السفير د. هشام حمدان

شعارات الفدرالية أو المؤتمر التأسيسي تُعيق استعادة السيادة للبنان: حذارِ

8 تموز 2021

02 : 00

من حقّ كلّ مواطن ومفكّر أن يقدّم أفكاره ورؤيته للخروج من الحالة الراهنة والمأزق المرير الذي يعيشه لبنان.

أنا أحترم كلّ رأي بما في ذلك آراء المفكّرين القريبين من حزب إيران الذين يطالبون بعقد مؤتمر حوار وطني تحت عنوان المؤتمر التأسيسي. لكنّني أحذّر من مثل هذه الأفكار، ولا سيما في هذه الظروف القائمة، ونتيجة الواقع الإنقسامي الحاد السائد في البلاد.

وقد صدر مؤخراً كتاب للصديق وعضو "ملتقى من أجل العدالة للبنان وشعبه" الدكتور عماد شمعون، بعنوان "الدستور الفدرالي للبنان". وسوف يتم توقيعه في حفل يقام قريباً في أحد فنادق العاصمة. وأنا لست أسعى لبحث مضمونه فأنا لم أطّلع عليه بعد.

لكنّني أسارع إلى إبداء رأيي وخاصة لجهة التوقيت والعنوان وذلك إستجابة لرغبة الصديق د. شمعون نفسه الذي دعاني لحضور الحفل، علماً أنّه تجمعني بالصديق عماد، حركة نضالية عميقة، تبلورت في كتاب حقوقي، يتناول مبادئ العدالة للبنان وشعبه، وهو الآن قيد التوزيع.

كل عنوان آخر غير عنوان التطبيق الكامل لاتّفاق الطائف، يفتح الشهيّة وكذلك الباب لكلّ من لديه اي مشروع آخر غير اتفاق الطائف الذي يؤكد على لبنان الواحد، والموحّد؛ بكيانه وحدوده وشعبه ومؤسساته العامة.

كان السيد وليد جنبلاط من أوائل الذين تحدثوا عن سقوط الجمهورية الثانية، ودعا إلى إقامة الجمهورية الثالثة.

فعارضناه لافتين إلى أنّ الجمهورية الثانيّة لم تبدأ بعد لكي نقول إنّها سقطت. فقد قال النائب ألبير منصور أحد المشاركين في إعداد إتفاق الطائف، أنه تمّ وقف العمل به منذ عام 1992. فالوصاية السورية التي تحوّلت إلى إحتلال سوري للبنان، منعت إستكماله كي لا يمكن المطالبة بسحب قواتها من لبنان ولو إلى البقاع في خطوة أولى.

ومن جهة ثانية فإنّ المطالبة الآن بعناوين جديدة للكيان اللبناني، ومهما تكن النيّة طيبة، تخالف مضمون القرار 1701، ألذي تبناه مجلس الأمن عام 2006، والذي طالبنا سويّة مع الدكتور شمعون، في ملتقانا للعدالة، بتطبيقه كاملاً، وطالب بتطبيقه الكامل أيضاً كلّ السياديّين، وحمله غبطة البطريرك إلى الفاتيكان لمطالبة العالم بتنفيذه.

فهذا القرار يطالب بالتطبيق الكامل لاتّفاق الطّائف ولا سيما ما يتصل باستعادة الدولة كامل سلطتها على كامل الأراضي اللبنانية.

لقد سبق أن كانت لي عدّة مناقشات مع كاتب الكتاب. وقد قرأت كتابه السابق عن الفدرالية. فمن الواضح أن الهدف المنشود للفدرالية وفقاً للدكتور شمعون هو تعزيز اللّامركزية في لبنان. نحن نؤكد دائماً على وجوب تعزيز اللّامركزية علماً أن هذا العنوان هو جزء أساسي من إتّفاق الطّائف. لكنّنا نلفت إلى أنّ المقصود في هذا الأمر هو اللّامركزية الإداريّة فقط.

أيّ تفكير خارج اللّامركزيّة الإداريّة يحوّل لبنان إلى نظام شبيه بالنظام الكونفدرالي، ويكرّس الواقع الكانتوني الطائفي القائم حاليّاً. هو مناقض روحاً وفعلاً لكل مطالب الثورة. كما أنّني لا أعتقد أنّ السياديين في لبنان سيقبلون بنظام فدرالي طائفي أو مذهبي في البلاد.

لقد أكّد لي مراراً الدكتور شمعون أنّ الهدف من مشروعــه هو اللحـــاق بالنّظـــام الفدرالي الحضاري في الدول الحضاريّة مثل الولايات المتّحدة وكندا والبرازيل والمكسيك وغيرها من الدول الكبيرة التي تعتمد نظاماً فدراليّاً موسّعاً.

ولكنني طالبته أن ينظر ايضاً في واقع دول حضارية مشابهة كالأرجنتين التي هي دولة أكبر في المساحة من المكسيك إذ تصل مساحتها إلى ثلاثة ملايين كلم مربع، ولم تعتمد النظام الفدرالي عنواناً لها وإن كانت تعتمد مضمونه وفقاً لما يقوم في البرازيل مثلاً. فالأرجنتين تتألف من أقاليم، Provinces، وبمعنى شبيه للمحافظات في بلدنا الصغير. وكلّ هذه الأقاليم تتمتع بالصلاحيّات الشاملة القائمة فعلاً في أيّة ولاية في دولة فدرالية حضاريّة كالولايات المتّحدة وكندا.

ولبنان الذي تشكّل مساحته نصف مساحة أصغر إقليم في الأرجنتين (توكومان)، يمكنه أن يعتمد تلك النظم الحضارية المعتمدة في الدول الفدرالية الكبرى وفقاً لما يناسبه.

فلا التقليد ضروري ولا هو ممكن اصلاً. يمكن مثلاً أن تتمّ إعادة النظر في تسمية المحافظ ليأتي بالإنتخاب وليس بالتعيين، ويعاد رسم نظام عمله ليخضع لآليّة ديموقراطية يمكن محاسبته أمام مجلس للمحافظة وكذلك أمام الرأي العام.

لقد قلت مراراً إنّه لا يجوز وضع العربة أمام الحصان. فقد نملأ العربة بأفضل البضائع لكن إذا لم يتوافر الحصان، أو إذا كان الحصان أسيراً في أسطبل لا نملك مفتاحه، أو إذا كان عليلاً لا يستطيع جرّ العربة، فكيف ستسير بهذه العربة؟ كل جهد يأخذ جهودنا لاستعادة الحصان الناشط والقوي والحر والخاضع لنا، هو مضيعة للوقت. شعارات الفدرالية أو المؤتمر الـتأسيسي أو الجمهورية الثالثة، حجر عثرة في جهود السياديين لاستعادة السيادة للبنان: حذار...

MISS 3