعرفت على آخرين ينتمون للجماعة نفسها يملأ أنفسهم الحقد والطائفية والغيرة والحسد والخير الخاص. بناء عليه اي ايجابية اخرى لـ"حزب الله"؟

أبدأ من الشيخ النابلسي الذي اعتبر تهريب المواد الحيوية المدعومة من ودائع الناس من اعمال المقاومة. هل يظن "حزب الله" او جمهوره او بيئته الحاضنة ان هذا الكلام مقنع له خاصة وللبنانيين عامة الذين يتقاتلون على ليتر زيت مدعوم إن وجد. بدأت من هنا لاتناول الأزمة اللبنانية في عز شدتها من زاوية دور "حزب الله" فيها. أعرف قاموس التخوين ولعلي حفظته غيباً. وهو تراث شرقي يساري يتقنه كل الدوغمائيين الذين يعتبرون آراءهم قوانين طبيعية او آيات مقدسة لا تقبل النقاش ولا التأويل وما اكتبه رأي شخصي غير مدفوع الاجر ولم أزر سفارة في حياتي الا لطلب فيزا عمل ولا اعرف اياً من رجال المخابرات الذين يقال انهم كثر.



في دور "حزب الله" العقائدي

بدون الدخول في حدود صلاحية ولاية الفقيه ولا ما اذا كان نائباً للامام المهدي ويملك لدى الشيعة الاثني عشرية سلطة الحكم وبصرف النظر عن مواقف موالية او معارضة كمقلدي الامام الخوئي او السيستاني او فضل الله او شمس الدين. هذه القضية عقلياً هي قضية فقهية داخلية. لا أظن انها تهم غير قسم من الشيعة وهو القسم الذي تعمق بالفقه ولنقل تهم كل الشيعة. ففي ايران نفسها وفي العراق يهتم لها نصف السكان ولا اجماع حولها من مرجعيات كبيرة. وطبعاً هذه مسألة غير مطروحة فقهياً في سوريا، وفي لبنان في حالة قصوى تعني ثلث اللبنانيين وهنا يكمن قسم كبير من المشكلة. اذا كان المطلوب ان يسير لبنان كله بارادة فتوى او امر ولي الفقيه فهذا يعني ان قرار ثلثي شعب لبنان مسلوب او مغتصب.


قد يقول قائل اننا لم نفرض اي أمر على أحد، وهذا امر غير دقيق، اقل دليل هو قول الشيخ النابلسي. بتهريب او نقل شرعي للمواد الحيوية اللبنانية عبر الحدود. وبما يختلف ولي الفقيه لجهة الصلاحيات عن اي ملك او حاكم دكتاتور نرفض تسلطه؟ تتساند سلطة ولي الفقيه محلياً بثلاثة عوامل ايديولوجية دينية عبر التنشئة الموالية لعقيدة ولاية الفقيه. السلاح الذي كان له دور في اعمال التحرير وتسويق بقائه في يد فئة طائفية واحدة بعد حروب اهلية وطائفية على مدى اجيال لا يبعث على الطمأنينة عند الطوائف الاخرى التي تجد نفسها تحت قبضة سلاح وايديولوجيا وتنشئة خاصة وامتيازات من اجهزة الدولة لا يفهم منها الا السيطرة على البلاد وقرارها. مالنا وسلاحنا كله من ايران والمال ليس موضوع رواتب تفرغ للحزبيين ولبعض المشايخ بل يتحول الى مؤسسات مغلقة طائفياً وعقائدياً ودعم اسر الشهداء وبعض المساعدات والاحسان، اي بمعنى آخر ايجاد اطار لدورة مالية لجمهور كبير من ابناء الطائفة الموالين دون سواهم وهذا اسمه كانتون.


في استخدام السلاح في الداخل فقد القسم الاعظم من اللبنانيين الثقة بأن السلاح وجهته اسرائيل وحسب، اما الحرب مع اسرائيل وتحرير فلسطين من طرف "حزب الله" هو قرار لبناني بالاجماع او الاكثرية وليس قرار اي حزب او هيئة. وامكانية التحرير غير متوفرة في ظل السياسة الدولية الحالية. لقد انشأ "حزب الله" في مناطقه غيتوات لا تشبه بقية المناطق اللبنانية. هناك رقابة امنية وهي شرعية بشكل ما، لماذا لا تكون من قبل القوى الرسمية؟ كما ان هناك سيطرة شبه كاملة على محطات توزيع الكابل. حين يخرج مواطنونا من الغيتو يعودون الى حياتهم الطبيعية اكاد اقول حين يخرجون من أسرهم.



حماية فساد السلطة والشراكة فيه



حضر "حزب الله" في معظم وزارات ما بعد الطائف وحمى وشارك الفاسدين السلطة وفسادهم من الادوية الى الكبتاغون الى ان شارك الحزب الحكم مع حليفه التيار الحر ولم يتميز اداء وزرائه عن اداء سائر اركان الطبقة الحاكمة من زبائنية وحشو موظفين.

البيئة الحاضنة وحرية التعبير

لم يتح "حزب الله" في بيئته اي شكل من اشكال المعارضة المدنية مع العلم ان اساسها موجود ولكن الهيمنة تمنع ظهور اي شكل من اشكال المعارضة الا لدى العشائر حيث تتغير اصول اللعبة. هذه السيطرة تتيح للرأي العام اتهام الحزب بتصفية المعارضين بعد ان يسبغ عليهم شتى الاتهامات وبأشنع الالقاب كجماعة السفارة مثلاً. في لبنان آراء اخرى منها الحياد خاصة في الازمة الاقتصادية الحالية. اتمنى لو ان لايران وسوريا نفس الحرص اليوم الذي كان للعرب عشية هزيمة حزيران.

اخيراً قبل ان اختم ثمة رأي يقول ان السلاح بيد "حزب الله" اليوم هو رد على امتهان كرامة الشيعة لعقود. اقول من موقع المناصر لأهل الجنوب والبقاع ان اول من امتهن كرامة المواطن الشيعي وغير الشيعي هو الاقطاع والسلطة التمييزية واذا كان المقصود المارونية السياسية فهل صبري حمادة وكامل الاسعد وكاظم الخليل ومحمود عمار وصائب سلام وووو... كانوا من فلك آخر؟.

واذا كان السلاح هو رد اعتبار تجاه كل اللبنانيين واعتبارهم آخرين لا مواطنين، فإن المستقبل لن يبشر بالخير، في بلد مضت صلاحيته، والغلبة لا تعني الا الحرب الاهلية الدائمة.

ليقف الشعب الى جانبك عليك بالطمأنة بالمحسوس علماً ان الغالبية مقتنعة اننا لسنا فنزويلا ولا نملك مقدرات كوريا الشمالية ولا كوبا وهي كلها دول بالكاد تدافع عن نفسها ولا طموحات تحرير لديها وضمن توازن دولي كبير. ذلك لا يعني ان نخضع. وسنبقى نؤيد قضايا الشعوب وفي مقدمها شعب فلسطين والعدالة والحرية وضد الظلم والقهر والاستغلال والاستعمار. هذا اذا ما قيض لنا ان نبقى احياء في دولة.

MISS 3