جاد حداد

علاجات الكبد... تستهدف النوع الثاني من السكري؟

17 تموز 2021

02 : 00

يترافق النوع الثاني من السكري مع ارتفاع مستويات السكر في الدم نتيجة مقاومة الأنسولين. يساعد هرمون الأنسولين الغلوكوز على دخول الخلايا حيث يمكن استعماله لإنتاج الطاقة أو تخزينه لاستخدامه مستقبلاً. تنشأ مشكلة مقاومة الأنسولين حين تمتنع خلايا الجسم عن التجاوب مع الأنسولين بالشكل المناسب، ما يؤدي إلى بقاء الغلوكوز في الدم. عند الإصابة بالنوع الثاني من السكري، تزيد مقاومة الأنسولين مستوى إنتاج الأنسولين في الجسم، ما قد يؤدي إلى زيادة الشهية، وارتفاع ضغط الدم، واكتساب الوزن.

رصدت أبحاث سابقة رابطاً قوياً بين النوع الثاني من السكري والوزن الزائد ومرض الكبد الدهني الذي يترافق مع تخزين فائض من الدهون في الكبد. وفق "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها"، يكون وزن 89% من مرضى السكري زائداً.

يشتبه العلماء منذ وقت طويل بأن فائض الدهون في الكبد قد يُسبب النوع الثاني من السكري، لكنهم لم يكتشفوا الآلية الكامنة وراء هذا الرابط. أجرى باحثون من جامعات "أريزونا" و"واشنطن" في "سانت لويس" و"بنسلفانيا" و"نورث وسترن" دراستين جديدتَين لاستكشاف الآليات التي تفسر الرابط بين مرض الكبد الدهني والتوازن بين الأنسولين والغلوكوز في الدم.

تبيّن أن حساسية الأنسولين يمكن استرجاعها خلال أيام بعد تخفيض فائض إنتاج الناقل العصبي "غابا" في الكبد وأن العلاج قد يؤدي على المدى الطويل إلى تراجع الشهية وفقدان الوزن.

تتنقل الناقلات العصبية بين الأعصاب للسماح للدماغ وأجزاء مختلفة من الجسم بالتواصل في ما بينها. "غابا" هو ناقل عصبي مُثبِط، ما يعني أنه يُضعِف الإشارات في الجهاز العصبي.

يقول المشرف الرئيس على الدراسة، بنجامين رينكويست: "حين ينتج الكبد الناقل العصبي "غابا"، سيتراجع نشاط تلك الأعصاب الممتدة من الكبد إلى الدماغ. نتيجةً لذلك، يُخفف الكبد الدهني نشاط الإشارات نحو الدماغ عبر إنتاج "غابا". يستشعر الجهاز العصبي المركزي ذلك التراجع، فتتغير الإشارات الصادرة التي تؤثر على توازن الغلوكوز".

نشر الباحثون نتائجهم في مجلة "تقارير الخلايا".

دراسات على الفئران

بناءً على دراسات الفئران، اكتشف الباحثون أولاً أن مرض الكبد الدهني الذي تُسببه البدانة يزيد إنتاج ناقل "غابا" في الكبد. ثم تبيّن أن زيادة إشارات "غابا" من الكبد تؤثر على توازن الغلوكوز.

بما أن الأبحاث السابقة اكتشفت أن أنزيم "غابا ترانساميناز" أساسي لإنتاج "غابا" في الكبد، اشتبه العلماء بأن استهداف "غابا ترانساميناز" لإنتاج كمية أقل من ناقلات "غابا" في الكبد قد يُخفف مقاومة الأنسولين ويعالج النوع الثاني من السكري.

لاختبار هذه الفرضية، عمد الباحثون في البداية إلى معالجة نماذج من الفئران المصابة بالنوع الثاني من السكري بالأدوية التي تكبح نشاط أنزيم "غابا ترانساميناز". تُعرَف هذه الأدوية باسم "إيثانول - أمين – سلفات" وفيغاباترين.

استعمل العلماء وسيلة ثانية لاختبار فرضيتهم أيضاً، وهي تشمل علاجاً وراثياً اسمه "قليل النوكليوتيد المضاد للحساسية". يعطي هذا العلاج مفعوله عبر ربط أجزاء صغيرة من الحمض النووي بجزيئات الحمض النووي الريبي لمنعها من تصنيع بروتينات صغيرة. في هذه الحالة، يقوم العلاج بعمله عبر تعطيل مؤشرات "غابا ترانساميناز" في الكبد.

سمح العلاجان بتخفيف نشاط "غابا ترانساميناز" وتحسين حساسية الأنسولين خلال أيام. كذلك، خسرت الفئران التي تلقّت أدوية من نوع قليل النوكليوتيد المضاد للحساسية والإيثانول - أمين – سلفات 20% من كتلتها الجسدية بعد سبعة أسابيع على بدء العلاج.

ثم حلل الباحثون عينات الكبد المأخوذة من 19 شخصاً بديناً خلال جراحات معالجة البدانة، ودرسوا التعبير الجيني في نسيج الكبد واكتشفوا أن المصابين بمشكلة مقاومة الأنسولين يسجلون مستويات مرتفعة من التعبير الجيني المرتبط بإنتاج ناقلات "غابا" ونشاطها. بعبارة أخرى، قد تتكرر النتائج المستخلصة مع نماذج الفئران لدى البشر أيضاً.

نتائج محصورة بالبدانة

لتفسير النتائج الأخيرة، يقول الباحثون إن فائض الدهون في الكبد يزيد إنتاج ناقلات "غابا" التي تكبح في المرحلة اللاحقة نشاط العصب المبهم الكبدي الوارد، وهو خط التواصل بين الكبد والدماغ.

يوضح الباحثون أن قمع هذا العصب بناقلات "غابا"، كما يحصل مع وسائل أخرى لتنظيم الشهية، يزيد استهلاك الطعام واكتساب الوزن، ما يؤدي إلى زيادة مقاومة الأنسولين في المرحلة اللاحقة. لكنّ السماح لهذا العصب بتنفيذ عمله الطبيعي يعطي أثراً معاكساً، ما يعني أنه يخفف استهلاك الطعام ويكبح اكتساب الوزن ومقاومة الأنسولين.

على صعيد آخر، اختبر الباحثون وسائل تثبيط "غابا ترانساميناز" لدى فئران نحيلة. كانت هذه الفئران تحمل أصلاً مستويات متدنية من ناقلات "غابا" في الكبد، لذا بقي تأثير الأدوية ضئيلاً أو معدوماً على مستويات الأنسولين وسكر الدم وكتلة الجسم.

يستنتج الباحثون أن استهداف مستوى إنتاج "غابا" في الكبد قد يُحسّن توازن الغلوكوز ويُخفف استهلاك الطعام وكتلة الجسم لدى البدينين حصراً.

يوضح بنجامين رينكويست: "تهدف جميع علاجات النوع الثاني من السكري راهناً إلى تخفيض مستوى غلوكوز الدم في المقام الأول. هي تعالج أحد الأعراض إذاً، مثلما تُعالَج الإنفلونزا عبر تخفيض الحمى. لكننا نحتاج إلى إنجاز آخر في هذا المجال. سيكون تحديد هدف دوائي جديد أول خطوة عملية. مرّت سنوات عدة منذ أن حققنا إنجازاً حقيقياً في مجال الأدوية. لكنّ ضخامة أزمة البدانة اليوم تجعل هذه النتائج الواعدة خطوة أولية أساسية ونتمنى أن تُمهّد في نهاية المطاف للتأثير على صحة عائلاتنا وأصدقائنا ومجتمعاتنا".

تقول لوسي تشامبرز، رئيسة قسم الأبحاث في منظمة السكري البريطانية، وهي لم تشارك في الدراسة الأخيرة: "لن تُغيّر هذه النتائج الخيارات العلاجية المتاحة على المدى القصير، لكنها تعطي العلماء أداة مختلفة لتطوير علاجات جديدة مثل مثبطات "غابا". قد تسهم هذه الأخيرة مستقبلاً في تخفيف إنتاج ناقلات "غابا" في الكبد، ما يمنح مرضى السكري طريقة جديدة للسيطرة على حالتهم. كانت هذه الدراسة الأخيرة قوية، لكنها جرت على نماذج من الفئران البدينة والمصابة بالنوع الثاني من السكري. لذا تبرز الحاجة إلى إجراء دراسات إضافية على البشر لاستكشاف الرابط بين إنتاج "غابا" وحساسية الأنسولين ومستوى استهلاك الطعام".


MISS 3