مسعود محمد

إيران... إنتخابات تُحدّد مستقبل البلاد في ظلّ مقاطعة شاملة

18 حزيران 2021

02 : 01

تربط رئيسي بقيادة "الحرس الثوري" علاقات قوية (أ ف ب)

المقاطعة والإستبعاد الجماعي للمرشحين هما ميزتا الإنتخابات الرئاسية الإيرانية، وعند نشر هذا المقال سنشهد تعيين إبراهيم رئيسي رئيساً للجمهورية بغضّ النظر عن الإنتخابات التي إفتتحها المرشد الأعلى علي خامنئي، بعملية إستبعاد واسعة كان أبرز المستبعدين فيها الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد، ورئيس مجلس الشورى السابق علي لاريجاني والمرشح الإصلاحي اسحاق جهانغيري. الإستبعاد غلّب كفة المرشحين المحافظين واستبعد ما كان يُسمى بالإصلاحيين في إيران، رغم أنه ليس هناك في إيران سوى الولاء للولي الفقيه، بغض النظر عن التسميات سواء أكانت إصلاحية أو متشدّدة.

وكان رئيسي قد تنافس مع الرئيس حسن روحاني في الإنتخابات الرئاسية السابقة في العام 2017، إلّا أنه لم يحصل سوى على 38 في المئة من أصوات الناخبين، ما أعطى لروحاني دورة رئاسية ثانية. ولم يكن رئيسي معروفاً بشكل واسع بين الإيرانيين قبل انتخابات العام 2017، إذ كان قضى السنوات الماضية يعمل في السلك القضائي بعيداً من الأضواء، وتربطه بقيادة "الحرس الثوري" علاقات قوية، ويُنظر إليه على أنه المرشح المفضل للتيار المتشدّد.

ورئيسي حائز على شهادة دكتوراه في الفقه الإسلامي، وكان له صعود سريع في السلك القضائي، إذ أصبح مساعد النائب العام في طهران ولم يتجاوز الـ25 عاماً، وهو واحد من القضاة الأربعة الأعضاء في ما أُطلق عليه "لجنة الموت" التي كانت تُقرّر مصير الآلاف من معتقلي المعارضة الذين أُعدموا عند إنتهاء فترات محكوميّاتهم. وتُعدّ تلك الإعدامات من الأحداث الأكثر سرّية في تاريخ إيران ما بعد الثورة، ولم يتمّ التحقيق فيها رسمياً قط، ولم يُثر هذا الموضوع من جانب الإعلام الايراني الرسمي خلال هذه الحملة الإنتخابية، ولكنه نوقش على نطاق واسع من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ومن قبل الإعلام الناطق بالفارسية في الخارج.

دعوات المقاطعة كانت واسعة في هذه الإنتخابات، واستخدم المعارضون للنظام الإيراني كلّ الوسائل المتاحة من وسائط إجتماعية للدعوة إلى المقاطعة، فيما استخدم مناصرو النظام تلك الوسائط للتسويق للنظام والمرشحين، بحيث كانت الوسيلة الأبرز هي تطبيق "كلوب هاوس" الذي استُخدم بشكل واسع من قبل شخصيات إيرانية بارزة. واللافت هذا العام كان إتساع الدعوات لتشمل تحركات في الشارع الإيراني، حيث تجرأ مواطنو طهران وخرجوا بتظاهرات طيارة يتمّ الدعوة فيها إلى مقاطعة الإنتخابات، ليختفي بعدها المتظاهرون في ما بين الناس.

خامنئي خلال كلمة له أمام نواب مجلس الشورى، دعا المواطنين إلى عدم الإلتفات إلى كلام المغرضين الذين يُروّجون لعدم الذهاب إلى صناديق الاقتراع، وأكد أنّ "هناك أشخاصاً في الداخل يعلمون أو لا يعلمون يلهثون خلف أهداف العدوّ وشعاراته، ويُكرّرون اتهاماته من أجل كسر الأمة وإراقة ماء وجهها". وكان يقصد خامنئي بذلك الرئيس السابق أحمدي نجاد الذي أطلق تصريحات مثيرة للجدل بعد عدم قبول ترشيحه. ففي تصريح جريء له نقله مستشاره السابق،‌ قال عبد الرضا داوري: "يعتقد الرئيس أحمدي نجاد، أن نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، سينهار مع وفاة المرشد علي خامنئي".

الملف الأبرز لمرحلة ما بعد الإنتخابات الرئاسية هو "خلافة خامنئي". فالساحة الإيرانية تشهد تجاذبات وصراعاً قوياً في ما بين النظام ومعارضيه من جانب، وفي ما بين أجنحة النظام التي تسعى إلى تكريس سيطرتها على الجمهورية في مرحلة ما بعد خامنئي. ومن أبرز التوقعات أن يلجأ رئيسي بعد إنتخابه، أوّلاً إلى الفوز بإتفاق نووي جديد يفتتح به عهده الرئاسي. وثانياً، الإلتفات إلى المعارضة، سواء كانت داخلية أو خارجية، ليُصفيها كما فعل إبّان إنتصار الثورة الإيرانية.

مرحلة ما بعد الإنتخابات الرئاسية ستطرح السؤال الأبرز حول مستقبل إيران، وهناك تيار بارز في إيران يدعو إلى الإنكفاء إلى داخل إيران والحفاظ على سلطتهم في بلد الثورة والإستمرار بالحكم، مقابل تيار "الحرس الثوري" الذي يدعو إلى مزيد من التمدّد والتوسّع وإحتلال المزيد من العواصم. والصوت الأعلى في المرحلة القادمة سيكون للشعب الإيراني الذي كسر حاجز الخوف، ويهمس في السر والعلن "لا حزب الله ولا حماس بل إيران"، كعلامة رفض لهدر ثرواته على تلك القوى والتوسّع، بينما الشعب الإيراني جائع ومحاصر.


MISS 3