ديفيد ليبيسكا

أردوغان لم يعد قادراً على استغلال محاولة الانقلاب لمصلحته!

17 تموز 2021

المصدر: The National Interest

02 : 01

استغل الرئيس التركي محاولة الانقلاب طوال خمس سنوات لتبرير سطوته على السلطة، لكن بدأ الأتراك يسأمون هذا الوضع...

كان الرئيس رجب طيب أردوغان يستمتع بعطلة عائلية في فيلا مُطلّة على البحر تعود إلى رجل أعمال وصديق له في مدينة مرمريس السياحية في منطقة البحر الأبيض المتوسط، حين اتصل به زوج شقيقته وأخبره بحصول محاولة انقلاب يقودها الجيش لإسقاط حكومته.

كان الرئيس التركي قد أجرى للتو مقابلة مباشرة مع قناة "سي إن إن" عبر تطبيق "فيس تايم"، حيث قال: "دعوهم يفعلون ما يريدونه... لا وجود لأي قوة أعظم من قوة الشعب". ثم ركب أردوغان طائرة متّجهة إلى اسطنبول قبل أن يقتحم عدد من الانقلابيين المسلحين تلك الفيلا، ما أسفر عن مقتل شرطيَين وإصابة العشرات من عناصر الأمن.

مرّت الخميس الماضي الذكرى الخامسة لأحدث محاولة انقلاب شهدتها تركيا. نتيجة تلك الأحداث، حصدت حكومة أردوغان موجة كبيرة من الدعم وأُعيد رسم سياسات البلد ومؤسساته ومشهده السياسي ومكانته الخارجية كجزءٍ من دولة أمنية جديدة. لطالما كانت أفضل الظروف بالنسبة إلى داعمي أردوغان الأسوأ بالنسبة إلى خصومهم.

لامت أنقرة الحركة الإسلامية بقيادة الداعية المنفي فتح الله غولن على الانقلاب الفاشل وأطلقت سلسلة من حملات التطهير، فطردت حوالى 150 ألف شخص من الوظائف العامة لأنهم من مناصري غولن المشتبه بهم واعتقلت عشرات الآلاف الآخرين. كذلك، هرب عدد هائل من المواطنين الأتراك المرتبطين بتلك الحركة من تركيا بعد إلغاء جوازات سفرهم، ووصل حوالى 30 ألف منهم إلى دول الاتحاد الأوروبي التي رحّبت بهم بشكل عام.

حرصت تركيا على ملاحقة هؤلاء الأشخاص وخصوم آخرين. وفق تقرير صادر عن منظمة حقوق الإنسان "فريدم هاوس" في العام 2021، "أحدثت محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 تموز 2016 تحولاً في أسلوب القمع العابر للحدود في تركيا". أطلقت الدولة التركية حملة عالمية لمطاردة أعضاء "منظمة فتح الله الإرهابية"، فاعتقلت أكثر من 110 مشتبه بهم في 30 دولة خارجية تقريباً وأعادتهم إلى تركيا لمقاضاتهم هناك. وفي الأسبوع الماضي، أعلن أردوغان أن حكومته ألقت القبض على زعيم الجماعــــة في آسيا الوسطى.

في غضون ذلك، طلبت الحكومة التركية من الجماعات القومية والمحافِظة اعتبار الحركة الكردية والمعارضين والناشطين والصحافيين المستقلين أهدافاً مشروعة، إلى جانب أنصار غولن، وبدأت تسليح الشتات التركي. في العام 2018، دعا رئيس هيئة الإشراف على الشتات، بقيادة الحكومة التركية، الأتراك في الخارج إلى مساعدة أنقرة في بحثها عن أنصار غولن، وأطلقت وكالة الاستخبارات التركية تطبيقاً على الهواتف الذكية يسمح لأي مواطن تركي في ألمانيا بالإبلاغ عن كل من ينتقد أردوغان أو حكومته.

بدأت الشراكة البرلمانية بين "حزب العدالة والتنمية" الحاكم و"حزب الحركة القومية" اليميني المتشدد في أواخر العام 2015، لكن زادت قوة التعاون بينهما غداة الانقلاب. على سبيل المثال، كان زعيم "حزب الحركة القومية" القديم، دولت بهجلي، من أوائل وأشرس الداعمين لخطة أردوغان التي تقضي بنقل تركيا إلى نظام رئاسي، وقد صادق استفتاء في العام 2017 على هذه الخطوة.

على صعيد آخر، اعتــبر "حزب العدالة والتنمية" نشاطاته العسكرية في سوريا وليبيا وأماكن أخرى جزءاً من حملاته القومية، ما أدى إلى زيادة جرأة الجناح العسكري المعروف باسم "الذئاب الرمادية" في "حزب الحركة القومية"، داخل تركيا وفي أنحاء أوروبا. وفق تقديرات تقرير أصدره "مركز مينا للأبحاث والدراسات" في العام 2020، ينشط 20 ألف عنصر في ألمانيا و5 آلاف آخرين على الأقل في النمسا.

في السنة الماضية، هاجم تنظيم "الذئاب الرمادية" تجمعاً خاصاً بمنظمة نسائية كردية في فيينا وتجمعاً آخر من تنظيم الأرمن الفرنسيين في منطقة "ديسين". تفيد التقارير بأن زعيم "الذئاب الرمادية" المحلي، أحمد شيتين، أعلن في أحد الفيديوات أثناء وجوده في ذلك التجمّع: "فلتعطني الحكومة التركية ألفَي يورو وتزوّدني بالأسلحة، وأنا سأقوم بما يلزم في أي مكان من فرنسا". أصدرت فرنسا قراراً بحظر جماعة "الذئاب الرمادية" في تشرين الثاني الماضي، وتفكر ألمانيا والنمسا وهولندا باتخاذ تدابير مشابهة الآن.

تبدو هذه الخطوة منطقية. خلال فترة السبعينات والثمانينات، أقدم تنظيم "الذئاب الرمادية" على قتل خصوم النظام العسكري في الشوارع التركية، وكانت أعمال العنف تلك تتسلل إلى أوروبا من وقتٍ لآخر. هذا ما حصل مثلاً في العام 1981، حين حاول عنصر من ذلك التنظيم اغتيال البابا يوحنا بولس الثاني في الفاتيكان. يقول الصحافي الفرنسي، غيوم بيرييه، إن خطاب الكراهية القومي زاد شيوعاً بين الأتراك الفرنسيين الموالين في معظمهم لحزب العدالة والتنمية والداعمين لحزب الحركة القومية.

في تصريح لصحيفة "واشنطن بوست"، حذر الصحافي المنفي، جان دوندار، المقيم في برلين من مخطط اغتيال تدعمه تركيا ويرتبط على الأرجح بتنظيم "الذئاب الرمادية". ردّت الدولة التركية على ذلك التصريح عبر مصادرة أملاكه، وكانت هذه الخطوة مرتبطة بقرار إدانته بتهمة كشف أسرار الدولة. كذلك، سعت أنقرة إلى إسكات لاعب كرة السلة المحترف أنيس كانتر المقيم في الولايات المتحدة والداعم العلني لغولن عبر ملاحقة والده في تركيا، لكن فشلت جهودها بشكل عام.

في الوقت نفسه، حاولت أنقرة أن ترسم معالم الإسلام الأوروبي. يقال إن الأئمة الأتراك في جميع دول الاتحاد الأوروبي (يعمل الآلاف منهم في مساجد تركية بتوجيهٍ من المديرية الدينية التركية "ديانت") يراقبون جماعاتهم بحثاً عن أي مناصرين محتملين لفتح الله غولن ويجمعون المعلومات عنهم ويرسلون التقارير إلى الدولة التركية.

يصف تقرير صادر عن مجلس الشيوخ الفرنسي في العام 2020 "الإخوان المسلمين" بالجماعة الإسلامية التي تطرح أكبر إشكالية في فرنسا، ويعتبر تركيا أبرز داعمة لها كونها مسؤولة عن تدريب نصف الأئمة في فرنسا، مع أنهم يمثّلون 5% من السكان فقط. تُعتبر حركة "ميلي غوروش" (الرؤية الوطنية) الممثلة الإسلامية الأساسية لتركيا في أوروبا، فقد أسّسها مرشد أردوغان، رئيس الوزراء السابق نجم الدين أربكان، وتشمل هذه الحركة حوالى 150 ألف عضو في أوروبا. في شهر آذار الماضي، صادق مجلس بلدية ستراسبورغ على مبلغ 2.5 مليون يورو (حوالى 3 ملايين دولار) لتمويل بناء مسجد "ميلي غـوروش" وكان يُفترض أن يصبح الأكبر في أوروبا. لكن سُحِب ذلك التمويل في شهر نيسان بسبب الغضب الشعبي العارم.

تعرّض "حزب العدالة والتنمية" وحركة "ميلي غوروش" لانتقادات كثيرة بسبب ارتباطهما بجماعة "الإخوان المسلمين" وحركات متطرفة وعنيفة. في الشهر الماضي، استذكرت مقالة نشرتها الصحيفة التركية الإسلامية "يني شفق"، المعروفة بقربها من الحكومة التركية، حياة أحد أعضاء "الإخوان المسلمين" وواحد من مؤسّسي تنظيم "القاعدة"، عبد الله عزام، واعتبرته "رمزاً فلسطينياً" عظيماً. يظن لورينزو فيدينو، مدير برنامج التطرف في جامعة "جورج واشنطن"، أن الشبكة الإسلامية التركية في أنحاء أوروبا تزيد النفوذ التركي وتُضعف التكامل الأوروبي.

صرّح الأتراك المنفيون في ألمانيا لقناة "زي دي إف" الإخبارية بأنهم يواجهون تهديدات مباشرة من المساجد التي تديرها تركيا. وتعيش النائبة الألمانية ذات الأصول التركية، سيفيم داجديلين، التي كانت تكتب مقالات لصالح صحف تركية، تحت حماية الشرطة الألمانية بعد استهدافها وتعرّضها لاعتداءات شخصية عدة.

في الأسبوع الماضي تعرّض الصحافي المنفي، إرك أكارير، لهجوم بالسكين في منزله في برلين علماً أنه كان قد اتّهم "حزب العدالة والتنمية" "باختلاق الأكاذيب والنفاق والاحتيال" في إحدى تغريداته في شهر نيسان الماضي. ورغم عدم التعرّف على المعتدين بعد، غرّد أكارير بعد عودته من المستشفى: "إنه إثبات على أنّ كل ما نقوله عن الحكومة الإسلامية الفاشية بقيادة حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية صحيح".

في صباح اليوم الذي تلا فشل الانقلاب، اعتبر أردوغان تلك المحاولة الفاشلة "هبة من الله"، ويبدو أنه يزداد اقتناعاً بهذا الوصف مع مرور الأيام. في الأسبوع الماضي، نشرت وسائل الإعلام التركية صوراً لقصره الصيفي الجديد الذي يتألف من 300 غرفة، وتصل كلفته إلى 74 مليون دولار، ويقع بمحاذاة شاطئ على شكل هلال، وفيه أحواض سباحة ومنزل ضخم للضيوف وعدد من الحدائق. استغل الصحافيون الموالون للحكومة مخطط الانقلاب في العام 2016 كي يعلنوا أن القصر الجديد في مرمريس كان ضرورياً لأسباب أمنية.

لكن تزامناً مع انتشار صور القصر على شبكة الإنترنت، دعت السيدة الأولى أمينة أردوغان الأتراك إلى تصغير حصص الطعام التي يستهلكونها كجزءٍ من حملة تهدف إلى تقليص المخلفات. وأدى تزامن هذين الحدثَين إلى إثارة غضب جزء كبير من الأتراك لأنهما وقعا تزامناً مع توسّع مظاهر الفقر ووصول مستوى التضخم إلى 17.5%، وهو الأعلى منذ سنتين.

في هذا السياق، يقول كمال كليجدار أوغلو، رئيس حزب المعارضة الأساسي، إن الناس جائعون لكنّ الرئيس التركي لا يهتم بما يحصل بل ينشغل ببناء قصر صيفي له.

في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، كشفت منظمة الاستطلاع المعروفة JamesinTurkey أن "حزب العدالة والتنمية" و"حزب الحركة القومية" يحصدان اليوم أدنى نسبة تأييد على الإطلاق، وقد ذكرت تقارير عدة تفاصيل عن وجود شرخ كبير في التحالف الذي يجمع الطرفَين، إذ يحاول "حزب العدالة والتنمية" إيجاد شريك جديد له في الائتلاف. بعد مرور خمس سنوات، من الواضح أن نهاية الظروف التي تسمح لأردوغان باستغلال محاولة الانقلاب الفاشلة لتعزيز سيطرته على تركيا والشتات التركي أصبحت وشيكة.


MISS 3