خالد أبو شقرا

توقيع حاكم "المركزي" على العقد الجديد ينوب عن تعاقد الدولة

ضمان "ألفاريز آند مارسال" عبورها برّ الأمان "ينفخ" وهم التدقيق الجنائي

25 أيار 2021

02 : 01

وجود حكومة مستقلّة المدخل الأساسي لأي عملية إصلاح
"المراوحة مكاننا"، توصيف كان يصح على طريقة التعاطي مع ملف التدقيق الجنائي، إنما بعد الشروط الجديدة لشركة التدقيق يبدو أننا رجعنا إلى المربع الأول. فالشركة رمت "قَيْمة" ثقيلة على مسار الإصلاح بانتظار أن يبادر أحد إلى رفعها. إلا أن ما لا تعلمه "ألفاريز" أن سواعد المسؤولين منخورة بالسوس، ومن يتجرأ على حمل "قَيْمتها" سيكسر ذراعه.





عقبتان جديدتان أضيفتا على المسار المعقّد الذي يسلكه التدقيق الجنائي، حيث عُلم أن شركةAlvarez & Marsal طالبت الدولة اللبنانية بتوقيع عقد جديد معها، وقد اشترطت توقيع حاكم مصرف لبنان على العقد لمعاودة إجراء التدقيق الجنائي. فهل يحق لحكومة مستقيلة إبرام عقد جديد، وهل يوقع الحاكم العقد، بعدما سبق وصرح في أكثر من مناسبة أنه لم يطلب التدقيق؟ وفي حال تمنعه، هل من سلطة لوزارة المالية عليه لإجباره؟

لا يحق للحكومة تفويض المالية التوقيع

قبل الوصول إلى توقيع الحاكم، ومشروعية طلب Alvarez، فان "تفويض وزير المالية التوقيع على عقد لا يدخل ضمن التعريف الضيق لمفهوم تصريف الاعمال، ويرتب أعباء مادية في ظل حكومة مستقيلة، مشكوك في صحته القانونية، هذه المرة، كما في المرة الأولى التي جرى فيها توقيع العقد بناء على استشارة من هيئة التشريع والاستشارات"، يقول المستشار القانوني ربيع الشاعر، "مع العلم أن مجلس الوزراء كان قد كلف وزير المالية الإمضاء مع "ألفاريز" في المرة الأولى قبل الإستقالة، بتاريخ 21 تموز 2020. أما اليوم فان التفويض والتوقيع سيكونان في ظل حكومة تصريف أعمال، الأمر الذي يعتبر غير قانوني، ويتخطى صلاحية حكومة تصريف الأعمال تفويض وزير المالية التوقيع، ويخالف المادة 64 من الدستور. فالعقد الجديد لا يعتبر إمتداداً للقديم الذي فسخته "ألفاريز" منفردة. وهو يختلف بالزمان والكلفة والأعمال الواجب القيام بها. والدليل أن الشركة طلبت رفع قيمة العقد من 2.1 مليون دولار، إلى 2.5 مليون، أي بزيادة 400 ألف دولار، واشترطت توقيع حاكم مصرف لبنان على العقد الجديد إضافة إلى توقع وزير المالية.

"الحاكم" والتوقيع

مطالبة Alvarez باضافة توقيع حاكم المصرف المركزي على العقد الجديد، تنفي الحاجة لتفويض مجلس الوزراء وزير المالية التوقيع. ويصبح العقد سارياً من دون عقبات بين "المصرف" و"ألفاريز"، يقول الشاعر. وبغض النظر عن هذه النقطة البالغة الأهمية، فان اشتراط الشركة إمضاء المركزي قد يكون أتى في سياق فهمها لـ "لعبة" تراشق الصلاحيات، وعدم وجود مرجعية فصل نهائية في الأدوار بين إدارات الدولة. فالشركة أيقنت أن إلزام مصرف لبنان بالتعاون معها وتسهيل مهمتها، يتوجبان موافقته الشخصية على التدقيق.


وإلا، فان "إمكانية وصولها لبعض المعلومات ستصطدم بالشخصية المعنوية الخاصة بالمصرف وبالاستقلال المالي والاداري عن الدولة بحسب المادة 13من قانون النقد والتسليف"، من وجهة نظر الشاعر، و"على الرغم من الصلاحية المعطاة لوزارة المالية مراقبة أعمال "المركزي" من خلال مفوض الحكومة، يبقى أن قدرتها على إلزامه التعاقد أو التوقيع على عقد التدقيق الجنائي تعتبر إشكالية كبيرة ومحط جدل عميق. مع العلم أن المنطق والقانون لا يجيزان للمالية الفرض على "المركزي" التعاقد مع أي شركة أو حتى التوقيع عنه. وإذا كان لا بد من ذلك فبامكان المالية التعاقد مع شركة، أو مكتب محاسبة مجاز في لبنان لمساعدة مفوض الحكومة لدى مصرف لبنان، لاجراء التدقيق استناداً الى المادة 10 من المرسوم رقم 16400/1964 المتعلق بتنظيم مفوضية الحكومة لدى المصرف المركزي". وبحسب الشاعر فان "التدقيق في حسابات المصرف المركزي هي مهمة مفوض الحكومة أولاً وأخيراً.


بيد أن غياب هذه المفوضية لسنين طويلة عن لعب الدور المنوط بها، وتعيين أعضائها وفقاً للحسابات السياسية والمحسوبيات، وتقليص صلاحياتها وتضييع المسؤولية أو الجهل بالوظيفة المنوطة بها... عوامل حدت من قدرتها على الرقابة الفعالة، وسمحت بالتفلت الذي أوصلنا اليوم للمطالبة بالتدقيق الجنائي. وفي جميع الحالات فان تكليف شركة خارجية التدقيق في حسابات مرفق عام يخالف المادة 73 من القانون 326/2001 الذي ينص على انه "إضافة لرقابة وزارة المالية وديوان المحاسبة، تخضع حسابات المؤسسات العامة وحسابات المؤسسات والمرافق التابعة للدولة والتي تتمتع باستقلال مالي وإداري لنظام تدقيق داخلي ولتدقيق مستقل من قبل مكتب محاسبة معتمد". أي أن المدقق يجب أن يكون منتمياً لنقابة المحاسبين المجازين. فهل ينطبق هذا الشرط على "ألفاريز"؟ وهل هي "مصنفة" وتصنيفها صادر عن وزارة المالية"؟


"عطل وضرر" وإمكانية التكرار

اللافت في رسالة الشركة الأخيرة إلى وزارة المالية لا يتعلق في رفع قيمة البدل المالي إلى 2.5 مليون دولار فقط، إنما بمطالبتها الحصول على قيمة فسخ العقد السابق البالغة 150 ألف دولار. وهو ما يطرح مخاوف جدية عن إمكانية قيام الشركة بفسخ العقد الجديد في المستقبل في حال مواجهتها لأي عقبة، وتحميل الدولة الأكلاف من دون القيام بعملها. خصوصاً أن العقد يتضمن مادة تنص على حقها بفسخه من جهة واحدة. وهذا ما يتنافى بحسب الشاعر مع أصول العقود الإدارية. وهنا يتوجب السؤال: هل العقد الموقع مع شركة التدقيق هو إداري أو عقد يخضع للقانون الخاص. ففي الحالة الأولى لا يحق للجهة المُتعاقد معها فسخ العقد مع الادارة من جهة واحدة، بل عليها سلوك طريق قضاء الإبطال أمام مجلس شورى الدولة، على أن تستمر في عملها إلى أن يحكم "المجلس" بالتعويض لها. وبالتالي المطلوب توضيح طبيعة العقد وما إذا كانت مهمة التدقيق في حسابات المركزي تدخل ضمن مفهوم خدمات المرفق العام.

أمام ما تقدم يظهر أن مهمة التدقيق الجنائي أصبحت أصعب إن لم تكن مستحيلة. فـ"الفساد تغلغل في جسم الدولة لدرجة قضى على إمكانية العمل ضمن إطار قانوني صحيح"، بحسب الشاعر. "وكل تجاوز للدستور والقوانين يكبر المشاكل ويعرضنا اكثر للمخاطر". فالمطلب الحق بالتدقيق الجنائي يقابل ببيع المواطنين الأوهام والبطولات الدونكيشوتية. و"ما تكبير حجر التدقيق إلا لعزم الطبقة السياسية على عدم إصابة الهدف"، برأي الشاعر، وإلا "لماذا لا يتم تعزيز مفوضية الحكومة لدى مصرف لبنان بالعديد والخبرات للقيام بهذا التدقيق الجنائي، خاصة أن مهمة "ألفاريز" محددة بأسابيع فقط، وتقريرها لا يصلح كدليل قاطع أمام القضاء؟!


MISS 3