بعد الانتخابات الإسرائيلية... مستقبل نتنياهو على المحك!

10 : 50

لم تتضح بعد تداعيات الانتخابات الإسرائيلية، لكن يمكن استخلاص بعض الاستنتاجات منذ الآن. في المقام الأول، حقق أفيغدور ليبرمان، رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" القومي العلماني، النتيجة التي كان يتمناها: تسمح الأصوات التي حصدها لحزبه برسم معالم الحكومة التي يريدها أو معارضة الحكومة التي لا يوافق عليها. ويبدو أن حزب "أزرق أبيض"، بقيادة بيني غانتز، فاز بـ33 مقعداً من أصل 120 في الكنيست، ما يعني أنه يتقدم بمقعد واحد على حزب "الليكود" بقيادة بنيامين نتنياهو. كذلك، تعادلت الكتلة اليسارية الوسطية بقيادة غانتز (تحالف حزبي قد يدفع الرئيس رؤوفين ريفلين إلى تكليف غانتز بتشكيل الحكومة بدل نتنياهو)، أو ربما تفوّقت بمقعد واحد، على كتلة نتنياهو الثيوقراطية اليمينية. لكن لن يحصد أي فريق أغلبية من 61 مقعداً من دون ليبرمان الذي فاز بثمانية مقاعد. صرّح هذا الأخير أمام مناصريه في مقره عشية الانتخابات، ثم أمام الصحافيين في صباح اليوم التالي، بأنه يريد أن "تبقى الحكومة بعد الانتخابات مثلما كانت قبلها، أي حكومة وطنية ليبرالية واسعة النطاق".

يعني ليبرمان بكلامه المُشفّر هذا أن تنشأ حكومة وحدة وطنية تشمل أكبر حزبَين ("أزرق أبيض" و"الليكود")، بالإضافة إلى حزبه الخاص. بعبارة أخرى، يجب أن تخلو الحكومة العلمانية من الأحزاب القومية المتطرفة والمتعصبة التي خاض حملته ضدها. يواجه البلد برأي ليبرمان حالتَين طارئتين على مستوى الاقتصاد والوضع الأمني. يلوح في الأفق عجز في الميزانية وحرب استنزاف مع عملاء إيران في لبنان وسوريا وحتى العراق. من واجب الرئيس ريفلين أن يدعو إلى تشكيل الحكومة، ويُفترض ألا يتردد في دعوة غانتز ونتنياهو معاً إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية في أسرع وقت برأي ليبرمان. هما يملكان أغلبية المقاعد، وقد أصرّ ليبرمان، بشهامةٍ خجولة، على أنّ الوضع طارئ لدرجة أن يوافق على تشكيل الحكومة من دونه. تعليقاً على موقفه، يقول أمنون أبراموفيتش، إعلامي مخضرم على "القناة الثانية عشرة" الرائدة: "السمسار أعلن أنه يتخلى عن عمولته قبل البيع"!

ريفلين ليس صديق نتنياهو وقد يكلّف غانتز فعلاً بتشكيل الحكومة، بدعمٍ من ليبرمان. سيحصل زعيم حزب "أزرق أبيض" حينها على 28 يوماً لتشكيل حكومة ائتلافية، ثم يمكن تمديد المهلة بأسبوعين إضافيين عند الحاجة. قد يفكر عضو بارز أو اثنان في الكنيست بمغادرة "الليكود" والانضمام إلى حكومة الوحدة الوطنية بصفة مستقلة. إنها مجرد توقعات لكنها محتملة لأن عدداً من كبار أعضاء "الليكود" مستاء من نتنياهو وينتظر الفرصة المناسبة للتحرك. في العام 2017، كتب يوعاز هندل، الذي أصبح اليوم عضواً بارزاً في حزب "أزرق أبيض"، في "يديعوت أحرونوت"، أهم صحيفة يومية مدفوعة الأجر، أن شخصية بارزة في "الليكود" أخبرته بأن أربعة أعضاء بارزين آخرين لا يمانعون تغيير قيادة الحزب وينتظرون الوقت المناسب: "سنتفق على اختيار واحد منا. في ما يخص نتنياهو، لكل شيء نهاية"!

لم يجرؤ أي زعيم على ترشيح نفسه بعد. لكن في ظل غياب أي أغلبية متوافقة، يبدو أن أفضل ما يستطيع رئيس الحكومة فعله الآن لتجنب الملاحقة القضائية هو تغيير رأي ليبرمان خلال الأيام القليلة المقبلة وإعادته إلى المعسكر اليميني. لكن يشمل هذا المعسكر الأحزاب المتدينة التي خاض ليبرمان حملته ضدها. صرّح أمام المراسلين أنه سيصرّ على مشاركة الشباب المتديّن في الخدمة العسكرية، مثل الآخرين، وعلى فتح المتاجر وعمل وسائل النقل العامة في أيام السبت، علماً أن بعض البلديات يرضخ للحاخامات ويمنع أي نشاطات مماثلة. كذلك، أوضح ليبرمان لنتنياهو على وجه التحديد أنه لن يخون ناخبيه العلمانيين.

في العام 2012، اتُّهِم ليبرمان بالاحتيال وخيانة الأمانة، لكن تمّت تبرئته لاحقاً. في السنوات السابقة، يُقال إنه أقدم على تبييض ملايين الدولارات على شكل تبرعات، بعضها من رجال أعمال أجانب، عن طريق شركات وهمية. لكن سرعان ما أسقطت النيابة العامة القضية حين تبيّن أن أحد الشهود غير موثوق به. لكن على مر الصيف، ذكر ابن نتنياهو، يائير، على تويتر أن ليبرمان، حين كان يخضع للتحقيق في العام 2009 ويتفاوض على دخول حكومة نتنياهو، طالب رئيس الحكومة بتعيين نائب عام لتبرئته. بدا وكأن الإبن يوحي بأن عائلة نتنياهو تعرف أسراراً كثيرة ولا أحد يستطيع العبث معها. إنه جزء من الحقيقة على الأرجح، إذ يعرف نتنياهو وليبرمان بعضهما منذ سنوات ويدركان نقطة ضعف كل طرف منهما. لكن حتى الآن، لم تنجح هذه التلميحات كلها في ردع ليبرمان.

لذا اتخذ نتنياهو مساراً مختلفاً. في تل أبيب، صدم الناشطين في "الليكود" حين حاول ظاهرياً أن يستفز ليبرمان لإرجاعه إلى معسكره عبر كلام شبه عنصري، فدعا جميع الأحزاب "الصهيونية" إلى الانضمام إلى حكومة "ملتزمة بإسرائيل كوطن للشعب اليهودي"، وإلى معاداة "الأحزاب العربية التي تناهض الصهيونية وتُمجّد الإرهابيين المتعطشين للدم الذين يقتلون جنودنا ومواطنينا وأولادنا". كان هذا الكلام جزءاً من منشور نتنياهو الانتخابي على فيسبوك، فحذر من احتمال نشوء حكومة يسارية تشمل "العرب الذين يريدون تدميرنا جميعاً، نساءً ورجالاً وأولاداً، وتسمح لإيران النووية بقتلنا". لكن عاد المنشور وحُذِف لاحقاً.

لم يكن هذا الخطاب كافياً لإخافة ليبرمان خلال الحملة الانتخابية، ولن يخيفه الآن على الأرجح، مع أنه يوافق على عدم دخول الأحزاب العربية إلى كتلة غانتز. في مطلق الأحوال، لن تمنع حملة التخويف التي أطلقها نتنياهو ليبرمان من التعاون مع حزب "أزرق أبيض" الذي يقوده ثلاثة رؤساء أركان سابقين. مع ذلك، يعبّر رئيس تحرير "هآرتس"، ألوف بن، عن قلقه لأن نتنياهو، طالما يبقى في السلطة، قد يحاول افتعال حالة طوارئ عسكرية فورية، عبر الاعتداء على غزة مثلاً، لاستباق تحركات ليبرمان.

لكن رغم عناد ليبرمان، يفرض الوضع القائم استنتاجاً ثالثاً: يبقى تولّي غانتز رئاسة الحكومة مستبعداً أكثر من تنحي نتنياهو. شملت كتلة غانتز "القائمة العربية المشتركة" التي زادت عدد مقاعدها في الكنيست من 10 إلى 12، فأصبحت بذلك ثالث أكبر حزب. وإذا شارك حزبا "أزرق أبيض" و"الليكود" في تشكيل حكومة وحدة وطنية، سيصبح رئيس "القائمة المشتركة"، أيمن عودة، أول مواطن عربي يقود المعارضة. الأهم من ذلك هو أن غانتز لا يستطيع أن يضمن تكليفه بتشكيل الحكومة من دون دعم عودة. لكنه لن يتمكن من إنشاء أي حكومة مع أعضاء حزب عودة أو استناداً إلى دعم برلماني من "القائمة المشتركة"، طالما يتابع ليبرمان التحكم بقواعد اللعبة.

عشية الانتخابات، أعلن عودة أنه يتواصل مع غانتز بوتيرة متقطعة منذ أيار، وأوحى بأنه قد يدعم تكليفه بتشكيل الحكومة، لكن مع بعض التنازلات، منها إلغاء قانون الدولة القومية العنصري. لكن يصرّ ليبرمان والقوميون العلمانيون العدائيون في حزبه على التهديد بإعاقة أي حكومة تتكل على حزب عودة للفوز بتصويت الثقة في الكنيست.

إذا كلّف ريفلين غانتز بتشكيل الحكومة فعلاً وصمد ذلك التكليف في وجه مناورات نتنياهو القانونية، قد يضطر غانتز للتفاوض في نهاية المطاف مع "الليكود" من دون نتنياهو، ولن يكون نفوذه كبيراً للمطالبة بمنصب رئيس الحكومة مباشرةً. على صعيد آخر، يستحيل أن يكسب حزب "أزرق أبيض" أي أغلبية من دون ليبرمان. ليس مستبعداً أن يرشّح ليبرمان نفسه لهذا المنصب لأنه يطمح إليه طبعاً ويدرك الفخ الذي خلقه لحزبَي "أزرق أبيض" و"الليكود". لكسب النفوذ اللازم لمواجهة ليبرمان، سيضطر غانتز للتهديد بإشراك الأحزاب المتطرفة في حكومته، علماً أن هذه الأحزاب فازت مجتمعةً بـ17 مقعداً تقريباً. هذا الاحتمال وارد نظراً إلى خوف الأحزاب المتدينة من خسارة مكانتها في الحكومة. لكن ستكون هذه الخطوة أشبه بخيانة للناخبين العلمانيين الداعمين لحزب "أزرق أبيض"، ودعوة إلى المتطرفين لتجديد مطالبهم التي تُهمّش أعضاء آخرين في كتلة غانتز.

قال لي رئيس الحكومة السابق، إيهود أولمرت، عشية يوم الثلثاء: "من الناحية التقنية، لم نتخلص من نتنياهو بعد، مع أنه انتهى وأصبح جزءاً من الماضي. غانتز هو الشخص الوحيد الذي يستطيع قيادة حكومة وحدة وطنية. لا يمكن أن يبقى رئيس الحكومة في منصبه إذا كان يواجه الاتهامات". مع ذلك، لن يرأس غانتز الحكومة قبل فترة من الزمن. يشكك أولمرت بالادعاء القائل إن الخصوم في "الليكود" سيواجهون نتنياهو في هذه المرحلة ويطلبون منه التنحي. لكن تكمن المفارقة برأيه في زيادة احتمال أن يتولى غانتز تشكيل الحكومة إذا رفض عودة تكليفه بكل بساطة وحصل نتنياهو على فرصة تشكيلها. إذا حاول نتنياهو إنشاء الحكومة وفشل مجدداً في مهمته بعد 28 يوماً، "لن يُمدد له الرئيس المهلة، وسيدرك قادة "الليكود" أخيراً أنهم يعجزون عن تشكيل أي حكومة معه"، بحسب قول أولمرت.

في ظروف مماثلة، من المتوقع أن تتحسن فرص غانتز لتشكيل الحكومة، وقد يصبح رئيس الوزراء بناءً على اتفاق مداورة مع أي شخص يرأس "الليكود" حينها، أو ربما مع ليبرمان. لكن نظراً إلى أحكام ليبرمان المسبقة وتبعية غانتز لأطراف أخرى وقلة شجاعة قادة "الليكود"، قد تكون حكومة الوحدة الوطنية العلمانية سابقة لأوانها، ويتوقع أولمرت حصول جولة جديدة من الانتخابات في شباط. سيرحل نتنياهو حينها، لكن لن تزول الانقسامات التي خلّفها ولا يمكن أن تخفيها أي حكومة وطنية، لا اليوم ولا في المرحلة المقبلة...


MISS 3