عناية جابر... رحيل الشاعرة الرقيقة

02 : 00

لم يكن غيابها ساكناً. أحدث ضجة في أوساط الشعراء والاعلاميين وأقلق معشر الفايسبوك والتواصل. لم يصدقه البعض او لعله لم يشأ الاعتراف به كأنه يأبى الرحيل لمن خاله أزلياً. وجاءهم التأكيد باكراً مع أول اشراقة للشمس: الشاعرة عناية جابر رحلت عن 63 سنة.

أسدلت المرهفة اذاً شراعها للريح لتمضي نحو دنياوات أخرى. وهكذا أبكت زملاء وإعلاميين باحوا لها على الفايسبوك بمشاعر لم ينطقوا بها حين كانت حية ترزق أمامهم، لجهلهم انها ستفاجئهم برحيل صادم. استفاضوا تعبيراً عن مكنونات صدورهم وما كانت تعنيه لهم، زميلة أو إعلامية أو صديقة، وأفردوا صفحاتهم لمشاهد من اليوتيوب حملت صوتها مؤدية أغنيات لأم كلثوم أو عبد الوهاب وفيضاً من صورها التقطت في مناسبات مختلفة. وُلدت جابر في بيروت ولكن أصولها تعود إلى قرية السلطانية في قضاء بنت جبيل بالجنوب اللبناني حيث تلقت تعليمها الأساسي، ثم واصلت دراستها لتنال الشهادة الجامعية الأولى في العلوم السياسية من "الجامعة اللبنانية" لتدخل بعدها عالم الصحف والمجلات المحلية والعربية فكتبت كناقدة في الشأنين الثقافي والفني في "القدس العربي" و"السفير".

وعلى مدى ربع عقد من الزمن، جمعت جابر بين الميادين الثقافية بكفة واحدة، فتميزت بكل ما قدمته في الأدب والثقافة والفن التشكيلي وحتّى في الغناء. عرفت بمناخاتها الشعرية التأملية والتعبيرية التي تأخذنا الى عوالم العزلة والإنكسار وأحوال الجسد بعد الإشتياق والحنين، بلغة مرهفة وجريئة في آن. أصدرت في العام 1994، أول ديوان لها "طقس الظلام" لتتسع بعدها رقعة اصداراتها، من "مزاج خاسر"، "ثم أنني مشغولة"، "استعد للعشاء"، "أمور بسيطة"، "ساتان أبيض"، "جميع أسبابنا"، "لا أخوات لي"، "عروض الحديقة" و"لا أحد يضيع في بيروت". واتجهت جابر كذلك الى عالم الغناء، فأعادت تقديم كثير من الأغنيات القديمة بصوتها المرهف، أبرزها: "يا ليلة العيد"، "آمنت بالله"، "ما دام تحب بتنكر ليه" و"على خده يا ناس ميت وردة"، على مسارح "الأونيسكو" و"المدينة" و"دار الأوبرا" المصرية، وفي الكثير من العواصم العربية والاجنبية.

شــــــهــــــادات فــــــيــــــها

الكاتب أحمد بيضون ودعها كاتباً: "مع الأسَفِ الغامرِ لرَحيلِها، استَوْلى عَلَيّ، هذا الصباح،َ نَدَمٌ فظيعٌ لأنّني لم أكُنْ ألْتَقي عناية جابر أكْثَرَ ممّا كنتُ ألْتَقيها. يا لخسارتي، يا عناية! ويا لها من خدعةٍ متواصلةٍ هذه الحياةُ التي تَحْمِلُنا على التَصَرّفِ وكأنّها باقيةٌ أمامَنا".

الكاتب جهاد بزّي، يعلم أنّها لا تحبّ الرثاء تماماً مثله، فغرّد كاتباً: "لا أحب الرثاء وأظنها أيضاً لا تحبه. لكنها فرد من تلك الأسرة. عشنا معاً في البيت في نزلة السارولا. شاعرة البيت كانت، لكنها، قبل الشعر والغناء والكتابة، أجادت التهكم بأناقة لا مثيل لها. تتهكم ولا تسخر. تتهكم على المثقفين وعلى السياسة وعلى الجدية المبالغ بها في أي شيء. تتهكم علينا ونحن معها ونضحك معها. وكانت تبدو دائماً مكتفية بوحدتها. كأنها الوحيدة التي يمكن أن تواعد نفسها على فنجان قهوة وتستمتع بالموعد. وعناية جابر محبة. هذا وصف يليق بها. محبة. أستعيد وجهها الآن يضحك، كما في كل مرة أرى وجه رلى الأيوبي ووجه زينب ياغي. يضحكن. الآن عناية. لا أريد أن أرثيها. لا معنى للرثاء. لنعتبره مجرد إشعار خاص جداً، على ما يكتب في ورقة النعوة. إشعار خاص بالحزن أشاركه مع أسرة السفير، الصديقات والأصدقاء والزميلات والزملاء. ولا أملك، إذ أراها في ذاكرتي تبتسم لي حين نلتقي في مدخل المبنى، إلا الابتسام لها في المقابل. أبتسم لأثرهن الذي سيبقى في نفسي. لوجوههن الطيّبـة. هي ورلى وزينب".

بدورها، ودعت الشاعرة فيوليت أبي جلد، الراحلة قائلةً: "عناية جابر توفيت وحيدة في بيتها الصغير في شارع الحمرا...توفيت وحيدة وحزينة ويائسة... توفيت شاعرة جميلة تشبه قلبها". وكتب الشاعر اسكندر حبش: "هو صباح قاسٍ آخر. عناية سأشتاق لغزلك".

وودّعها الشاعر والمترجم سامر أبو هواش في تغريدة جاء فيها: "برحيل عناية جابر تفقد بيروت بعضاً من روحها، تلك الشاعرة التي لم تكن صديقة فحسب، بل شقيقة كبرى في الشعر وفي مشاغل الحياة، كانت أيضاً جزءاً من مدينة ما زالت تحلم وتنبض وتبحث عن صوتها وصورتها. تلك الصورة اليوم كئيبة وذلك الصوت حزين، وبرحيل عناية أشعر بفقد شخصي لكل شيء جميل في بيروت".

من جهته، استعاد رامي الأمين ذكرياته معها بتدوينة طويلة على الفايسبوك، أرفقها بتسجيل لـ"مضناك جفاه مرقده" بصوتها على "يوتيوب".

«إذا لمست قلبي ولو بريشة يصرخ من الألم»

آخر ما كتبته الشاعرة عناية جابر على فايسبوك، وما لبث أن انتشرت بين محبيها وتحوّل الى رثاء لها.











مــــــن أشــــــعــــــارهــــــا

عروض الحديقة

سيلفيا، ما نوع الموت الذي أنت فيه

سيلفيا بلاث، ما الذي تتذكّرينه عن تيد هيوز؟

ما الذي تتذكّرينه عنيّ؟

الدفاتر ملأى بالجمال الناعم

النوافذ مفتوحة

الهواء مجانيّ

سيلفيا، أريد أن أبقى معك بسبب الخوف

بسبب المشاعر التي تأتي

وتذهب

لا أخوات لي

ومن أجواء الديوان

لأنك تتلف امرأة رقيقة مثلي

يظنك الصحب شريرا

ولا تخفق فى عنقك

فراشة الندم

على الأقل

نجحنا

كل في قيده

بإغراق العالم

في التباس البديع


MISS 3