نبيل منوال يونس

إلغاء الديبلوماسية المركزية

11 حزيران 2021

02 : 00

نشرت نداء الوطن بتاريخ 4 حزيران 2021 مقالاً للسيد جورج ريمون صفير تضمّن أربعة أسئلة حول اقتراحي لنظام فيدراليّ مع إلغاء السياسة الخارجيّة المركزيّة وإلغاء وزارة الخارجيّة مما يقتضي معه إعطاء كلّ مقاطعة فيدراليّة حرّية سياستها الخارجيّة التي تمارسها بالديبلوماسيّة المحاذية para – diplomacy .

جواباً على السؤال الأوّل حول وجود تجربة سابقة لبلدانٍ إستبدلت الديبلوماسيّة المركزيّة بالديبلوماسيّة المحاذية وتحوّلت إلى عضو مراقب بدون حقّ التصويت في المنظمات الدوليّة فإن التعددية اللبنانيّة هي تعدديّة مركّبة ومعقّدة إلى حدّ جعل من لبنان حالةً وحيدةً في العالم. ونتج عنه أن لبنان أصبح بحاجة إلى اعتماد صيغة قد تكون أيضاً فريدة في العالم لتكون ملائمة لتركيبته إذ أن البلدان التي اعتمدت الديبلوماسيّة المحاذية وطبّقتها كمكمّلة للديبلوماسيّة المركزيّة ليست معقّدة التركيب كلبنان الذي يجمع على مساحة صغيرة أربع وحدات إجتماعيّة طائفيّة إذ أنّ التوفيق بين أربع فئاتٍ هو أصعب بكثير من توافق التعدديات الثنائية لا سيما أن كلاً منها أو أكثرها يترابط مع بلدان لها مطامع توسّعيّة. إنّ إلغاء الديبلوماسيّة المركزيّة وإبقاء الديبلوماسيّة المحاذية لوحدها يستتبع التنازل عن حقّ التصويت في المنظمات الدوليّة لصعوبة التوافق على خيار التصويت. فبناءً عليه ونظراً إلى أنّ لبنان وضعه فريد في العالم بنتيجة إلتقاء التعدديّة الإجتماعيّة اللبنانيّة مع وقوع لبنان في منطقة الشرق الأوسط التي لم تعرف السلام منذ أوّل التاريخ والتي لأكثريّة بلدانها مطامع توسّعيّة فإنّ مشكلة لبنان الفريدة في العالم تتطلّب حلّاً فريداً. أمّا الجواب على السؤال الثاني حول إمكانيّة إعلان حياد لبنان بدلاً من إلغاء السياسة الخارجيّة الموحّدة ووزارة الخارجيّة فهو أن إعلان الحياد يستلزم من جهة أولى توافقاً لبنانياً لا يمكن تحقيقه نظراً للإختلاف بين اللبنانيين العميق حول النظرة إلى الحياد وتحديده ويستلزم من جهة ثانية فكّ الإرتباط بالمحاور وبالقضايا وبالقوميات الإقليمية أو الدولية مما يجعل التوافق على الحياد صعباً أو بالأحرى مستحيلاً. والأهم هو أن الحياد المطلوب يستلزم ليكون فاعلاً، إعتراف دول الشرق الأوسط به وهذا الشرط لا يتحقق إذا لم يكن لبنان حيادياً إما بنتيجة توافق اللبنانيين عليه وإمّا بإنتفاء وجود سياسة خارجيّة مركزيّة.

لقد ثبت من تخلّي لبنان عن "النأي بالنفس" بعد ممارسته لفترة قصيرة، أن اللبنانيين عاجزون عن الإتفاق على تحييد لبنان. فإزاء استحالة التوافق اللبناني على الحياد وقبول دول الشرق الأوسط به يبقى السعي إلى الحياد والإتكال عليه بدون نتيجة ولا يبقى لنا خيار إلّا بإلغاء السياسة الخارجيّة التي هي أهم وسائل الإنحياز مما يستتبع الحاجة إلى إلغاء وزارة الخارجية وحق التصويت في المنظمات العالميّة والإقليميّة. إن الإبقاء على السياسة الخارجيّة الموحّدة المركزيّة له نتيجتان الأولى هي إبقاء الترابط بين وضع لبنان وصراعات وأزمات الشرق الأوسط والثانية هي القبول بأن يكون قرار الحرب، أو الإمتناع عنه، بيد الفريق الأقوى في لبنان الذي يفرض رأيه في هذه الحالة بكل شرعيّة ووفقاً للأسس الديموقراطيّة. أما الجواب على السؤال الثالث حول كيفيّة التّوصل إلى إلغاء وزارة الخارجيّة والديبلوماسيّة المركزيّة التقليديّة بدون توافق لبناني، فهو أن اعتماد الفيدراليّة وإلغاء وزارة الخارجيّة لا يمكن التوصل إليهما إلّا بنتيجة قرار دولي يتخذ في إطار حلّ الأزمة الثوريّة أو القتاليّة التي يتّجه نحوها لبنان في الوقت الحاضر ويفرض على لبنان.

والجواب على السؤال الرابع حول إلغاء الجيش الموحّد فهو أن الجيوش تنفذ سياسة الحكومات عملاً بمبدأ خضوع وطاعة العسكر اللامشروطين للقرار السياسي المدنيّ وتحديداً للسياسة الخارجيّة. فالغاء السياسة الخارجيّة المركزيّة الموحّدة تبعاً لاستحالة إتّخاذ قرار توافقي حولها، يستتبع الغاء الجيش الفيدرالي الموحّد.


MISS 3