جاد حداد

علماء يحوّلون موجات دماغ رجل مشلول إلى كلمات!

24 تموز 2021

02 : 00

نجح العلماء للمرة الأولى في ترجمة النشاط الدماغي لدى شخص مصاب بالشلل وعاجز عن التكلم إلى مادة نصية.

زرع علماء الأعصاب قطباً كهربائياً بحجم بطاقة ائتمان في القشرة الحسية الحركية لدى رجل عمره 36 عاماً. تسيطر هذه القشرة الدماغية على طريقة التعبير اللفظي.

استعمل علماء من جامعة كاليفورنيا - سان فرانسيسكو، نظام التعلم العميق لتدريب نماذج محوسبة على رصد وتصنيف كلمات مشتقة من أنماط محددة في نشاط دماغ المشارِك في التجربة. طلب الباحثون من هذا الرجل أن يفكر بقول كلمات معروضة أمامه على الشاشة.

بالإضافة إلى نماذج التعلم العميق، استعمل العلماء "نموذج اللغة الطبيعية": إنه برنامج يتوقع الكلمة المقبلة في عبارة معينة بناءً على الكلمات السابقة.

في مقابلة مع صحيفة "سان فرانسيسكو كرونيكل"، يقول ديفيد موزيس، مهندس في جامعة كاليفورنيا - سان فرانسيسكو والمشرف الرئيس على الدراسة: "تُعتبر هذه النتيجة خطوة أساسية باتجاه تجديد النطق لدى العاجزين عن التواصل بسبب الشلل. استُعمِلت مقاربات أخرى في السابق، لكننا أمام أول إثبات على استرجاع الناس قدرة التكلم واحتمال ترجمة ما يحاولون قوله انطلاقاً من نشاطهم الدماغي".

فقدان القدرة على الكلام


كان المشارك في التجربة في عمر السادسة والثلاثين في بداية الدراسة وقد أصيب بجلطة دماغية في جذع دماغه حين كان في العشرين من عمره، ما أدى إلى إصابته بشلل حاد وخسارة قدرته على التكلم بوضوح. تُعرَف هذه الحالة باسم "تعذر النطق".

تتعدد أسباب هذا الاضطراب، منها التصلب الجانبي الضموري: تصيب هذه الحالة العصبية النادرة الأعصاب المسؤولة عن الحركات الإرادية.

كان الرجل المشارك في التجربة يستطيع أن يُهَمْهِم ويئنّ، لكنه يعجز عن نطق الكلمات مع أن وظائفه المعرفية سليمة. كان هذا الأخير يقوم بحركات بسيطة برأسه ويستطيع السيطرة على جهاز طباعة محوسب للتواصل مع محيطه. لكن كانت سرعة طباعته عبر هذا الجهاز تساوي حوالى خمس كلمات صحيحة في الدقيقة.

بعد 48 حصة تدريبية على "تكنولوجيا قراءة الأفكار" على مر 81 أسبوعاً، تمكن الرجل من نطق حوالى 15 كلمة في الدقيقة وبلغ هامش الخطأ 26%.

نشر العلماء نتائجهم في "مجلة نيو إنغلاند الطبية". برأيهم، تكون تقنيات فك شيفرة الكلام قابلة للاستعمال عموماً إذا كان هامش الخطأ أقل من 30%.

يوضح الدكتور لي شوام الذي يرأس اللجنة الاستشارية في "جمعية الجلطات الأميركية" ولم يشارك في البحث الجديد: "تشكّل هذه الدراسة إنجازاً كبيراً في مجال واجهات الدماغ المحوسبة. كان هذا التدخّل غازياً كونه يتطلب جراحة دماغية لزرع شريط تسجيل على سطح الدماغ وبقيت دقة تحويل الأفكار إلى كلام ضئيلة، لكن يبقى النموذج الجديد ثورياً".

شوام هو نائب رئيس مستشفى "ماس جنرال بريغهام" وأستاذ في علم الأعصاب في كلية الطب التابعة لجامعة "هارفارد". برأيه، كانت الأبحاث السابقة قد استعملت واجهة مماثلة لترجمة الأفكار المتعلقة بالسيطرة على ذراع آلية، لكنّ فك شيفرة الكلمات يعكس تقدماً أكبر بكثير: "أكثر ما يثير الدهشة هو أن أحداً لم يكن يعرف شيئاً عن قدرة المنطقة الدماغية المُعدّة لزراعة جهاز الاستشعار، أي القشرة الحركية الحسية، على أداء دور مهم لفهم اللغة أو لفظ الكلمات. يتعلق هذا الابتكار بتحريك الشفاه والحلق لإنتاج أصوات الكلمات. لذا قد تقضي الخطوة المقبلة بالتأكد من قدرة هذه التقنية على مساعدة المصابين بتعذر النطق، وهو سبب أكثر شيوعاً لاضطراب اللغة بعد التعرض لجلطة دماغية".

بيانات حول النشاط الدماغي

خلال الحصص التدريبية، حاول المشارِك في الدراسة التلفظ بكلمات معينة من أصل 50 كلمة. في كل تجربة، عُرِضت أمامه واحدة من هذه الكلمات على الشاشة. حين تصبح الكلمة خضراء اللون، بعد ثانيتَين من التأخير، كان يحاول لفظ الكلمة. على مر هذه الحصص، جمع الباحثون بيانات عن نشاطه الدماغي طوال 22 ساعة، ثم أدخلوها إلى نظام التعلّم العميق.

في حصتَين أخيرتَين إضافيتَين، حاول الرجل استعمال كلمات كان قد تدرّب عليها سابقاً للفظ عبارات مثل "أنا عطشان" و"أريد نظاراتي".

في كل تجربة، عُرِض أمام المشارِك عبارة محددة وكان يحاول لفظ الكلمات بأسرع وقت عبر التفكير بقولها. سمح نظام التعلم العميق ونموذج اللغة بفك شيفرة أفكاره من دون ارتكاب أي أخطاء في أكثر من نصف التجارب المرتبطة بلفظ العبارات.

توقيت الكلمات الدقيق

شملت دراسة سابقة أجراها الفريق نفسه مجموعة من المتطوعين الأصحاء. لكن كانت أكبر التحديات التي واجهها الباحثون حين حاولوا ابتكار برنامج التعلم العميق لترجمة نشاط دماغ المصابين بالشلل تتعلق بدقة توقيت كلماتهم لأن نظام الحلول الحسابية المستعمل لا يتكل على طريقة واضحة للتمييز بين النشاط الكهربائي المرتبط بمحاولة لفظ الكلمات وخلفية النشاط الدماغي.

لكن نجح نظام الحلول الحسابية الجديد، بعد الحصص التدريبية، في رصد 98% من محاولات لفظ الكلمات الفردية.

يتعلق تحدٍ آخر بمعالجة أنماط النشاط الدماغي بسرعة كافية لترجمتها في الوقت الحقيقي. استعملت دراسة نشرها "مختبر الأنظمة المعرفية" في جامعة "بريمين"، ألمانيا، في العام 2019 تقنية التعلم العميق أيضاً لفك شيفرة النشاط الدماغي، لكن لم تحصل هذه العملية في الوقت الحقيقي.

يقول المشرف على تلك الدراسة، كريستيان هيرف (لم يشارك في البحث الأخير): "نجحت الدراسة الجديدة في فك شيفرة النشاط الدماغي في الوقت الحقيقي، لكني لا أعتبر هذا الجانب أكبر إنجازات البحث. قامت فِرَق قليلة لاحقاً بترجمة ذلك النشاط في الوقت الحقيقي، بما في ذلك "مجموعة واجهة الدماغ - الحاسوب" في جامعة "ماستريخت" في العام 2020 حيث أعمل راهناً. تتعلق أهم خطوة في الدراسة الجديدة بالتوصل إلى هذه النتائج لدى مريض لم يعد يستطيع الكلام. كانت جميع الدراسات السابقة تشمل متطوعين ما زالوا قادرين على التكلم".


MISS 3