جاد حداد

أحلامك الغريبة تحفّز مرونة دماغك؟

23 حزيران 2021

02 : 00

في الأشهر الأولى من العام 2020، حين اضطر ملايين الناس حول العالم للعيش في عزلة تامة بسبب انتشار وباء "كوفيد-19"، سجّل الكثيرون زيادة في حيوية أحلامهم ووتيرتها. بدأ التداول بهشتاغ #pandemicdreams (أحلام الوباء) على "تويتر" حيث تقاسم المستخدمون أحلامهم الغريبة. يقول الدكتور إريك هول، أستاذ مساعد في علم الأعصاب في جامعة "تافتس" في "ميدفورد"، ماساتشوستس: "ربما كان الملل في حياتنا خلال فترة الإقفال التام السبب الذي دفع أدمغتنا إلى إنتاج دفعات من "الضجة" الليلية العشوائية. أظن أن الأجهزة العصبية لدى جميع أنواع الحيوانات، بدءاً من الديدان الخيطية وصولاً إلى البشر، قد تصبح بالغة التخصيص تجاه المعلومات المكتسبة في ساعات اليقظة". بعبارة أخرى، قد تصبح الحيوانات، بما ذلك البشر، بارعة جداً في أداء مهام محددة، لكنها تفشل في استعمال ما تعلّمته لتنفيذ مهام أخرى.

لحل هذه المشكلة، يظن هول أن الأحلام تطورت لدى الحيوانات الأكثر تقدماً لضخ مستوى من المرونة في نماذجها الدماغية حول العالم.

اكتشف علماء النفس أن الفرد الذي يقوم بمهام عابرة ومتكررة خلال اليوم، مثل المشاركة في لعبة Tetris، يكون أكثر ميلاً إلى رؤية أحلام مرتبطة بتلك المهام. قد تفسّر هذه الفكرة السبب الذي جعل تجارب الحياة المتكررة وغير الحماسية خلال فترة الإقفال التام تطلق جولة جديدة من الأحلام لدى عدد كبير من الناس. تبقى هذه الفكرة مجرد نظرية طبعاً، لكنها تقدم تفسيراً معيناً لما يحصل برأي هول.

التعلم الآلي

يدرس هول خوارزميات التعلم الآلي التي تُسمى "الشبكات العصبية العميقة" ويمكن تدريبها لأداء مهام مثل ترجمة النصوص والتعرّف على خصائص معينة في الصور. يكتب هول في تقرير نشرته مجلة "باترنز" أن جميع الشبكات العصبية العميقة تواجه المشكلة نفسها، فتبالغ في تخصيص قواعد البيانات التي يستعملها المصممون لتدريبها. يعني ذلك أن تلك الشبكات لا تنجح في تعميم ما تعلّمته على البيانات الجديدة. غالباً ما يستعمل المصممون "جرعات من الضجة" لحل مشاكل فرط التخصيص. إنها قواعد بيانات عشوائية أو شائبة لتجديد مرونة العمليات الحاصلة عبر الشبكة.

يذكر هول في تقريره أن الدماغ يواجه مشكلة مشابهة بعد يوم من خوض التجارب ثم يعالج الخلل بالطريقة نفسها عموماً. هو يفترض أن الأحلام عبارة عن "مدخلات حسية شائبة" يفبركها الدماغ انطلاقاً من نشاط دماغي عشوائي تطوّر مع مرور الوقت لتعميم نماذجه الداخلية عن الواقع.

يضيف هول: "يبدو أن غرابة الأحلام واختلافها عن طبيعة التجارب التي نخوضها خلال ساعات اليقظة هي التي تعطيها وظيفتها البيولوجية. تؤدي قلة النوم، ولا سيما غياب الأحلام، إلى نشوء وضعٍ يسمح للدماغ بحفظ الذكريات والتعلم لكن من دون أن يعمّم تجاربه بالشكل المناسب". يسمّي هول هذه الفكرة فرضية "فرط التخصيص في الدماغ".

لاستكشاف مدى صوابية هذه الفرضية، يُفترض أن يتمكن علماء النفس من تصميم اختبارات سلوكية تستطيع التمييز بين القدرة على حفظ معلومات جديدة والقدرة على تعميم تلك المعارف على مهام أخرى. يمكنهم أن يستعملوا مهام تدريبية متكررة لإنتاج ظاهرة "فرط التخصيص" لدى المشاركين ثم قياس آثار الحرمان من النوم وانعكاسه على تذكّر المعلومات وتعميمها.

أحلام اليقظة

قد تكون الأحلام مفيدة جداً للحفاظ على وظيفة الدماغ لدرجة أن يبتكر البشر طرقاً معينة لرؤية الأحلام في ساعات اليقظة. على عكس الفكرة الشائعة وسط علماء النفس ومفادها أن الأعمال الفنية، مثل الروايات والرسم والموسيقى، تحمل طابعاً ممتعاً وتطورياً لكنها غير قابلة للصمود، يظن هول أنها تمنع الدماغ من فرط التخصيص.

يكتب هول في تقريره: "تلمح فرضية فرط التخصيص في الدماغ إلى أن الروايات، والفنون كلها بشكل عام، قد تعطي منفعة معرفية كامنة وأكثر عمقاً، فتُحسّن القدرة على تعميم التجارب ومنع فرط التخصيص عبر التحول إلى شكل من الأحلام الاصطناعية. بصفتي روائياً، من الإيجابي أن تعطي الروايات التي تحمل معنىً مرادفاً للأحلام الاصطناعية منفعة معرفية عبر منعنا من بلوغ مستوى مفرط من التطابق بين أفكارنا وأحداث حياتنا اليومية".

وفق هذه الفكرة، يصبح الدماغ متخصصاً بدرجة مفرطة ويُركّز على تجاربه خلال ساعات اليقظة، وتسهم الأحلام في تطوير عملية تعميم المعارف التي تشكّل جزءاً كامناً من التعلم الآلي. في العام 1995، اقترح علماء الكمبيوتر فكرة عن "خوارزميات اليقظة والنوم" التي تستطيع التعلم من دون إشراف البشر عبر التنقل بين مراحل اليقظة والنوم.

بعد مرور عشر سنوات تقريباً، ارتكز عالم الأعصاب كارل فريستون وزملاؤه من جامعة "كوليدج لندن" في بريطانيا على هذا المفهوم في العام 2014، لتطوير نظرية مفادها أن الأحلام هي الأداة التي يستعملها الدماغ لتقليص تعقيدات نماذجه.

يعتبر فريستون الدماغ آلة لإنتاج التوقعات حول العالم، ما يجعل جميع أنواع المفاهيم والأفكار والأفعال ممكنة. بناءً على "مبدأ الطاقة الحرة" الذي يطرحه، يحلم الناس بهدف تنظيم أو تبسيط نماذج التوقعات في الدماغ. يذكر فريستون في رسالة إلكترونية لمجلة "ميديكل نيوز توداي": "امتدت هذه الظاهرة حديثاً إلى فترات التفكير في ساعات اليقظة ومجموعة من لحظات الإدراك المؤثرة، حين تصبح بساطة المسائل واضحة. حتى أننا استعملنا مقاربة تقليص التعقيدات لتقييم التعلّم العميق"!


MISS 3