خالد أبو شقرا

محاولات كسب الوقت مستمرة بهندسات من محفظة المودع... وعلى حسابه

بيان "المركزي"... مناورة أم نعي للبطاقة التمويلية؟

11 أيار 2021

02 : 01

هل يُشكّل تحرير نسبة من الودائع بديلاً عن البطاقة التمويلية؟ (رمزي الحاج)
على غرار قول المتنبّي، يُصدر مصرف لبنان القرارات "ملء جفونه"، و"يسهر" المودعون "جراها ويختصم". فـ"المركزي" أضاف "حزّورة" جديدة إلى قاموس مفرداته، باعلانه بدء المفاوضات لاعتماد آلية تبدأ بموجبها المصارف بتسديد تدريجي للودائع التي كانت قائمة قبل 17 تشرين الأول 2019. وبعيداً من فن الأدب، فان المشترك بين "المتنبي" و"المركزي" هو الغرور. حيث اعتبر الأخير، بعد كل ما يحصل، انه لولا تحسّبه للمستقبل (...) لما كان لبنان قادراً على الصمود في هذا المأزق!!!





ما فهم منه على أنه تقسيط نسبة من الودائع بالدولار الطازج بسقف يصل إلى 25 ألف دولار أميركي في نهاية حزيران، ما هو في الحقيقة إلا متاهة جديدة في السراديب التي تربط "المركزي" مع المصارف. وعلى الرغم من أن البيان الإعلامي غير واضح لجهة حتمية الدفع بالدولار، إذ إنه قال: "دفع مبالغ مالية تصل إلى 25 ألف دولار أميركي، وبالدولار الأميركي أو أي عملة أجنبية، إضافة إلى ما يساويها بالليرة اللبنانية"، ما يعني بحسب أحد الخبراء المصرفيين أن الدفع سيكون بالليرة بما يوازي سعر المنصة الجديدة أي 10 آلاف ليرة مقابل الدولار. وبالتالي يستمر "المركزي" في تخفيض ديون القطاع المصرفي بالدولار بعدما انخفضت بنحو 35 مليار دولار في العام الماضي. ومع هذا سنسلم جدلاً بأن الدفع سيكون بالدولار، لننتقل إلى معالجة الإشكاليات الأخطر التي تضمنها البيان الإعلامي.

البداية الخاطئة

إستهل المركزي تصريحه باعلان نجاح التعميم 154، مع أن "المعلومات تشير إلى فشل أغلبية المصارف في تحقيق الشرط الأساسي المتمثل في وضع 3 في المئة من حجم ودائعها بالدولار في المصارف المراسلة. وعدم نجاحها في حث عملائها ممن حولوا أكثر من 500 ألف دولار بعد العام 2017 على إرجاع نسبة تتراوح بين 15 و30 في المئة"، يقول المحامي أنطوان مرعب، "وإذا كان بعض البنوك استطاع زيادة رأسماله في لبنان، فهذا لا يعني إطلاقاً تأمين السيولة الكافية". كلام مرعب يتقاطع مع المعلومات التي تشير إلى أن مجمل المبالغ التي استطاعت المصارف استرجاعها بحسب التعميم 154 لا تتجاوز 700 مليون دولار من أصل رهان طموح على مبلغ يتجاوز 4 مليارات دولار. كما أن جمعية المصارف سبق وأعلنت بردها على مسودة قانون "الكابيتال كونترول" أن مطلوباتها الخارجية تفوق موجوداتها بـ 1.7 مليار دولار، وأنها "تسعى" لتكوين نسبة 3 في المئة في المصارف المراسلة. في المقابل يعتقد مرعب أن "واقع الإحتياطي الإلزامي في مصرف لبنان يشبه واقع حسابات الدولار للمودعين في المصارف"، أي أن المبلغ موجود على شاشات الحواسيب، لكن لا يوجد مقابله دولارات ورقية Banknotes".

تحرير المزيد من الإحتياطي!

مع هذا، سنفترض مرة جديدة بأن "المركزي" سيسدد النسبة الموعود بها من الإحتياطي (الصافي والإلزامي)، مع العلم أن هذه الآلية لا تتطلب المفاوضة مع المصارف، وهي في جميع الأحوال تتضمن أفخاخاً تقنية. فـ"حصرها بالودائع التي كانت قائمة قبل 17 تشرين الأول يحرم من نقل حسابه إلى مصرف جديد أو وضع شيكاً في حسابه، أو راكم حوالات ورواتب بعد هذا التاريخ من الإستفادة من الدولار الطازج"، بحسب الخبير الاقتصادي والمالي د. جو سروّع. ولنعتبر أن سقف التسديد بالدولار سيصل إلى 25 ألفاً، فهذا يعني أن من يملك 170 ألف دولار يحصل على 15 في المئة المتبقية من وديعته بالإحتياطي كاملة. وبهذا تكون كل الحسابات تحت 170 ألف دولار أخذت حقها، فيما ظلم أصحاب الحسابات التي تتجاوز هذا الرقم. فمن يملك مليون دولار يأخذ سدس ( 1/6) حقه من الإحتياطي. مع العلم أن الودائع التي تفوق 200 ألف دولار تبلغ حوالى 92 ملياراً من أصل مجمل الودائع المحددة بـ 114 ملياراً حتى شباط 2020. وفي جميع الحالات لا يشتمل البيان أي ضمانات باستمرار الدفع خصوصاً أنه سيتطلب سنوات طويلة. من شأن تسديد نسبة من الودائع خلق وفر جديد في الإحتياطي الإلزامي نتيجة انخفاض مطلوبات المصارف، "فهل تكون الغاية من هذا التدبير تحرير المزيد من الإحتياطي لاستعماله بشكل قانوني في عمليات الدعم والتدخل بالمنصة وخلافه"، يسأل سروّع، ليجيب بأن "المطلوب إقرار تشريع يمنع المس بالإحتياطي بمستواه الحالي تحت أي ظرف من الظروف. لأن هذا المبلغ يعتبر حجر الأساس في أي خطة مستقبلية لضمان سعر صرف مقبول". وبحسب سروع فان "هذا التدبير يجب أن يكون جزءاً متصلاً من قانون" الكابيتال كونترول"، وليس تدبيراً منفصلاً عنه. إذ كيف سيتم التعامل مع هذا التدبير في حال إقرار الكابيتال كونترول؟

البديل عن البطاقة التمويلية!

"بالأرقام يبلغ عدد الحسابات المصرفية التي تحتوي على أقل من 25 ألف دولار حوالى 1.5 مليون حساب"، بحسب المستشار المالي د. غسان شماس، وعليه فان "استفادة أصحاب هذه الحسابات من 200 إلى 300 دولار شهرياً، يخفض عدد المواطنين الذين سوف يستفيدون من البطاقة التمويلية". وبهذه الطريقة يوفر مصرف لبنان تمويل بطاقة لحوالى 550 ألف عائلة ويزيد عرض الدولار في السوق تمهيداً لإطلاق المنصة. فبدل ان يبيع مصرف لبنان الدولار بواسطة المنصة، سيدعم المنصة "بتفليت" ما بين 20 إلى 40 مليون دولار شهرياً من أموال المودعين، ويستغني عن إعطائهم بطاقات الدعم في الوقت ذاته". "وبهذه الطريقة يسجل نقاطاً نقدية وسياسية، فهو من جهة، يعيد للمودعين نحو 600 مليون دولار سنوياً من "كيسهم"، بحسب شماس، "وذلك بدلاً من أن يتحمل كلفة الدعم الكلي بأكثر من 5.5 مليارات أو تمويل البطاقة مع بعض الدعم بأكثر من 4 مليارات دولار"، ومن جهة أخرى، "يخفف من النقمة الشعبية العارمة عند صغار المودعين، ويرسمل المنصة من محفظة المودع، ويخفف من ديونه تجاه المصارف وديون المصارف تجاه المودعين، أي أنه "يعوّم" المصارف"، يقول شماس. مرة جديدة تولد المحاولات اليائسة من رحم فقدان العملة الصعبة وغياب الأفق السياسي للحل. وكل ما يجري يضعه الإقتصاديون في خانة "تقطير آخر الدولارات، تأجيلاً للإنفجار، وكسباً للقليل من الوقت... علّ الله "يقضي أجلاً كان مفعولاً".