جاد حداد

حافظ على صحتك بتحسين "الأيض" في جسمك

24 تموز 2021

02 : 00

لطالما كانت عملية الأيض لدى خبيرة الرشاقة والشؤون الصحية، دانيال بايتون، لغزاً حقيقياً في سن الرشد. حين كانت تبلغ 18 عاماً، كان وزنها 75 كيلوغراماً، وهو وزن غير منطقي بالنسبة إلى فتاة طولها 160 سنتم وكانت بطلة رمي الكرة الحديدية في المدرسة الثانوية. تقول بايتون: "كنتُ ألتزم بنظام غذائي صحي جداً وكانت عائلتي نباتية. وكنتُ فتاة رياضية، ومع ذلك لم أستطع خسارة ولو كيلوغرام واحد".

قبل أن تدخل بايتون إلى الجامعة مباشرةً، اكتشفت أنها مصابة بمتلازمة المبيض متعدد الكيسات التي تُسبب اختلالات في الهرمونات المسؤولة عن تنظيم الجهاز التناسلي والأيض. ساهم هذا التشخيص في حل جزء من اللغز لأن المرأة التي تصاب بهذه الحالة تصبح أكثر عرضة لاكتساب الوزن. لكن استمرت معاناة بايتون رغم تشخيص وضعها.

حين بلغت بايتون 24 عاماً، وصل وزنها إلى 95 كيلوغراماً وأصيبت بمرحلة ما قبل السكري، فأصبح إيجاد حل لوضعها عاجلاً. تقول بايتون: "اضطررتُ لتحديد الأغذية والتمارين الجسدية التي تناسب جسمي". كانت العادات المفيدة في حالتها تعني التخلي عن المنتجات المُصنّعة والمأكولات المقلية، وزيادة استهلاك البروتينات الحيوانية، وتخصيص فترات يومية قصيرة للمشي (30 دقيقة) وتمارين القوة (بين 5 و15 دقيقة)، وأخذ المحفزات الحيوية. تأخذ بايتون أيضاً دواءً وصفه لها الطبيب لمعالجة متلازمة المبيض متعدد الكيسات (ميتفورمين/سبيرونولاكتون) ويبدو أنه ساعدها على إبقاء وزنها تحت السيطرة. احتاجت بايتون إلى أربع سنوات كي تجد المعادلة المناسبة، لكنها نجحت في نهاية المطاف في خسارة حوالى 41 كيلوغراماً، وقد أصبح وزنها ثابتاً اليوم ويقتصر على 55 كلغ. توضح بايتون: "أصبحتُ أكثر قوة من الناحية النفسية لأنني قررتُ الدفاع عن جسمي واكتشاف ما يناسبني. لا أحد يعرف جسمك أكثر منك، لذا سيكون الإصغاء إلى الجسم عاملاً أساسياً".

يعرف معظم الناس أن الأيض السليم يضمن فقدان الوزن، لكنّ هذه الفكرة لا تعبّر عن أهمية دور الأيض داخل الجسم وعلى المستوى الصحي عموماً. الأيض هو مصدر الطاقة الذي تستعمله العمليات الجسدية لإبقائنا على قيد الحياة. نحن نحرق حتى 80% من السعرات اليومية في أوقات الراحة أثناء التنفس والهضم والدورة الدموية وعمليات أخرى. يمكن تشبيه الأيض إذاً بنظام ترانزيت مزدحم في المدن، ما يعني أنه يقدّم الخليط اللازم من المواد الكيماوية إلى الخلايا في الوقت المناسب لاستخراج الطاقة من الأغذية ومتابعة تشغيل الجسم بشكلٍ سليم. لهذا السبب، قد يتعلق أول مؤشر على اضطراب الأيض باختلال واحد من أنظمة الجسم، ويتّضح الخلل مثلاً عبر ارتفاع مستويات الأنسولين والكولسترول والشحوم الثلاثية أو رواسب الدهون في محيط الخصر. إنها مؤشرات على اضطراب الأيض، وهي تنذر بزيادة مخاطر السكري أو أمراض القلب أو الجلطات الدماغية.

لكن وفق مقالة شارك في كتابتها خبير الأمراض المرتبطة بالسن، نير بارزيلاي، يبدو أن أكبر عامل خطر لتراجع الأيض يتعلق بالشيخوخة. تؤدي الشيخوخة الطبيعية إلى تراجع مستوى الأيض وتزيد ميلنا إلى أخذ الأدوية لمعالجة مشاكل مثل ارتفاع ضغط الدم أو الاكتئاب، ما قد يؤدي إلى إبطاء الأيض. ما من حل نهائي للشيخوخة طبعاً، لكن يمكن تنظيم الأيض حين يتغير الجسم مع مرور الوقت لحثّه على إنتاج الخليط المناسب من الهرمونات. باختصار، يكفي أن تجد المعادلة التي تناسبك وتلتزم بها بشكلٍ دائم.

في ما يلي مجموعة من أفضل التعديلات البسيطة التي تسهم في تحسين الأيض.

تأمّل شروق الشمس


يقول كين سيدير، المدير التنفيذي لمنظمة "ساينس أوف لايت" غير الربحية: "يمكن تحسين الأيض طبيعياً عبر التعرض لأشعة الشمس في الصباح الباكر بكل بساطة". تكون هذه العادة مفيدة لأن إيقاع الساعة البيولوجية في الجسم ينظّم الهرمونات الأساسية لحماية الأيض والسيطرة على الجوع، بما في ذلك الأنسولين والكورتيزول واللبتين. يحافظ هذا الإيقاع على أداء مثالي حين يتزامن مع التعرّض للشمس، فيتلقى ضوءاً ساطعاً في الصباح مقابل أشعة متناقصة عند غروب الشمس. للحصول على الجرعة اليومية المناسبة، ننصحك بالتعرّض للشمس طوال 15 دقيقة على الأقل في كل صباح، من دون وضع نظارات شمسية، كي تصل الشمس إلى مستقبلات الضوء في العين. ستحصد المنافع من دون أن تتحرك وتفتح عينيك. لا داعي للتحديق بالشمس إذاً.

حافظ على نوم سليم

النوم أفضل أداة لإعادة ضبط الأيض. حضّر دماغك مسبقاً عبر تخفيف الأضواء قبل ساعات من موعد النوم: أطفئ الأضواء الساطعة فوق رأسك وشغّل المصابيح الخافتة بالقرب من سريرك. تقول طبيبة الأسرة بينديا غاندي: «إذا كان نومك متقطعاً دوماً بسبب الشخير الخفيف، يعني ذلك أنك تفوّت المنافع التي تستطيع حصدها على مستوى حرق السعرات الحرارية». في هذه الحالة، قد يقضي الحل بوضع شريط تنفّس على الأنف لفتح الجيوب الأنفية المسدودة خلال الليل. كذلك، استشر طبيبك حول حاجتك إلى الخضوع للفحص الذي يرصد انقطاع التنفس أثناء النوم لأن الشخير مؤشر شائع على هذا الاضطراب الجدّي.

جرّب الصوم المتقطع

إذا كان تغيير الحمية الغذائية بطريقة جذرية هدفاً صعب المنال، جرّب شكلاً من الصوم. استنتجت مراجعة من العام 2020 أن أنظمة الصوم المتقطع هي طريقة واعدة لخسارة الوزن وتحسين صحة الأيض. تتعدد المقاربات المقترحة، منها الصوم طوال الليل (أي الامتناع عن الأكل بين الساعة السابعة مساءً والسادسة صباحاً) أو مقاربة 5:2 (أي استهلاك حوالى 25% من السعرات الاعتيادية خلال يوميَن في الأسبوع). لكن استشر طبيبك أولاً حول النظام الذي تنوي تطبيقه. قد تكون تجربة هذا النظام مرة أو مرتين كفيلة بنشوء عادات صحية أخرى.

راقب كمية المياه المستهلكة عبر الأربطة المطاطية

جرّب هذه الطريقة البسيطة: في الصباح، ضع خمسة أربطة مطاطية حول معصمك. في كل مرة تشرب فيها 475 ملل من المياه، انزع رباطاً منها وضعه حول القنينة. اكتشف الباحثون الألمان أن مستوى الأيض ارتفع بنسبة 30% لفترة تصل إلى 40 دقيقة لدى 14 متطوعاً بعدما شربوا 475 ملل من المياه. وفق تقديرات الباحثين، يمكن حرق 2.2 كيلوغرام إضافي على مر سنة عبر زيادة استهلاك المياه بمعدل كوبَين يومياً. وبما أن معظم الزيادات في معدل الأيض تنجم عن جهود الجسم لتسخين السائل، احرص على أن تكون المياه التي تشربها باردة جداً.

لا تنسَ أهمية تغذية أمعائك


تقول خبيرة التغذية، إيمي غورين: «تسهم الجراثيم المعوية الصحية في تفعيل الأيض عبر مساعدة الجسم على استخراج المغذيات من الحمية بأفضل الطرق». يمكنك أن تستفيد من تناول حصة يومية من الأغذية الغنية بمحفزات حيوية، مثل الألبان ومشروب الكفير والملفوف المخلل وغير المبستر، مع أن الدراسات لا تزال غير جازمة حتى الآن حول منافعها الإجمالية. يعطي اللبن منفعة إضافية لأن مشتقات الحليب قد تُخفّض مخاطر الإصابة باضطرابات أيضية، وفق تحليل نشرته «المجلة البريطانية للتغذية». كانت دراسات سابقة قد اكتشفت أن بعض سلالات المحفزات الحيوية يسهم في خسارة الوزن (منها الملبنة رامنوسوس) وتخفيف دهون الجسم (الملبنة أميلوفوروس). في مطلق الأحوال، استشر طبيبك قبل أخذ مكملات المحفزات الحيوية.

تخلّص من نوبات الجوع بالبروتينات

تذكر دراسات موثقة أن الحميات الغنية بالبروتينات قد تساعد الراشدين على فقدان الوزن تزامناً مع الحفاظ على الكتلة العضلية الهزيلة التي تُعتبر من أهم العوامل لحرق السعرات طبيعياً. كذلك، تطلق البروتينات سلسلة من المؤشرات الأيضية في الجهاز الهضمي لإبلاغ الدماغ ببدء شعور الشبع. لكن قد تؤدي الحميات البروتينية المطوّلة إلى تضرر الكلى، لذا من الأفضل أن تستشير الطبيب دوماً.

لا تلجأ إلى الديتوكس

لا تعطي المقاربات المبنية على حصر السعرات المستهلكة لفترة طويلة النتائج المرجوة لأن مسار الأيض يتوقف بشكلٍ أساسي على تركيبة جسمك: كلما زادت كتلتك العضلية، ستحرق سعرات إضافية على مر اليوم. تقول خبيرة التغذية، سوزان بيركان: «حين تخسر الوزن سريعاً، يعمد جسمك إلى تفكيك كتلته العضلية. وحين تستأنف نظامك الغذائي الاعتيادي، يتباطأ الأيض بوتيرة تفوق ما كان عليه حين بدأتَ الخطة الغذائية بسبب تراجع الكتلة العضلية. نتيجةً لذلك، ستتراكم الدهون في جسمك مجدداً».

هل يُعقَل أن يسهم الخمول في تحسين الأيض؟ قد يحصل ذلك إذا كنتَ مسترخياً بالكامل! الضغط النفسي يزيد مستوى هرمون الكورتيزول وسرعان ما تختلّ عملية الأيض إذا بقي ذلك المستوى مرتفعاً. يقضي الحل بالقيام بنشاط يومي للتخــلص من الضغـط النفسي بالكامل. يمكنك أن تشاهد فيلماً مثلاً أو تأخذ حمّاماً طويلاً أو تقرأ كتاباً.

تمدّد على الكنبة واسترخِ استفد من البرد

يُعتبر الطقس البارد من أقوى المحفزات الأيضية الطبيعية لأنه يزيد مستويات الدهون البنّية التي تحرق سعرات إضافية في أوقات الراحة. قد يؤدي الخروج في الطقس البارد إلى زيادة درجة التوليد الحراري من النشاطات غير الرياضية، ما يُسهّل حرق السعرات الحرارية. تكون العملية الأيضية التي تسمح بالحفاظ على دفء الجسم طريقة سهلة لتحسين الأيض من دون القيام بأي نشاط جسدي. يمكنك أن تقوي الأيض بسرعة أيضاً عبر الاستحمام بمياه باردة أو إنهاء حمّام ساخن بسكب كمية من المياه الباردة. تُجبِرك هذه الحركة على الارتجاف، ثم يحتاج جسمك إلى الطاقة والسعرات الحرارية لإعادة تدفئة نفسه. لكن بما أن آثار هذه العملية على فقدان الوزن لا تتّضح قبل وقت طويل، قد لا يظن الكثيرون أن هذه الطريقة تستحق التجربة.