زينة عبود

"دور الضيافة" وجهة المغتربين واللبنانيين هذا الصيف

إزدهار من قلب الإنهيار

10 حزيران 2021

02 : 00

بيت طراد في الكفور (قضاء النبطية)
في خضمّ الأزمة الاقتصادية الخانقة تنامت ظاهرة "دور الضيافة" الرائجة بشكل كبير في أوروبا، فكان خيار كثيرين هذا الصيف تحويل بيوتهم الجبلية الى دور لاستضافة المغتربين أو السياح أو اللبنانيين (المقيمين) الراغبين في قضاء عطلتهم في منزل ريفي.






يُشهد للبناني أنه مكافح صلب ومحب للحياة ويتأقلم مع توالي الإنهيارات المالية والإجتماعية الناجم عن نظام هش ومسؤولين عديمي المسؤولية، والسيدة منال نموذج عمن يحاولون الصمود في زمن بائس. منال أرملة وأمّ لولدين، وقررت أن تواجه الواقع المتردي على طريقتها بعد عجزها عن الحصول على وظيفة كريمة وراتب يسمحان لها إعالة ولديها ضمن نطاق سكنها في البقاع "بيتي كبير وما بملك غيرو، فكّرت اني حوّلو نزل أو شبه موتيل وعيش أنا وولادي منّو"...


بيت دوما



بيت الكلّ

المنزل مصنوع من حجر صخري أمامه حديقة صغيرة مليئة بالزهور، وهو مقسّم الى طابقين، الطابق السفلي تقطنه منال وولداها، والطابق العلوي "العليّة" مقسم الى ثلاث غرف نوم ومطبخ وصالون وحمامين.

كل غرفة تضمّ سريرين وكلفة ايجارها مئة الف ليرة لليلة الواحدة فيما باقي أقسام المنزل تُعتبر مساحات مشتركة من الحمامين الى المطبخ وكذلك الصالون إضافة الى الباحة الخارجية والحديقة.

وتقوم منال بتقديم ثلاث وجبات طعام لمن يرغب من النزلاء في خدمة إضافية الى جانب خدمة التنظيف اليومية "لأنو بيتي صار بيت الكل".

وفي جولة لنا في "بيت منال" التقينا بأحد النزلاء، المغترب جان عواد وصديقته، هما طالبان في إحدى جامعات فرنسا أتيا لقضاء عطلة الصيف مع عائلتيهما "نحن تلاميذ ما فينا نصرف كتير ونحجز غرفة بأوتيل وفكرة maison d’hotes عادية بالنسبة الينا لأنو بفرنسا كتير شائعة وحبينا نجي نشوف أهلنا ونقضّي وقت معن وبنفس الوقت نضلّ سوا بالمشروع عند منال".


جهاد جرجس ومنزله



صحافي... ومضياف

منذ نحو اربع سنوات راودت الصٍحافي والأستاذ الجامعي جهاد جرجس فكرة الاستفادة من منزله الجبلي الذي ورثه من أهله في منطقة كور – قضاء البترون وتجهيزه لاستضافة السياح مع تأمين خدمة التوصيل من المطار الى المنزل اضافة الى دليل سياحي.

عمل جرجس على بلورة فكرة المشروع مع تفاقم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية من دون ان تلحظ الرواتب اي زيادات منصفة.

المنزل اليوم بات مجهّزاً كدار ضيافة مطلّ على دير كفيفان، مؤلف من طابق واحد وأمامه مساحة خضراء مزروعة ببعض الشتول و"الزريعة" ويمكن للضيوف قطف الخضار الطازجة، وتجاور المنزل مزرعة صغيرة للبقر والدجاج. أما بدل الإيجار للية الواحدة فقد بلغ أربعين دولاراً.

ويقول جهاد ان الزبائن المهتمين باستئجار المنزل هم عائلات لبنانية بالدرجة الأولى ترغب بقضاء عطلة الصيف بعيداً من ضجيج المدن.


نقيب أصحاب الفنادق بيار الأشقر



في حراجل أيضاً، يروي شربل مهنا، صاحب خمس شقق مفروشة للايجار، ان الاقبال هذا الصيف أكبر من السنوات السابقة الزبائن هم من اللبنانيين المقيمين ولديهم أقارب في الخارج يرسلون إليهم دولارات يصرّفونها "عاللبناني" ويستفيدون (من تدني قيمة العملة الوطنية)".

واستشعاراً بالأوضاع الصعبة، لم يرفع شربل بدل الإيجار وحدّده بمليون وخمسمئة الف ليرة شهرياً من ضمنها كلفة الكهرباء والمولد. ويشير الى ان الشقق كلها مؤجّرة طيلة موسم الصيف لعائلات ومجموعات من الشباب والشابات.

ليس بعيداً عن حراجل ففي فيطرون تروي "كورين" وهي أم لثلاثة أطفال أنها استأجرت منزلاً واسعاً ومفروشاً أمامه حديقة آمنة مسيّجة للأولاد على مدى ثلاثة أشهر (حزيران – تموز – آب) مقابل مليون ومئتي الف ليرة فقط بالشهر وتقول "كل صيفية كنا نسافر نغيّر الجو بس هالسنة الوضع صعب وحتى اذا بدنا نعمل سياحة داخلية وناخد غرفة بأوتيل الكلفة خيالية، لهيك قررنا نستأجر بيت بالجبل لثلاثة أشهر منقضي كل الصيفية مش بحق غرفة أوتيل".


مدخل دار الضيافة في كور البترونية



حجوزات كاملة جبلاً وبحراً

بعد فقدان الليرة اللبنانية أكثر من تسعين بالمئة من قيمتها أمام الدولار الأميركي، اكتسب لبنان ميزة تنافسية على مستوى السياحة العالمية ما عزّز هذا القطاع ومع ذلك استعاض الكثير من المغتربين كما السياح عن الفنادق بدور الضيافة على البحر أو في المناطق الجبلية النائية.

في لبنان نحو خمسة واربعين دار ضيافة لا تساوي بقدرتها الاستيعابية نصف أوتيل فينيسيا، يقول نقيب الفنادق بيار الأشقر الذي يقرّ بأنها "دارجة" في هذه الأيام نظراً الى أسعارها المغرية وكونها مؤسسات صغيرة ومميّزة وتتمتّع بديكور وخدمات تحاكي المعايير الأساسية للضيافة.

الأشقر الذي يتوقع ازدهاراً على مستوى قطاع الفنادق خلال شهري تموز وآب خارج بيروت التي لا تزال تلملم آثار انفجار المرفأ، يوضح ان اسعار الغرف في الفنادق تتراوح بين مئتي الف ليرة ومليوني ليرة لبنانية لليلة الواحدة. ويشرح ان هناك اربعمئة وخمسين الف لبناني ينتشرون في الخليج العربي ومئتين وخمسين ألف لبناني في افريقيا، سيأتي معظمهم الى لبنان خلال الشهرين المقبلين وبحوزتهم العملة الخضراء للصرف مع أهلهم في البلد بعدما بات لبنان مقصداً سياحياً (لمن يودّون الإقتصاد في المصاريف) إضافة الى نحو سبعمئة وخمسين ألف لبناني من الطبقة المتوسطة اعتادوا السفر ضمن مجموعات الى قبرص وتركيا واليونان وغيرها لكنهم "مزروبون" هذا العام وبالتالي سيلجأون الى السياحة الداخلية. من هنا يتوقع الأشقر حركة سياحية "لدينا نحو مليون ونصف لبناني سيجولون ويسوحون داخل السجن الذهبي - لبنان".

ويشير الى ان الفنادق في دورها تشهد حجوزات شبه كاملة خلال "الويك آند" بينما تتراجع النسبة الى الأربعين بالمئة في بحر الأسبوع.

في الخلاصة، يحاول اللبنانيون دائماً البحث عن مخارج تنير طريقهم في أحلك الأزمات ولا ضير من الاستفادة من كل الإمكاناات المتاحة لتسهيل أمور معيشتهم وتجميل الواقع المرير الذي فرضه علينا فاقدو الضمير والوجدان فبتنا نؤجّر أملاكنا كي نصمد في بيوتنا بانتظار الفرج من مكان ما.

لكن لا شك ان ظاهرة "دور الضيافة" شكلت مخرجاً إنقاذياً ومورداً مالياً للبعض، فيما رأى البعض الآخر ممن أدمنوا السفر، انها من ركائز السياحة الداخلية وباشر بوضع برنامج لتنقّل في خلال عطلات نهاية الأسبوع من منطقة الى أخرى ومن شاطئ الى آخر وكل "ويك آند" مشروع جديد.


بيت قروي



الأصل والفصل

تعود أصول مصطلح «غرفة الضيوف» إلى الدعوة المضيافة للمؤسسات الدينية. في وقت مبكر من عام 817، بمناسبة مجلس إيكس لا شابيل المكرس للنظام الرهباني، طلب لويس الأول أن تضم الأديرة في مبانيها الخارجية «غرفة ضيوف» واحدة على الأقل مخصصة لاستقبال الفقراء.

ظهرت أماكن المبيت والإفطار في أوروبا الوسطى في القرن التاسع عشر، وتطورت، مثل النزل الريفية، في النصف الثاني من القرن العشرين. أما المبيت والإفطار الذي كان يقدم في البداية شكلاً من أشكال السياحة الريفية بالإضافة إلى النشاط الزراعي، فقد تطور الآن أيضاً في المدن.

في العام 1912، دعا أبيل بلليف، رئيس نادي فرنسا السياحي، الباريسيين الى الذهاب إلى الريف للعيش مثل سكان الريف، في غرف مجهزة خصيصاً: «غرفة الضيوف».

في الاستخدام الحديث، يرتبط ظهور المصطلح وتطوره ارتباطاً وثيقاً بظهور السياحة الريفية، حيث كانت بلدان أوروبا الوسطى رائدة في هذا التطور.

في ألمانيا، ظهرت الضيافة في المبيت والإفطار في مهنتها السياحية في بداية القرن التاسع عشر، بتقليد العائلات الثرية لمدينة بريمن حيث كانت هناك منتجعات للعطل في الريف. اعتادت البرجوازية الوسطى في هذه المدينة على البقاء خلال فصل الصيف مقابل أجر مع المزارعين الذين قدموا لهم الإقامة والوصول إلى مطبخ منزلهم. أصبح هذا النوع من أماكن الإقامة «مع عائلة» شائعاً في منطقة تيرول النمسوية في نهاية القرن التاسع عشر، لكنه تطور بشكل خاص في أوروبا في النصف الثاني من القرن العشرين وعلى وجه الخصوص منذ الستينات.

في فرنسا، تم تكريس المصطلح للمرة الأولى عام 1948 من قبل لجنة تحديث السياحة الفرنسية للمفوضية العامة للخطة والتي أوصت بالترويج لهذا الشكل من أماكن الإقامة السياحية بالإضافة إلى المساكن الريفية. ومع ذلك، لم يتم الاعتراف بها إلا في وقت لاحق من خلال التشريع الذي استمر في استيعاب غرف الضيوف في أماكن الإقامة السياحية المفروشة حتى بداية القرن الحادي والعشرين.