روي أبو زيد

إبراهيم مرعشلي... فنّان شامل عزّز زمن الفنّ الجميل

19 أيار 2021

02 : 00

أبدع الممثل ابراهيم مرعشلي بنحت الفرح على وجوه المشاهدين اللبنانيين أيام السلم والحرب، كما ساهم بإضفاء جماليّة على زمن الفن الذهبي وبقيت أعماله حيّة حتى يومنا هذا.


هو ممثل تلفزيوني ومسرحي وسينمائي ومقدّم برامج إذاعية وتلفزيونية، عرفته الأجيال التي عايشت حقبة تاريخ لبنان الذهبية مسرحياً وتلفزيونياً وما زالت حلقات مسلسلاته الكوميدية تُعرَض على الشاشات المحلية ومن بينها "كابتن بوب" و"المعلمة والأستاذ" وغيرهما. ولد مرعشلي في 27 كانون الثاني عام 1937 في بيروت، لعائلة متواضعة وهو الإبن البكر. كان يعمد دوماً الى تحسين وضع أهله الإقتصادي، فترك المدرسة باكراً وعمل في مجال الخياطة ليساعد والده مادياً ومن ثم راح يرسم كهاوٍ بإنتظار فرصته في التمثيل، فكان يعشق السينما ويحب الممثل محمد فوزي بشكل كبير، وعندما إلتقى به لأول مرة أوصاه الأخير قائلاً: "إذا عندك إصرار بعمرك ما توقّف"، ما دفعه الى رسم طريقه الفني منذ ذلك الوقت.


مشهد من "المعلمة والأستاذ"



مسيرة حافلة

بدأ مسيرته التمثيلية كممثل دراما بأدوار جدية ومسلسلات بالفصحى بالاشتراك مع أهم الممثلين مثل هند أبي اللمع، نهى الخطيب سعادة، نادية حمدي، ميشال تابت وغيرهم. كما شارك في أفلام عدة منها "موعد مع الحب"، "نساء في خطر"، "المخطوف"، و"الأسيرة". وجسّد أدواراً كوميدية وتراجيدية في زمن تلفزيون لبنان الجميل ولم يستعمل يوماً الإيحاءات الجنسية لإضحاك الجمهور، لأنه لا يؤمن بهذه المدرسة، ولهذا السبب تابعه الكبار والصغار من دون إستثناء. قدم الكثير من الأعمال في السينما اللبنانية والمصرية في ستينات القرن العشرين منها "عنتر يغزو الصحراء" عام 1960 و"بدوية في باريس" عام 1964 واتجه بعدها إلى المسرح عقب تأسيس حسن علاء الدين للمسرح الوطني، حيث لاقى شهرته خلال مشاركته في المسرحيات مثل "شوشو والمليون" و"فندق السعادة". كذلك، ربطته علاقات ممتازة وجمعته أواصر وطيدة مع عدد من المخرجين والكتّاب والممثلين المصريين. وفي الفترة التي هاجرت فيها السينما المصرية الى لبنان، كان مرعشلي يُعتَبر كبطل ثانٍ بإعتبار البطولة الأولى كانت غالباً للمصريين. كما قدّم أغنيتين بصوته، إحداها عن ترومواي بيروت وأخرى تنتقد الوضع السياسي الذي شهده لبنان بعنوان "يا حضرة النواب" حيث أوصل من خلالها إنتقادات لاذعة للوضع المتردي في البلاد. عمل في الإذاعة اللبنانية حيث استضاف أهم الفنانين في الوطن العربي واستقبل في آخر لقاء له على الهواء قبل وفاته إبن شقيق الموسيقار الراحل فريد الأطرش. قدّم الكثير من البرامج أبرزها: "أغاني ومعاني" في مطلع الثمانينات فشكّل ثنائياً ناجحاً مع الممثلة رولا حمادة وسلّط من خلاله الضوء على يوميات زوجين في إطار كوميدي لينتهي باستضافتهما شخصية فنية تحاول زرع الصلح بين الطرفين.


كاتب تلفزيوني ومسرحي


كتب مرعشلي سيناريوات عدة وأجاد بها لتتجلّى بأعمال درامية ناجحة منها "المعلمة والأستاذ"، اضافةً الى مجموعة من الأعمال المسرحية. لمع اسمه كذلك في مسلسل "إبراهيم أفندي" حيث جسّد شخصية شرطي سير يحب الفن ويلتقي بنجومه المفضّلين. وكان هذا المسلسل الكوميدي الذي أخرجه الياس أبو رزق، باكورة الأعمال الفنية التلفزيونية الهامة وقد تم تنفيذه بتقنية جديدة على التلفزة باستعمال "الكروما" لأول مرّة. كما نفّذ أيضاً "كابتن بوب" على شاشة الـ"LBCI" الذي استوحاه من "ابراهيم أفندي". وشارك الراحل أيضاً في تأسيس "نقابة الفنانين المحترفين" وأطلق في برامجه التلفزيونية الكوميدية مواهب عدة وساهم بتعزيز شهرتها.


عائلة ابراهيم مرعشلي



حياته الشخصية


تزوّج مرعشلي مرتين، الأولى من الممثلة السورية ناهد حلبي التي أنجب منها إبنه طارق وبعد انفصالهما إصطحبته حلبي إلى سوريا وأضحى ممثلاً مشهوراً. أما زيجته الثانية فكانت من غادة ميقاتي وأنجب منها إبنتاه ليال والممثلة لمى مرعشلي التي قالت في حديث لـ"نداء الوطن": "تربّيتُ في كنف بيت يقدّم "فنّاً نظيفاً" وكنا نستقبل نخبة من أهم الفنانين". وتضيف ضاحكةً: "أتذكر عندما زارتنا الممثلة الراحلة ليلى كرم وخفت منها كثيراً لأنها كانت تصرخ بوجه أبي في المسلسل، فهربتُ واختبأتُ تحت السرير لذا قبّلتني وطمأنتني بأنّ العمل هو مجرّد تمثيل فهي تحبّ والدي كثيراً".

تعاون مرعشلي مع عمالقة الفن وكان يتعب ويجتهد لكتابة نصوصه، حتّى أنّ بعضها تطلّب عاماً ونصف العام لإنجازها ولكنها نجحت والدليل على ذلك أنها ما زالت تعرض حتى يومنا هذا. وكان النجاح يعتمد على الممثلين جميعاً فكانوا كلّهم أبطالاً من دون تسليط الضوء على ممثل واحد فقط، بحسب لمى التي لفتت الى أنّ "والدها كان متواضعاً جداً، لا بل خجولاً ولم يتصرّف كفنان مشهور يوماً، فكان يتلقّى الإتصالات من معجبيه بكلّ طيبة خاطر ويتصوّر مع من يلتقيهم على الطريق و"على قلبو أحلى من العسل".

تعود لمى بذاكرتها الى الأوقات الجميلة التي جمعتها بوالدها وتقول: "كنا نسهر يومياً على إيقاع العود، "فيسلطن" والدي وأشاركه الغناء أما شقيقتي فكانت تعزف على آلات موسيقية مختلفة. كان طبقه المفضّل الدجاج بالأرز مع الفتوش والشوربة. أما أهم هواياته فكانت الكتابة والعزف على العود حتّى أنّ الموسيقار الراحل فريد الأطرش أهداه عوده الذي ما زال موجوداً في بيتنا العائلي".

"نام ولم يستيقظ"توفي مرعشلي عن عمر يناهز الـ67 عاماً وشيّع جثمانه في مأتم رسمي وشعبي حاشد، تاركاً وراءه إرثاً كبيراً وعائلة أكملت مشواره الفني. ولكن كيف أمضى أيامه الأخيرة؟ تجيبنا لمى: "توقّف عن العمل ما أثّر سلباً على صحته، لكنّ الضحكة لم تكن تفارق وجهه. كان يمضي وقته في "Café de Paris" مع أصدقائه، ثمّ يتناول طعام الغداء في المنزل وينام بعدها. وفي يومه الأخير، عاد الى البيت... نام ولم يستيقظ بعدها، إذ أصيب بجلطة في الدماغ، بقي على إثرها شهرين بالعناية الفائقة في المستشفى، يصارع الموت. وقد أعلن الأطباء حينها وفاته سريرياً، لكن قلبه إستمر في الخفقان، ليتوقف بعدها في 15 أيلول 2004".


من مسرح "شوشو"


وصيّته لأولاده


"إتّقي شرّ من أحسنت إليه" عبارة لطالما ردّدها والدي على مسامعنا، تقول لمى، مضيفةً: "كان يشدّد دائماً على أهمية التواضع وضرورة احترام الجميع. وها أنا أطبّق هذه الوصايا في حياتي اليومية وعلى الصعد كافة". وكلمة أخيرة تختم بها مرعشلي حديثها قائلةً: "لم أخسره كوالد فحسب بل فقَدَته الساحة الفنية كفنان شامل في عزّ عطائه. لكنّ الإرث الفني الذي خلّفه ما زال ينتج ذهباً بالنسبة إلي".



MISS 3