خالد أبو شقرا

موازنات التقشّف فاقدة أيّ رؤية اقتصادية واجتماعية بنّاءة

"2020" ما زالت تتجاهل الإنفاق الحكومي

23 أيلول 2019

01 : 40

النفقات العامة تأخذ منحى تصاعدياً
يشكّل الإنفاق الحكومي المتنامي علّة النظام. ومهما ابتدعوا من سياسات واتخذوا من اجراءات في موازنة 2020 ستبقى عقيمة إن لم يبادروا الى تفعيل خطوات تخفيض الإنفاق.

في الوقت الذي يتراوح فيه انفاق الحكومة الفدرالية الاميركية بين 23 و27 في المئة من حجم الإقتصاد، ولا تتعدى هذه النسبة الـ 30 في المئة بالنسبة الى الإمارات العربية المتحدة، بلغ حجم إنفاق لبنان في العام الماضي 17.8 مليار دولار، أي ما يوازي 32 في المئة من حجم الناتج المحلي. هذا الإنفاق الذي يتعدى المعدلات العالمية، يترافق مع تراجع مستمر في النمو الإقتصادي منذ العام 2017، حيث لم يتجاوز النمو العام 0.6 في المئة، وتراجع في العام 2018 الى 0.2 في المئة، في حين تشير كل التوقعات الى نمو معدوم هذا العام. وبالرغم من توأمة الانفاق وتراجع النمو فإن "المقاربة ما زالت تتم من منظار زيادة الضرائب وعدم المس بالانفاق الحكومي" يقول الخبير الاقتصادي مازن سكاف، وهو ما لن يؤدي فقط من وجهة نظره الى عدم تحقيق التخفيض المطلوب في نسب عجز الخزينة، إنما أيضاً الى تعثر الاقتصاد، وتقويض النمو، وتفويت فرصة الاستفادة من الدعم الدولي، وإبعاد المستثمرين المحليين والاجانب.

الصدمة الايجابية

من هنا يرى سكاف، أن "المطلوب اتخاذ قرارات سريعة وفعالة، من شأنها احداث تغيير سريع في بنية النفقات والايرادات، وتشكيل صدمة إيجابية قبل نهاية العام الحالي، لاستعادة ثقة المجتمع الدولي والمستثمرين المحليين والاجانب. ومن هذه المقررات:

- تعديل تعرفة الكهرباء بحسب الشطور، مع مراعاة أصحاب الدخل المحدود. شرط ان تترافق هذه الخطوة مع تحسين الجباية وتخفيف الهدر وتخفيض ساعات التقنين الى ادنى المستويات، والعمل الجدي على إنشاء المعامل الجديدة. ففي حين تمتص الكهرباء حوالى 2 مليار دولار في السنة من حجم الانفاق، ما زالت الجباية تحتسب على أساس 9 سنتات لكل كيلوات/ساعة في حين تبلغ كلفة انتاج الكيلو الواحد 17 سنتاً.

- معالجة تخمة التوظيف في القطاع العام، والقيام بإصلاح جذري للإدارة من خلال الاستغناء والدمج في أكثر من 90 مؤسسة غير فعالة، تصرف لها المخصصات، ويتراكم الانفاق من دون جدوى.

- تجميد التوظيف في القطاع العام، وتخفيض أعداد الموظفين. ففي حين تبلغ نسبة القوى العاملة في القطاع العام في المانيا 12 في المئة، يصل هذا الرقم في لبنان الى 25 في المئة. وفي حال استمر هذا الوضع فسنعدم أي مبادرة من القطاع الخاص للنهوض بالاقتصاد.

- القيام بمسح شامل لكل مرافق الدولة ومعرفة أصولها، ووضع مخطط لكيفية الاستفادة منها بأسرع وقت ممكن، من خلال تأجيرها بأسعار حقيقية وليس كما يحدث مع "نادي الغولف" و"النادي اللبناني للسيارات والسياحة"، أو خصخصتها أو استثمارها أو "تضمينها" للقطاع الخاص لاستعمالها وغيرها الكثير من الطرق والاساليب الكفيلة بتعزيز ايرادات الدولة والتخفيف من الهدر والانفاق غير المجدي.

- تخصيص المرافق العامة الاساسية، والتي اثبتت الدولة فشلها في ادارتها، سواء كان هذا التخصيص كاملاً أو تخصيصاً للادارة. فتخصيص قطاع الاتصالات على سبيل المثال كفيل بتأمين مليارات الدولارات للدولة.

- الاستغناء فوراً عن الـ 5 آلاف موظف الذين دخلوا الى الإدارة العامة بشكل غير قانوني في الفترة التي كان متفقاً عليها من قبل كل الاطراف بوقف التوظيف.

- عدم اللجوء الى فرض الضرائب مهما كانت الاسباب، فآخر ما يجب التفكير فيه في ظل الركود الاقتصادي هو استحداث ضرائب جديدة. لانها لن تساهم في تدهور الوضع الاقتصادي فحسب، بل لن تؤتي ثمارها أيضاً، وموازنة العام 2019 خير دليل.

- التركيز على جباية الضرائب ومكافحة التهريب والتهرب الجمركي واقفال المعابر غير الشرعية.

- يجب ان تكون هناك سلة من البرامج التعويضية والتحفيزية يقوم بها الضمان الاجتماعي وغيره من المؤسسات للتخفيف من وطأة القرارات على المجتمع.

التغيرات العالمية

بعيداً من إحداث الصدمة الايجابية، فان كل الخطوات ستكون فولكلورية. فلبنان لم يعد يتحضّر للدخول في الازمة بل اصبح في قلبها. وعليه، فان التفكير التقليدي ضمن جدران البيت اللبناني لا يخرجنا من الازمة. فكل المقاربات تتم بعيداً من المتغيرات الدولية، ولا تأخذ في الاعتبار التطورات الجيوسياسية العالمية، كضربة "أرامكو" مثلاً أو تراجع الاقتصاد العالمي والدخول في مرحلة انكماش، وهي معطيات كفيلة بتغيير كل ما بني عليه من ارقام ومعطيات.

أما بخصوص الرهان على المساعدات الخارجية عبر الودائع المصرفية او الاكتتاب بالسندات، فهي لن تنفع في ظل هذا الهدر الكبير وعدم ضبط الانفاق، وهي ستستنزف بغضون اشهر قليلة وتتبخر من دون أي تغيير يذكر. فارقام البلد أصبحت كبيرة لدرجة لم يعد ينفع معها العلاج بالمراهم والمسكنات وأصبحت تتطلب مشرطاً.


MISS 3