جاد حداد

رابط بين فقدان الأسنان ومخاطر التراجع المعرفي والخرف

14 تموز 2021

02 : 00

في تحليل تجميعي جديد، رصد الباحثون رابطاً بين فقدان الأسنان وخطر الإصابة بالتراجع المعرفي والخرف. في التفصيل، اكتشف العلماء أن مخاطر الخرف أو التراجع المعرفي ترتفع تزامناً مع زيادة عدد الأسنان المفقودة. نُشرت نتائج البحث في "جامدا: مجلة طب الرعاية طويلة الأمد ما بعد المرحلة الحادة"، وهي تفتح المجال أمام الباحثين كي يتأكدوا من الرابط بين فقدان الأسنان والتراجع المعرفي والخرف والعوامل المؤثرة على هذه الروابط.

وفق "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها"، يصاب ملايين الناس بالخرف بعد عمر الخامسة والستين.

يشير الخرف إلى مجموعة متنوعة من الأمراض التي تترافق مع مشاكل معرفية تؤثر على حياة المريض اليومية.

يكون مرض الزهايمر أبرز سبب للخرف، فهو مسؤول عن 60 إلى 80% من حالات الخرف. لكن قد ينجم هذا الاضطراب أيضاً عن جلطة دماغية.

تبرز أنواع أخرى من هذا المرض، منها خرف أجسام ليوي، والخرف الجبهي الصبغي، والخرف المختلط الذي يتطور أحياناً ويتحول إلى أنواع عدة من الخرف.

ما من علاج نهائي للخرف العصبي التنكسي، مثل مرض الزهايمر، لكن ينجح الأطباء عموماً في السيطرة على الأعراض. هم يوصون أيضاً بتبني حمية غذائية أكثر توازناً وتكثيف النشاطات الجسدية لتخفيض احتمال الإصابة ببعض أنواع الخرف.

بالإضافة إلى البحث عن علاج لأكثر أنواع الخرف شيوعاً، يهتم الباحثون بتحديد أي عوامل خطر محتملة للإصابة بهذه الحالة.

رابط مع فقدان الأسنان؟

يتعلق أحد مجالات البحث بالرابط المحتمل بين فقدان الأسنان والخرف. تذكر "جمعية الزهايمر" أن المصاب بهذا المرض قد يحتاج إلى من يذكّره بضرورة تنظيف أسنانه والحفاظ على نظافتها.

لكن يفترض الباحثون وجود رابط سببي بين فقدان الأسنان والخرف والتراجع المعرفي. يلفت المشرفون على الدراسة الأخيرة إلى أن التحليلات التجميعية الراهنة التي تحلل الرابط بين فقدان الأسنان والخرف والتراجع المعرفي تعطي نتائج مختلطة. لتوضيح هذا الرابط، أجرى العلماء تحليلاً تجميعياً لدراسات طولية راقبت المرضى لفترة من الوقت بهدف التوصل إلى أدلة معاصرة.

تقول بي وو، أستاذة في الصحة العالمية في كلية "روري مايرز" للتمريض في جامعة نيويورك وواحدة من مدراء برنامج "حاضنة الشيخوخة" والمشرفة الرئيسة على الدراسة الأخيرة: "نظراً إلى ارتفاع عدد المصابين بمرض الزهايمر والخرف بدرجة قياسية سنوياً ووجود فرصة لتحسين صحة الفم في مختلف مراحل الحياة، ثمة حاجة إلى توسيع طريقة فهم الرابط بين تدهور صحة الفم والتراجع المعرفي".

أراد الباحثون أن يتأكدوا من وجود أي رابط بين فقدان الأسنان والخرف والتراجع المعرفي أو أي علاقة محتملة بين عدد الأسنان المفقودة ومخاطر الإصابة بالخرف أو التراجع المعرفي.

أكثر من 34 ألف مشارك

لتحقيق هذا الهدف، راجع الباحثون ست قواعد بيانات تشتق من دراسات طولية وتستكشف الرابط بين فقدان الأسنان والخرف أو التراجع المعرفي حتى تاريخ 1 آذار 2020.

كان يُفترض أن تُنشر نتائج الدراسات باللغة الإنكليزية في مجلات تخضع لتقييم علماء آخرين وكان يجب أن يكون المشاركون راشدين من مواقع مختلفة.

شمل التحليل التجميعي 34 ألفاً و74 مشاركاً، وكان 4689 شخصاً منهم مصاباً بنوع من الضعف المعرفي.

ارتفاع نسبة الخطر

اكتشف الباحثون أن فقدان الأسنان يرتبط بزيادة مخاطر التراجع المعرفي بمعدل 1.48 مرة والخرف بمعدل 1.28 مرة. تكررت هذه النتيجة بعد أخذ عوامل مؤثرة أخرى بالاعتبار.

كذلك، لاحظ الباحثون أن الشخص يصبح أكثر عرضة للخرف بنسبة 1.1% والتراجع المعرفي المتزايد بنسبة 1.4% مقابل كل سن مفقود.

يقول شيانغ تشي، طالب دكتوراه في كلية "روري مايرز" في جامعة نيويورك وأحد المشرفين على الدراسة: "تسمح "علاقة الجرعة والاستجابة" هذه بين عدد الأسنان المفقودة ومخاطر ضعف الوظيفة المعرفية بطرح أدلة قوية للربط بين فقدان الأسنان والخلل المعرفي، كما أنها تقدم أدلة أخرى مفادها أن فقدان الأسنان قد ينذر بالتراجع المعرفي".

رصد الباحثون رابطاً بين فقدان الأسنان والخرف والتراجع المعرفي إذاً، لكنهم اكتشفوا أيضاً أن وضع أطقم أسنان اصطناعية يُضعِف ذلك الرابط بدرجة ملحوظة. كان بحث سابق قد دعم هذه النتيجة. لكن لم تتضح بعد الآلية الكامنة وراء العلاقة التي تربط بين فقدان الأسنان والتراجع المعرفي والخرف.

برأي الباحثين، قد ينجم هذا الوضع عن التغيرات المورفولوجية التي تنشأ حين يستهلك الفرد الطعام بلا أسنان، أو ربما يتعلق بعواقب تغيّر الكميات الغذائية المستهلكة نتيجة الأكل بلا أسنان.

توضح بي وو: "لتفسير هذا الرابط، تتعلق آلية بيولوجية محتملة بالتعرض لجراثيم مَرَضية في الفم مثل المثقبة اللثوية. تنتج هذه الجراثيم عوامل خبيثة، مثل الأندوتوكسين أو الجينغبين، وهي تعزز تراكم البيتا أميلويد وتطلق استجابة عصبية التهابية في الخلايا الدبقية الصغيرة داخل الخلايا النجمية، ما يؤدي إلى تغيرات مَرَضية ومرتبطة بالخرف".

على صعيد آخر، يكشف الباحثون أن هذه النتائج قد تتأثر جزئياً بالصعوبة التي يجدها المصابون بالخرف في الحفاظ على نظافة أسنانهم. بحسب رأيهم، تبرز روابط أخرى أيضاً بين العوامل الاجتماعية والاقتصادية والخرف من جهة وفقدان الأسنان من جهة أخرى. تؤكد وو على ضرورة إجراء أبحاث إضافية لفهم الآلية السببية الكامنة وراء الرابط الذي رصده الباحثون.

في النهاية، صرحت وو لمجلة "ميديكل نيوز توداي": "لاختبار حقيقة أي علاقة سببية، ثمة حاجة إلى إجراء تجارب عيادية عشوائية، لكنها صعبة التنفيذ. في المرحلة المقبلة، يجب أن نجري دراسات طولية إضافية فيها تدابير شاملة حول الوظيفة المعرفية وتحليل عيادي لصحة الفم".


MISS 3