هل تجاوزنا حدود السلامة على كوكب الأرض؟

12 : 35

Businessman pushing planet Earth off a cliff

ما مصير كوكب الأرض والحضارة البشرية في نهاية المطاف؟

في آخر 10 آلاف سنة، شهد كوكبنا حالة استقرار فريدة من نوعها: إنه العصر الجليدي الدافئ الذي يتّسم بمناخات وأنظمة بيئية ثابتة عموماً ونسمّيه الهولوسين. شهد هذا العصر تطور الحضارة البشرية، من الصيد وجمع الثمار إلى التكنولوجيا الرقمية. هذا كل ما نعرفه.

لكن تشهد البشرية اليوم تغيرات متعددة، على غرار الاحتباس الحراري وانقراض الأجناس. يجازف هذا الوضع بدفعنا إلى تجاوز عتبات الأنظمة الداعمة للحياة التي حافظت على الهولوسين.

قد تكون التغيرات مفاجئة ودائمة ولا نعرف حقيقة ما سيحصل في نهاية المطاف. إذا اعتبرنا الهولوسين نقطتنا المرجعية المنشودة، أي وضع الكوكب المستقر الذي نعرفه ونتكل عليه، فيجب أن نكتشف تلك العتبات ونُحدد مساحتنا التشغيلية الآمنة. هذا ما نحاول فعله عبر البحث عن الحدود الكوكبية.

ما هي تلك الحدود إذاً؟

اكتشفنا تسعة حدود. تنشط ثلاثة منها على مقياس الكواكب: المحيطات، ونظام المناخ الجوي، وطبقة الأوزون الستراتوسفيري. لكل واحدة منها عتبات تطرح المخاطر عند تجاوزها. تبرز أيضاً أربعة أخرى نسمّيها حدود المحيط الحيوي وتسهم في ترتيب أنظمة الكواكب، وهي التنوع البيولوجي، والدورة الهيدرولوجية، والغطاء الأرضي مثل الغابات، وتدفق المواد الغذائية الأساسية للحياة، على غرار النيتروجين والفوسفور.

أخيراً، اكتشفنا فئتَين من العناصر الغريبة وغير الموجودة طبيعياً: كيانات جديدة تشمل المخلفات النووية والمواد الكيماوية التي تؤثر على الميول الجنسية؛ وتلوث الهواء بالهباء الجوي، ما يغيّر توازن الطاقة على كوكب الأرض وينعكس على أنظمة المناخ الإقليمي، كما يحصل مع الرياح الموسمية في جنوب آسيا.

كيف نعرف أننا تجاوزنا أحد الحدود الكوكبية؟

تطوّر فهمنا العلمي لأنظمة الأرض بدرجة هائلة في آخر 30 سنة، لكننا لا نعرف بعد أثر الحدود الدقيقة على هذه الأنظمة. لذا نتبنى مقاربة وقائية، فنُحدد مناطق آمنة وأخرى عالية المخاطر، وثمة نطاقات غير مؤكدة بينها ولا نعرف ما قد يحصل فيها. نحن نضع الحدود الكوكبية في أدنى مستويات النطاقات غير المؤكدة.

ما هي حدود التغير المناخي مثلاً؟في ما يخص التغير المناخي، اخترنا درجة التركيز الجوي لأهم نوع من غازات الدفيئة: ثاني أكسيد الكربون. فصنّفنا النطاق غير المؤكد بين 350 و450 جزءاً في المليون، كي يبلغ الحدّ الكوكبي 350.

يتجاوز العالم اليوم هذه العتبة بأشواط، بمعدل 410 أجزاء في المليون، وبدأنا نلاحظ آثاراً خطيرة. في المحيطات، يشهد تيار الخليج درجة من السخونة والتباطؤ، فيما يتسارع ذوبان الجليد البحري في القطب الشمالي. وفي الغلاف الجوي، نرصد أثراً بارزاً على التيار النفاث ومؤشرات إضافية على أحوال طقس متطرفة. قد تنذر هذه الآثار كلها بانهيار أنظمة أخرى، منها الدورة الهيدرولوجية والتنوع البيولوجي. سبق ودخلنا مناطق عالية المخاطر على مستوى التنوع البيولوجي والمواد الغذائية.يقول النقاد إنكم لا تميّزون جيداً بين الأنظمة العالمية والمحلية!

قبل بلوغ أي واحد من حدودنا الكوكبية، قد نواجه طبعاً مشاكل هائلة محلياً: تجفّ البحيرات، وتتلوث الأنهار، وتنهار الأنظمة البيئية وهكذا دواليك... لكن حين نتكلم عن البقاء ضمن مساحة تشغيلية آمنة، نعني بذلك المعايير الآمنة للكوكب ككل، لا لكل إنسان أو نظام بيئي فردي. مع ذلك، قد تتخذ المشاكل المحلية ظاهرياً منحىً عالمياً، لا سيما إذا انتشرت على نطاق واسع.أي نوع من المشاكل أصبح عالمياً؟تبدو المياه مشكلة محلية مثلاً، لكن تشكّل الدورة الهيدرولوجية شريان المحيط الحيوي. إذا توقف المطر، ستموت الغابات، ما يؤدي إلى إطلاق كميات هائلة من الكربون في الغلاف الجوي وتراجع التنوع البيولوجي. وإذا اختفت غابة ضخمة مثل الأمازون، ستتراجع الأمطار على بُعد آلاف الكيلومترات.

لا يزال العلم يواجه صعوبة في تقييم مدى قدرتنا على تعطيل الدورة الهيدرولوجية من دون تجاوز العتبات الخطيرة. حتى الآن، رسمنا حدوداً تفرض على البشر ألا يستنزفوا أكثر من عِشر المياه الطبيعية الجارية. إنها طريقة غير مباشرة لتعطيل النظام الهيدرولوجي ككل.ماذا عن التنوع البيولوجي؟ وما أهمية عدد الأجناس المتبقية في الكوكب؟

التنوع البيولوجي أساسي. ينظّم المحيط الحيوي الناشط دورة المياه والمناخ وينظف الهواء ويؤدي وظائف أخرى. الكوكب الميت لا يعود صالحاً للعيش. لذا لا بد من رسم حدود معينة في مرحلة ما. نحن لا نهتم بعدد الأجناس تحديداً، بل بالتنوع البيولوجي الفاعل، أي العناصر اللازمة للحفاظ على الأنظمة الداعمة للحياة على الأرض. يُطوّر العلماء مؤشراً لسلامة المحيط الحيوي في محاولةٍ لقياس هذا المعيار، لكننا نتكل حتى الآن على بيانات متعارف عليها حول انقراض الأجناس.

ما وضع كوكب الأرض إذاً وفق هذا المقياس؟

ارتفع معدل الانقراض الطبيعي إلى 10 أجناس سنوياً، لكن يبلغ المعدل الراهن أكثر من ألف في السنة. لذا اعتبرنا الحدود أعلى من المعدل الطبيعي بعشرة أضعاف. أعترف بأنه معدل أولي، لكني أظن أن تحديد هدف علمي متعارف عليه عالمياً لتقليص ظاهرة الانقراض سيساعد صانعي السياسة، على غرار عتبة الحرارة التي تَقِلّ عن درجتَين في مجال التغير المناخي.

هل من حدود محتملة أخرى؟

لا أعتقد. لم يطرح أحد معطيات مقنعة لإثبات وجود حدود عاشرة أو الدعوة إلى حذف أحد الحدود التسعة. لكن خلال مراجعتنا في السنة المقبلة، من المتوقع أن نضيف البلاستيك إلى فئة الكيانات الجديدة، ونريد تحسين جزء من الحدود الأخرى، مثل التنوع البيولوجي والمياه العذبة.

هل من حدود للناس؟ للسكان البشر مثلاً؟ في النهاية، ضغط الناس هو الذي يُسبب المشاكل!

هذا صحيح، لكن تشير الحدود إلى الأنظمة الداعمة للحياة على الأرض، أي تلك التي تبقينا في الهولوسين. النشاط البشري لا يُحدد الأنظمة بحد ذاتها. لكننا كبشر نهتم طبعاً بطريقة استعمال المساحة التشغيلية الآمنة التي نحددها، أي كيفية البقاء في نطاقها وتقاسمها بشكلٍ منصف.

أحرز المجتمع الدولي بعض التقدم في هذا المجال. صدر مثلاً اتفاق باريس للمناخ. وتعترف "أهداف التنمية المستدامة" في الأمم المتحدة صراحةً بوجود أربعة حدود يجب أن نحقق فيها الأهداف: المياه، التنوع البيولوجي، المحيطات والمناخ.

في آخر 10 سنوات، هل زاد تفاؤلك أم تلاشى؟

النزعات التي تكشف حالة الكوكب تجعلني أكثر تشاؤماً. بدأ الوقت يداهمنا! يجب أن نُحدِث التعديلات اللازمة خلال السنوات القليلة المقبلة. في ما يخص المناخ، يجب أن نُخفّض الانبعاثات إلى النصف في السنوات العشر المقبلة، وإلا سندخل منطقة المخاطر العالية.

مع ذلك، تدعو أسباب أخرى إلى التفاؤل. في آخر 10 سنوات، شهدنا توسعاً استثنائياً لحلول الطاقة المستدامة، بفضل الخلايا الشمسية الكهروضوئية وطاقة الرياح والتنقل الكهربائي، علماً أن هذه الابتكارات كلها تبدو أكثر قدرة على المنافسة اقتصادياً. كذلك، برزت تغيرات ثقافية. أعلنت شركة "هارلي ديفيدسون" للتو عن انتقالها إلى تصنيع مركبات كهربائية. تحمل هذه الخطوة بنظري رمزية كبرى.

هل نحن أمام نقطة تحول إيجابية في طريقة تعامل البشرية مع هذه التهديدات إذاً؟

أتمنى ذلك من كل قلبي. التغيير بدأ! ربما نوشك على دخول حقبة جديدة أو نشهد نهضة تكون فيها الاستدامة أساسية لنجاح الشركات. تتعلق أهم مسألة الآن باكتشاف ما إذا كان التغيير يحصل بسرعة كافية لإبقائنا ضمن المساحة التشغيلية الآمنة. لا نعرف الجواب على هذا السؤال بعد!

لا يمكن أن تزدهر البشرية إلا إذا تابع كوكب الأرض استضافتنا! لكن ما هي حدود استقراره؟ إنه السؤال الذي طرحه يوهان روكستروم في العام 2009، خلال أول تقييم علمي لحدود العيش الآمن على الأرض. سمّى روكستروم و28 زميلاً له هذا المفهوم "الحدود الكوكبية"، وحذروا من أننا نجازف بزعزعة استقرار الأنظمة الداعمة للحياة على الأرض وإغراق الكوكب في الفوضى إذا تجاوزنا أياً من هذه الحدود التسعة. من الناحية الإيجابية، يضمن البقاء ضمن هذا النطاق "مساحة تشغيلية آمنة" للبشرية. ومن الناحية السلبية، سبق وتجاوزنا أربعة من تلك الحدود. أثار هذا المفهوم انتقادات واسعة. هل يتمسك روكستروم إذاً بتلك النتائج، وما مدى تفاؤله بالوضع القائم؟ مقابلة فريد بيرس مع يوهان روكستروم...


MISS 3