رابط بيولوجي بين اللحوم الحمراء وسرطان القولون

02 : 00

توصّلت دراسة جديدة نُشرت هذا الأسبوع في مجلة "كانسر ديسكوفري" العلمية إلى تحديد خصائص الأضرار اللاحقة بالحمض النووي جرّاء اتباع نظام غذائي غني باللحوم الحمراء. وأكدت أن هذه اللحوم مُسرطِنة بالفعل، فاتحةً الطريق أمام الكشف المبكر عن المرض وتطوير علاجات جديدة له.

ولا تعني نتيجة هذه الدراسة وجوب الامتناع كلياً عن تناول اللحوم الحمراء، بل المطلوب "الاعتدال واتّباع نظام غذائي متوازن"، على ما أوصى أخصائي الأورام في معهد "دانا فاربر" للسرطان ماريوس جياناكيس.

وسبق للأبحاث العلمية أن أثبتت وجود صلة بين سرطان القولون واللحوم الحمراء من خلال استبيانات عن العادات الغذائية للمصابين به.

لكن الدراسات من هذا النوع مرهونة إلى حدّ كبير بالبيانات التي تستند عليها، وفي عام 2019 أثار فريق من الباحثين الجدل إذ شكك في دقة مقولة إن الإقلال من استهلاك اللحوم الحمراء يساهم في خفض الوفيات الناجمة عن السرطان. ورأى ماريوس جياناكيس الذي أسّس هذه الدراسة الجديدة أن "ثمة حتماً آلية تجعل اللحوم الحمراء مادة مسرطِنة".

اكتشف العلماء منذ مدة طويلة كيفية نشوء أورام سرطانية بفعل دخان السجائر، وكيفية تَسَبُّب بعض الإشعاعات فوق البنفسجية التي تخترق الجلد بحصول تحوّر في الجينات يؤثر على كيفية نمو الخلايا وانقسامها.

من هذا المنطلق، عمل ماريوس جياناكيس وزملاؤه على ترتيب تسلسل الحمض النووي لـ 900 مريض بسرطان القولون، اختيروا من بين مجموعة من 280 ألف شخص شاركوا في دراسات على مدى سنوات شملت طرح أسئلة عليهم عن نمط حياتهم.

وتكمن أهميّة المقاربة التي اتبعتها هذه الدراسة في أن المشاركين لم يكونوا يعرفون أنهم سيصابون بهذا السرطان، خلافاً لتلك التي تُطرح فيها الأسئلة عن العادات الغذائية على أشخاص مصابين أصلاً. وأظهرت التحاليل المخبرية عن تحوّر معيّن لم يسبق أن رُصد، لكنه يعود إلى نوع من التحوّر في الحمض النووي يسمى الألكلة. ولا تصبح كل الخلايا التي تحتوي على هذا التحوّر سرطانية حكماً، وهي كذلك موجودة في عيّنات سليمة. ولكن تبيّن أن هذا التحوّر مرتبط إلى حدّ كبير باستهلاك اللحوم الحمراء سواء المصنّعة منها أو غير المصنّعة، قبل ظهور المرض. في المقابل، لم يظهر أي ارتباط مع استهلاك لحوم الدواجن أو الأسماك أو العوامل الأخرى التي تم فحصها.

وشرح ماريوس جياناكيس أن "تناول اللحوم الحمراء يفرز مركّبات كيميائية يمكن أن تسبب الألكلة". وهذه المركّبات ناجمة عن الحديد الموجود بكثرة في اللحوم الحمراء أو من النترات الموجودة غالباً في اللحوم المصنّعة. وتبيّن أن هذا التحوّر موجود أيضاً بكثافة في القولون البعيد، وهو جزء من القولون أشارت الدراسات السابقة إلى ارتباطه بقوة بسرطان القولون والمستقيم الناتج مِن تناول اللحوم الحمراء.

بالإضافة إلى ذلك، أظهرت الدراسة أن من بين الجينات الأكثر تأثراً بالألكلة تلك التي أشارت الدراسات السابقة إلى أنها الأكثر عرضةً للتسبب بسرطان القولون عند حدوث تحوّر فيها. وأوضح ماريوس جياناكيس أن مختلف هذه العناصر تشكّل مجتمعةً ملفاً متيناً، يشبه إلى حدّ ما عمل التحرّي.

وأظهرت الدراسة أن المرضى الذين تحتوي أورامهم على أعلى مستويات الألكلة عرضة بنسبة 47% أكثر من الآخرين لخطر الوفاة. ولم تلاحِظ مستويات عالية من الألكلة إلّا في أورام المرضى الذين يتناولون في المتوسط أكثر من 150 غراماً من اللحوم الحمراء يومياً. وتوقع الباحث أن يساعد هذا الاكتشاف الأطباء على تحديد المرضى الأكثر استعداداً وراثياً للألكلة، بما يتيح لهم نصحهم بالحد من استهلاك اللحوم الحمراء، كما أنه يمهّد لابتكار علاجات توقف تطور سرطان القولون سعياً إلى الحؤول دون الإصابة بالمرض.


MISS 3