موازنة 2020... "جلسات يومية" و"أوراق اقتصادية"

"خط إسناد" سعودي للبنان... وهذا ما سيقوله الفرنسيون للحريري

10 : 15

وسط مشهد ضبابي يلف الفضاء الاقتصادي والمالي في البلد، ومن بين براثن القلق اللبناني المتنامي من مآلات المؤشرات السوداوية السلبية على مستوى التصنيفات الدولية والتوقعات الائتمانية قصيرة وطويلة الأمد، باغتت المملكة العربية السعودية الأسواق بانتعاشة أمل محسوبة الأبعاد والانعكاسات على المشهد اللبناني لتؤكد مجدداً استمرار البيئة الحاضنة للدولة، عربياً كما دولياً، في التزام منع سقوط الهيكل الاقتصادي فوق رؤوس اللبنانيين بشكل يتعالى عن "زواريب" أهل الحكم و"دهاليزهم" ويرقى إلى مستوى المسؤولية في الحؤول دون انزلاق لبنان نحو منزلقات "دويلات الفوضى الهدامة" المستشرية في المنطقة. فكلمتان أعلنت من خلالهما المملكة على لسان وزير ماليتها محمد الجدعان إجراء محادثات مع الحكومة اللبنانية "بشأن تقديم دعم مالي"، كانتا كافيتين لتسجيل سندات لبنان الدولارية قفزة فورية معززة بعبارة بالغة الدلالات الاقتصادية والسياسية قالها الجدعان لـ"رويترز": نضع أموالنا والتزامنا في لبنان وسنواصل دعمه.

وعلى متن "خط الإسناد" السعودي المرتقب، غادر رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري في زيارة غير معلن عنها مسبقاً إلى السعودية لمواكبة مسألة التحضيرات المشتركة لأطر الدعم المالي للبنان، وذلك من ضمن سلسلة اتصالات ومشاورات جاري العمل على بلورتها منذ مدة وصولاً إلى تتويجها من خلال اللجنة العليا الوزارية بين البلدين لتوقيع اتفاقيات واتخاذ قرارات تصب في خانة تعزيز الاقتصاد اللبناني. علماً أنّ الحريري وقبيل سفره إلى السعودية كان قد استقبل سفيرها في لبنان وليد البخاري وتسلّم منه دعوةً من الملك سلمان بن عبد العزيز للمشاركة في المنتدى العالمي لصندوق الاستثمارات العامة في الرياض ما بين 29 و31 تشرين الأول المقبل.

ومن السعودية إلى فرنسا، ينتقل رئيس الحكومة لإجراء محادثات مع المسؤولين الفرنسيين وفي طليعتهم الرئيس إيمانويل ماكرون الذي يستقبله غداً في قصر الإليزيه، وعلى جدول الزيارة تتصدر عناوين ذات صلة بملف "سيدر" والإصلاحات المترافقة مع عملية استنهاض الاقتصاد اللبناني. وبينما تأتي زيارة الحريري إلى العاصمة الفرنسية معززة بانطلاق حكومته في مناقشة مشروع موازنة 2020 لإنجازه وإقراره في الوقت الدستوري للمرة الأولى منذ سنوات، نقلت مصادر مطلعة في باريس الاهتمام الشديد الذي يبديه الجانب الفرنسي إزاء الوضع في لبنان، موضحةً لـ"نداء الوطن" أنّ فرنسا "تتابع عن كثب الجهود اللبنانية للانطلاق في مسيرة الإصلاحات التي وُعد بها المستثمرون في مؤتمر سيدر"، وأكدت أنّ "المسؤولين الفرنسيين يتعاطون بإيجابية مع هذه الجهود التي تبذلها الحكومة اللبنانية لكنهم يتوقعون مزيداً من الإسراع في خطوات تنفيذ الإصلاحات المنشودة".

وعشية زيارة الرئيس الحريري، لفتت المصادر إلى كون فرنسا عازمة على مساعدة لبنان وهي من هذا المنطلق تدفع باتجاه إنجاح "اللقاء الاقتصادي الاستثماري" الذي سيُعقد في وزارة المال الفرنسية حيث سيدعو رئيس الحكومة اللبنانية الشركات الفرنسية الكبيرة إلى الاستثمار في بيروت، وأضافت أنّ "الفرنسيين سيقولون للحريري إنّ المؤسسات الملتزمة بتقديم الأموال للبنان وتنفيذ الاستثمارات فيه بموجب مقررات "سيدر" إنما يترقبون إنجاز عملية الإصلاح البنيوية لإنقاذ الوضع الاقتصادي اللبناني المقلق"، غير أنّ المصادر عبرت في الوقت عينه عن اعتقاد الجانب الفرنسي بأنه بات يمكن القول إنّ الحكومة اللبنانية وضعت آلية تنفيذ إصلاحات "سيدر" على السكة وتحديداً في ما يتصل بملف الموازنة العامة مع الإشارة في هذا المجال إلى ضرورة التزام الحكومة اللبنانية بالأرقام الواردة في مشروع 2020 نظراً لكون الأرقام التي كانت قد وردت في موازنة 2019 لم تكن مطابقة كثيراً.

ولملف الكهرباء أيضاً وأيضاً حصة تحتل الأولوية في هيكلية الإصلاح المطلوب، سيما وأنّ الجانب الفرنسي بحسب المصادر نفسها مهتم جداً بمعالجة العجز المالي الكبير في هذا القطاع وهو يطالب بالشروع من دون تأخير في تنفيذ الخطة الخاصة بهذا الملف، فمن ناحية لأنه يمس بحياة اللبنانيين ويستنفد خزينتهم ومن ناحية أخرى لأنّ الشركات الفرنسية مهتمة بالمشاركة ببناء معامل إنتاج الطاقة في لبنان. وفضلاً عن ذلك، تكشف المصادر أنّ باريس دخلت بقوة على خط مساعدة لبنان في مسألة تأمين السيولة النقدية على المدى القصير في ظل الصعوبة التي تواجهها الشركات المستثمرة في عملية الاقتراض لتنفيذ المشاريع في لبنان نظراً لارتفاع مؤشر المخاطر، وقد وجه الجانب الفرنسي رسائل بهذا المعنى إلى البنك الأوروبي للاستثمار والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، على أساس المساهمة في هذا الموضوع بالتوازي مع التزام لبنان بالإصلاحات التي تعيد تنشيط المؤشرات الإيجابية في اقتصاده.

وإذ تؤكد المصادر أنّ "الجانب الفرنسي سيطرح على الرئيس الحريري موضوع التعاون العسكري في قطاع البحرية انطلاقاً من النقاش المتصل بمقررات مؤتمر روما"، برز في سياق متصل بالشأن العسكري كتاب من وزير الدفاع الياس بوصعب إلى "نداء الوطن" يوضح فيه رداً على ما كانت قد نشرته الصحيفة حول موضوع شراء فرقاطات من إيطاليا لصالح القوات البحرية اللبنانية أنّ "هذا الموضوع تمت مناقشته في مؤتمر روما 2 بهدف تمكين الجيش من حماية الحدود البحرية، وعلى ضوء ذلك أبدت كل من فرنسا وإيطاليا استعدادهما لتوفير قروض مالية لصالح الدولة اللبنانية من أجل شراء بواخر حربية وأعتدة أخرى"، وأضاف في معرض إبداء حرصه على مصداقية الصحيفة ونفيه معلوماتها التي تحدثت عن توقيعه هكذا اتفاقية دولية مع الجانب الإيطالي أنّ الموضوع المشار إليه ما زال "في المراحل الأولى من مناقشة حاجات الجيش وعلى وشك بدء التفاوض مع فرنسا وثم مع إيطاليا بعد أن حصل وزير الدفاع على إذن بالتفاوض من قبل رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة مع الدولة الفرنسية ليصار بعدها إلى اتباع المراحل اللاحقة وفقاً للأصول القانونية".

وبالعودة إلى تدشين الحكومة أمس رحلة مناقشة مشروع موازنة 2020، فقد أفادت مصادر وزارية "نداء الوطن" بأنّ مجلس الوزراء سيبدأ اعتباراً من مطلع الأسبوع المقبل فور عودة رئيس الحكومة من باريس عقد جلسات يومية في السراي الحكومي في فترات بعد الظهر، وقد خصصت 3 ساعات لكل جلسة لاستكمال مناقشة المشروع حتى الانتهاء منه.

إلى ذلك، أشارت المصادر إلى أنّ كل الأطراف والأحزاب طُلب منها تقديم أفكارها وتصوراتها وملاحظاتها حول مشروع الموازنة، في وقت يستعد مختلف الأفرقاء لتقديم كل منهم "ورقته الاقتصادية"، وذكرت مصادر تكتل "لبنان القوي" لـ"نداء الوطن" ان وزراء "التكتل" طالبوا خلال جلسة الأمس بمواقف واضحة في شأن الخيارات الاقتصادية والمالية وكيف يمكن تقليص حجم الدولة وتحفيز النمو وتزخيم حجم الاقتصاد.

في وقت أكدت مصادر "القوات اللبنانية" أنها منكبّة على مستوى تكتل "الجمهورية القوية" واللجان المتخصصة في الحزب على درس مشروع الموازنة لتقديم الملاحظات ومناقشتها داخل التكتل والأروقة الحزبية، تمهيداً لمناقشتها مع رئيس الحزب سمير جعجع، قبل أن يعقد التكتل اجتماعاً موسعاً بحضور وزراء "القوات"، بغية الخروج بخلاصات حول الموازنة وبتصوّر نهائي حيال مضامينها.


MISS 3