جاد حداد

وجبات البروبيوتيك... تُحسّن جراثيم أمعاء البدينين؟

16 تموز 2021

02 : 00

تعطي الجراثيم والعتائق والفطريات المقيمة في الأمعاء البشرية (تُعرَف جماعياً باسم البيئة الميكروبية في الأمعاء) أثراً عميقاً على الصحة الجسدية والراحة النفسية. تكشف الأبحاث أن الألياف النباتية الغذائية قد تسهم في درء مشاكل صحية مزمنة مثل أمراض القلب والأوعية الدموية والنوع الثاني من السكري والبدانة من خلال تغذية العناصر المفيدة في تلك البيئة المعوية.

غالباً ما تكون الحميات الغربية غنية بالدهون لكنها تفتقر في المقابل إلى هذه الألياف النباتية. قد تبدو فكرة استبدال الوجبات غير الصحية، مثل البسكويت ورقائق البطاطس، بالألياف منطقية، لكنّ الرابط بين الحمية الغذائية والبيئة الميكروبية والصحة الفردية معقد جداً.

يحلل علماء من مركز البيئة الميكروبية المعوية وأبحاث التغذية في كلية الطب التابعة لجامعة واشنطن في "سانت لويس"، هذا الرابط تمهيداً لتطوير منتجات من نوع البروبيوتيك.

في الأبحاث السابقة، رصد العلماء مصادر ألياف قليلة الكلفة ويسهل إيجادها، لكنها تسهم أيضاً في تقوية الميكروبات المعوية التي يفتقر إليها الراشدون البدينون بشكل عام.

نُشرت نتائج البحث الجديد في مجلة "الطبيعة"، وقد اختبر فيها الباحثون طريقة تأثير الوجبات المدعّمة بعدد من تلك الألياف على البيئة الميكروبية المعوية لدى الفئران والبشر، حتى أنهم حللوا آثارها الفيزيولوجية المحتملة.

يقول المشرف الرئيس على الدراسة، جيفري غوردون، مدير "مركز إديسون العائلي لعلوم الجينوم وعلم أحياء الأنظمة" في كلية الطب التابعة لجامعة "هارفارد": "بما أن الوجبات الخفيفة هي جزء شائع من الحميات الغربية، نحاول المشاركة في تطوير جيل جديد من التركيبات الغذائية التي تروق للناس وتقوي البيئة الميكروبية المعوية التي تؤثر على جوانب عدة من الصحة".

شاركت شركة تصنيع المأكولات "مونديليز إنترناشونال"، التي تملك علامات تجارية مثل "بيل فيتا" و"كادبيري" و"أوريو"، في تمويل هذا البحث.

فئران خالية من الجراثيم

خلال المرحلة الأولى من البحث، استعمل العلماء نماذج من فئران "الجنوبيوتيك"، ما يعني أن تنشأ القوارض في ظروف معقمة كي تفتقر إلى أي ميكروبات معوية خاصة بها.

ملأ الباحثون أمعاء تلك الفئران بميكروبات مأخوذة من أشخاص بدينين ثم أعطوها حمية غنية بالدهون وقليلة الألياف كتلك التي تستهدف الوزن الزائد والبدانة.

في المرحلة اللاحقة، أضاف الباحثون وجبات متلاحقة إلى حمية الفئران وكانت مليئة بألياف البازيلاء أو البرتقال أو الشعير. خُصصت الفترات الفاصلة بين كل نوع من هذه الوجبات للحمية قليلة الألياف وكثيرة الدهون.

سمحت هذه المقاربة للباحثين بتعقب آثار كل نوع من الألياف بناءً على مجموعة الجينات المأخوذة من البيئة الميكروبية في أمعاء الحيوانات، وقد نفذوا هذه العملية عبر تحليل الحمض النووي الميكروبي في عينات البراز.

اكتشف الباحثون أن كل وجبة أدت إلى زيادة الجينات اللازمة لتصنيع الأنزيمات الخاصة بهضم تلك الألياف المحددة. يتعلق السبب على الأرجح بقدرة الألياف على جعل الجراثيم التي تحمل الجينات المناسبة تتفوق على غيرها.

في المرحلة الثانية من البحث، أجرى العلماء تجارب مشابهة شملت 12 متطوعاً بشرياً. كان المشاركون بدينين أو من أصحاب الوزن الزائد.

لتجنب أي تغيرات قد تنجم عن اختلاف الحميات الغذائية، التزم المتطوعون بحمية خاضعة لمراقبة مشددة وكانت غنية بالدهون المشبعة وقليلة الألياف.

ثم راقب الباحثون التغيرات الجينية في بيئتهم الميكروبية قبل فترة الأسبوعين التي تناولوا فيها ألواحاً من الوجبات الخفيفة مع ألياف البازيلاء، واستمرت هذه المراقبة خلال المرحلة نفسها وبعدها.

رصد العلماء تغيرات معينة في البيئة الميكروبية داخل أمعاء المتطوعين بما يشبه تلك التي لاحظوها لدى الفئران، لكن ارتفعت هذه المرة أعداد الجينات اللازمة لهضم هذه الألياف.

أخيراً، حلل العلماء احتمال أن تُسبب الوجبات التي تحتوي على أنواع مختلفة من الألياف تغيرات بارزة في البيئة الميكروبية أكثر من تلك التي تُسببها ألياف البازيلاء وحدها.

في البداية، تناولت مجموعة من 14 متطوعاً وجبة تحتوي على نوعَين من الألياف: ألياف البازيلاء والإينولين الموجود طبيعياً في البصل، والموز، والهليون، والأرضي شوكي، وجذور الهندباء. وبعد فترة فاصلة، تناولوا وجبة فيها أربعة أنواع من الألياف: الإينولين، وألياف البازيلاء، وألياف البرتقال، ونخالة الشعير.

أثبت هذا الجزء من الدراسة أن زيادة أنواع الألياف في الحمية الغذائية يرفع كمية الجينات الجرثومية التي تؤثر على أيض الألياف.

برز رابط وثيق أيضاً بين التغيرات الجينية والتقلبات في مستوى البروتينات في الدم، علماً أنها تؤثر على مجموعة واسعة من العمليات الفيزيولوجية الأساسية.

حصلت تغيرات بارزة مثلاً في مستوى البروتينات المرتبطة بأيض الغلوكوز، والمناعة، وتخثر الدم، ووظيفة الأوعية الدموية، والمعطيات البيولوجية الخاصة بالعظام والخلايا العصبية.

رقائق البطاطس والألواح والبسكويت

بشكل عام، تكشف التجارب إلى أي حد تتجاوب البيئة الميكروبية في الأمعاء مع التغيرات الحاصلة في الألياف الغذائية، بما في ذلك لدى الأشخاص المعتادين على الالتزام بحمية قليلة الألياف.

تعليقاً على الموضوع، صرّح غوردون لمجلة "ميديكل نيوز توداي": "في المبدأ، يمكن إضافة الألياف إلى مجموعة متنوعة من الوجبات الخفيفة التي يعرفها العلماء جيداً مثل رقائق البطاطس والألواح والبسكويت...".

كانت الدراسة محدودة على بعض المستويات لأن المتطوعين التزموا بحمية تخضع لرقابة مشددة وتناولوا في الوقت نفسه وجبات مدعّمة بالألياف. في العالم الحقيقي، تكون الحميات الغذائية أكثر تعقيداً بكثير.

لكن بدأ الباحثون يستكشفون منذ الآن مدى دقة نتائجهم الأولية حين يستطيع الناس أن يأكلوا ما يريدونه.

يضيف غوردون: "تتطلب دراسات المراقبة إعطاء المشاركين الذين يستهلكون مأكولاتهم العادية نماذج غذائية من الوجبات الخفيفة. قد تطرح هذه المقاربة رؤية معينة حول قوة الآثار الناشئة، ومفعول الجرعة المستعملة وتركيبات الألياف في البيئة الميكروبية المعوية، والمعطيات الفيزيولوجية في الجسم المضيف في ظروف استهلاكية أكثر واقعية".

رصدت الدراسة الجديدة مؤشرات حيوية بروتينية ترتبط بتغيرات فيزيولوجية في دم المشاركين. لكن لم تتضح حتى الآن مدى قدرة تلك التغيرات على إعطاء منافع صحية حقيقية.

وحدها التجارب العيادية تستطيع أن تثبت قدرة هذه الوجبات على تجنب النوع الثاني من السكري أو البدانة مثلاً.

في مقالة ملحقة بنتائج الدراسة، يستنتج أفنير ليشيم وإيران إيليناف من معهد "وايزمان" للعلوم ما يلي: "تطرح هذه النتائج أفكاراً مهمة من الناحية الميكانيكية حول تأثير الميكروبات على الاستجابات الغذائية البشرية. قد تُمهّد هذه الاستنتاجات على الأرجح لإجراء تجارب عيادية عشوائية وطويلة الأمد لتقييم الروابط السببية بين مقادير غذائية مختلفة وتعديل البيئة الميكروبية والتداعيات الصحية ذات الصلة لدى البشر".

MISS 3