عماد موسى

"قلتلّك خَلص"... سيناريو لفيلم بلا سيناريو

7 تموز 2021

02 : 00

إيلي خليفة

تُشعِرك العودة إلى ارتياد السينما بشيء من السعادة الطفولية، أنت والعتمة وزملاء اشتقت إلى لقائهم في زمن صار البعدُ قاعدة واللقاء استثناء.

هناك في عتمة صالة "Montaigne" الواقعة ضمن المركز الثقافي، عرض خاص للصحافيين لفيلم "قلتلك خلص" ( الجمعة 2 تموز) تلاه عرض آخر في متحف سرسق في إطار مهرجان "ترداد"، ويلي العرضين نزول الفيلم إلى الصالات.

"قلتلك خلص" لإيلي خليفة تأليفاً وإخراجاً وإنتاجاً وبطولة (بمشاركة من إي آر تي) ومعه في التمثيل روان حلاوي بدور الحبيبة الهاربة من سلوكه الغريب والياس الزايك (الثري الراغب بخوض تجربة الإنتاج) وطلال الجردي (مدير مدرسة) وزياد صعيبي (أحد أصدقائه) وستيفاني عطالله (مغنية "قلتلك خلص") وجورج كعدي (منتج فيلمه الموعود) فادي أبي سمرا (تاجر جِمال) طارق تميم (جابي الكهرباء) مروى خليل وآخرون. من الصعوبة بمكان تحديد هوية الفيلم أو نوعه. هو خليط من الكوميديا السوداء، وسينما المؤلف، والسينما التجريبية والبوليسية والاختبارية ومن التراكيب الملتبسة الجامعة بين السرد، التي ترضي بعض الأمزجة وبعض النقّاد. عمل خليفة على فيلمه سنة ونصف السنة بمعدل يوم تصوير في الشهر. وباقي أيام الشهر تحضيرية. مش مستعجل إيلي على شي. المهم إنجاز فيلم يشبهه.


جورج كعدي


يبدأ "قلتلك خلص" وإيلي خليفة في غابة زيتون. كأنه يفتش عن فارٍ أو عن شبح. يلتقي صديقه زياد ويكشف له أنه يبحث عن أرنب. ونفهم أن إيلي بصدد كتابة سيناريو وغارق فيه وعاجز عن بنائه بشكل منطقي. يبتكر شخصيات. يبني لها مسارات. يتخيل مشاهد. يمزج بين الواقع والمتخيل. على وجهه دائماً علامات القلق. يضيّع حبيبته. أو بالأحرى تهرب منه بعد أن تتركه مع تخيلاته في مكان ناء وتأخذ سيارته. تركنها في منزله وتختفي. يفتش عنها ويقصد إحدى صديقاتها فتلتقيه على الطريق ولا تفيده بمعلومة عن الحبيبة الهاربة من ملله.


كلود


يتخبط المخرج ـ كاتب السيناريو في يومياته. يتجنّبه أصدقاؤه. يتوه في الأماكن. السيناريو سلسلة مراوحات وإحباطات وشخصيات تدخل وشخصيات تخرج. دوّامة. يقترح عليه منتجه (جورج كعدي)، وهو تحت يدي الحلّاق مخارج عدة للسيناريو ولا يبدو أنها ستنقذ السيناريو. في "قلتلك خلص" توليفة غريبة، كأننا أمام فيلم بلا سيناريو، موضوعه سيناريو لفيلم لن يبصر الضوء!

في فيلمه إيغال في التفاصيل الصغيرة. مثلاً عندما يطرق بابه جابي الكهرباء ويبدأ إيلي البحث عن مبالغ بسيطة وضعها هنا وهناك لتسديد المتوجب عليه، أو عندما يركز على طريقة التهامه حبة برتقال أو في تركيزه على حركة مسّاحتي سيارته وكيف يدلق المياه على الزجاج من فتحة أمامية في السيارة. دائماً هناك عبوة مياه لتنظيف الزجاج.


إيزابيل


نفهم من السيرة المروية بجزء منها، من خلال صوت بلا صورة (ماريلين نعمان)، أن للمخرج فيلماً أنجزه قبل 20 عاماً، ونشاهد عرضاً للفيلم في أحد صفوف مدرسة نائية. يشاهد الفيلم طلاب صغار بوجود المدير السعيد المهتم بالعلاقات العامة والأنشطة الثقافية ويطرحون أسئلة على المخرج. أسئلة تدل على عدم انجذابهم إلى ما شاهدوه. إحباط آخر. الكاتب المخرج قليل التعبير. تائه بين شخصياته وتنقله بين ملل الريف وإيقاعات المدينة. بدأ فيلمه بأرنب وانتهى بجمل عورَض وسط طريق ضيقة ما اضطره للتوقف والنزول. ونجد الكاتب ـ المخرج وجهاً لوجه أمام الحيوان الضخم يروي له معاناته والجمل يرد بَخْبَخَةً ورغاءً. واحد من أجمل مشاهد الفيلم وأغربها، يليه العثور على الحبيبة الهاربة قاعدة على طاولة بار، وفي خلال الحديث بين الحبيبين المضطربين يبلّغ كاتب السيناريو غير المنجز عن شخص يودّ محادثته خارج البار. إنه صاحب أنثى الجمل (فادي أبو سمرا) وعرف أن إيلي شوهد يتحدث إليها! يطلعان في البيك آب... وينتهي الفيلم.

شارك فيلم خليفة في غير مهرجان وتفاوتت الآراء بشأنه بين مهرجان وآخر، ومن البديهي أن تتفاوت كذلك آراء المشاهدين بين مرحّب ومندهش، مع بدء العروض التجارية غداً في 8 تموز. لن يضحك الباحث عن الكوميديا ملء شدقيه بل سيجد نفسه مضطراً للتماهي مع الكاتب الساخر الضائع بين يومياته ومشاهد متخيّلة ومشتّتة.


MISS 3