جاد حداد

التغيّر المناخي والتلوّث السام: ما هي الدول الأكثر عرضة للخطر؟

29 تموز 2021

02 : 00

أثبت الباحثون في دراسة جديدة وجود "رابط قوي" بين التلوث السام الذي يسيء مباشرةً إلى صحة البشر، والتلوث غير السام الذي يؤثر على الاحتباس الحراري والتغير المناخي. نُشرت هذه الدراسة في مجلة "بلوس ون" وحدّد فيها الباحثون الدول التي تحتاج إلى دعم من المجتمع الدولي لتقليص تداعيات نوعَي التلوث.

يقول الدكتور ريتشارد ماركانتونيو من معهد "كروك" لدراسات السلام الدولية في جامعة "نوتردام" إن الباحثين حددوا الدول التي تحتاج إلى الدعم لمعالجة تحديات الحُكم وتحسين فرص التعامل مع مخاطر التلوث".

التلوث والاحتباس الحراري

أعطى التلوث البشري سلبيات عميقة في مختلف الأنظمة البيئية حول العالم. يشتق هذا التلوث في الأصل من الانبعاثات السامة، مثل الجسيمات الدقيقة العالقة في الهواء PM2.5، والانبعاثات غير السامة مثل غازات الدفيئة.

خلال القرون القليلة الماضية، أنتج البشر كميات إضافية من غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، منها ثاني أكسيد الكربون، ما أدى إلى ارتفاع حرارة الأرض وتفاقم التغير المناخي.

أثبت الباحثون أن التغير المناخي يطرح تهديداً كبيراً على صحة البشر. هم يظنون أن جزءاً من تداعياته البيئية والصحية سيكون دائماً.

يقول البروفيسور ويل ستيفن، خبير في التغير المناخي وأستاذ فخري في الجامعة الوطنية الأسترالية في كانبيرا، أستراليا، إن العلماء يشعرون بالقلق من تجاوز النقاط المفصلية قريباً وظهور تداعيات دائمة على مستوى الاحتباس الحراري. سيؤدي هذا الوضع إلى الحد من قدرة البشر على التجاوب جماعياً مع الأزمة المناخية.

تطرح الملوثات السامة، مثل الجسيمات الدقيقة، خطراً صحياً كبيراً آخر. وفق وكالة حماية البيئة، ترتبط الجسيمات الدقيقة بمشاكل صحية خطيرة، أبرزها الأمراض التنفسية والقلبية والوعائية. تذكر الوكالة أيضاً أن تلك الجسيمات قد تسيء إلى الأنهار والبحيرات والمياه الساحلية والتربة والغابات.

أثبت الباحثون أن التلوث السام وغير السام موضوعان مترابطان لأنهما يؤثران على بعضهما البعض. لكن يدعو بعض العلماء إلى إجراء أبحاث إضافية لفهم هذا الرابط وتحديد الاستجابة التي تسمح بتقليص الآثار الصحية للملوثات السامة وغير السامة.

على صعيد آخر، يظن المشرفون على الدراسة الأخيرة أن الأبحاث التي تستكشف الرابط بين مواقع التعرض للتلوث السام والأماكن الأكثر عرضة لأضرار التغير المناخي لا تزال قليلة.

سيكون تقييم طبيعة هذا الرابط أساسياً لأنه قد يساعد المجتمع الدولي على تحديد الدول التي تستحق الدعم للتعامل مع التلوث بجميع أنواعه. شملت البيانات التي استعملها الباحثون في الدراسة الجديدة 176 بلداً وامتد البحث على العام 2018: إنه آخر عام سُجلت فيه قواعد بيانات تشمل جميع الدول.



قائمة بالدول المستهدفة


سمحت النتائج الجديدة للباحثين بتحديد الدول الأكثر عرضة للتلوث السام وأضرار التغير المناخي. تمكن العلماء أيضاً من طرح قائمة بأول عشر دول قادرة على حماية نفسها من مخاطر التلوث السام والتغير المناخي بدعمٍ من المجتمع الدولي:

تُحدد القائمة أيضاً الدول التي ستعجز عن التجاوب مع هذه المخاطر رغم حصولها على دعم دولي. برأي الباحثين، قد يتعلق السبب بعدد من العوامل، منها العجز عن تطبيق المعايير البيئية، وإقدام الشركات الخارجية على استغلال الوضع، ومشاكل جغرافية محددة.

سلّط الباحثون الضوء مثلاً على جمهورية الكونغو الديموقراطية. يتعرض هذا البلد لجسيمات دقيقة من الصحراء الكبرى ومن وسائل النقل في المدن. هو يشمل أيضاً عدداً كبيراً من شركات التعدين الوطنية والدولية التي تزيد تلوث الممرات المائية وقد تسيء إلى صحة الناس.

كذلك، ينعكس الاحتباس الحراري وزيادة الأمطار سلباً على الزراعة، ما يعني توسّع مخاطر سوء التغذية وانتشار الأمراض.

بدل دعم دول مثل جمهورية الكونغو الديموقراطية لتقليص عواقب التلوث السام والتغير المناخي، يجب أن يشارك المجتمع الدولي، برأي الباحثين، في تخفيف مشاكل اللامساواة البنيوية والفقر والفساد واستغلال المعايير البيئية المتساهلة. هذه المشاكل تُصعّب إطلاق رد مباشر على التلوث السام والتغير المناخي.

لكن اكتشف الباحثون أن دولاً مثل الصين والهند لن تكون أكثر عرضة لتداعيات التغير المناخي والتلوث السام فحسب، بل إنها مخوّلة للتعامل مع هذه المشاكل بدعمٍ من المجتمع الدولي.

صرّح الدكتور ماركانتونيو لمجلة "ميديكل نيوز توداي" بأن طبيعة التلوث السام وغير السام نتيجة غازات الدفيئة يجب أن تؤثر أيضاً على نوع الاستجابة التي يطلقها المجتمع الدولي.

يوضح ماركانتونيو: "تُقيّم قائمة الدول المستهدفة مدى جهوزية البلدان وتقارنها بالتداعيات المناخية المختلطة ومخاطر التلوث السام. تكون الدول في أسفل القائمة أقل جهوزية من غيرها بشكل عام وأكثر عرضة للسموم. يتعلق فرق أساسي بين هذه العوامل المتغيرة بوجود أسباب داخلية للتلوث السام وبمستوى الجهوزية في كل بلد. أما العوامل التي تُحدد مدى هشاشة الدول تجاه المناخ فتكون خارجية في معظمها، ما يعني أن البلدان لا تستطيع السيطرة عليها لأنها ترتبط بتغيرات النظام البيئي العالمي الذي يتأثر بانبعاثات غازات الدفيئة في جميع الدول. بعبارة أخرى، ستكون جهود تقليص التلوث السام على شكل برنامج مبني على سياسات محلية أو وطنية. أما تقليص جوانب عدة من المخاطر المناخية، فهو يتطلب شكلاً من التنسيق الدولي بما يشبه اتفاق باريس للمناخ. لكن لا يحكم أي اتفاق دولي فعال مسألة التلوث السام، مع أن هذا الملف يطرح أكبر خطر بيئي فردي على صحة البشر راهناً، علماً أن التغير المناخي قد يطغى على أي اتفاق مماثل خلال العقود المقبلة".

اللامساواة هي المشكلة!

يظن ماركانتونيو أن جوهر المشكلة يتعلق باللامساواة في الاستهلاك وإنتاج الملوثات حول العالم: "تتطلب كل حالة، على مستوى المجتمعات والمدن، خطة فريدة من نوعها لتخفيف المشاكل الراهنة والمستقبلية أو التكيف معها بأفضل الطرق. لكن كقاعدة عامة، يحتاج المجتمع البشري إلى تخفيف الاستهلاك، وهو أول سبب للانبعاثات السامة وغير السامة، وإعادة توزيع الاستهلاك، إذ تكثر الثغرات الكبرى في طريقة الاستخدام الراهنة. قد يبدو هذا الحل بديهياً برأي الكثيرين، لكنّ أحداً لا يطبّقه. حتى أننا لا نجيد تقييمه بالشكل المناسب بعد. تاريخياً، تسجّل الدول ذات المداخيل المرتفعة أعلى معدل لانبعاثات غازات الدفيئة للفرد الواحد وتُعتبر القوة الدافعة وراء استهلاك معظم السلع التي تنتجها الدول ذات المداخيل المنخفضة وتزيد إنتاج الملوثات السامة، مع أن جزءاً من التلوث السام يشتق أيضاً من عمليات أخرى مثل النقل. بالتالي، لا يمكن نَسْب المشكلة كلها إلى الاستهلاك الخارجي. لكن تكون أكثر الجهات المسؤولة عن المشكلة أقل عرضة للخطر والتلوث، ما يعكس مظاهر عدة من اللامساواة السائدة في عالمنا اليوم".

برأي ماركانتونيو، لا تنحصر التداعيات السلبية للتغير المناخي والتلوث بالدول ذات المداخيل المنخفضة. لكن نظراً إلى تفاقم اللامساواة على مستوى الاستهلاك وزيادة مظاهر التلوث، من مسؤولية أغنى الدول أن تتعامل مع هذه المسألة: "كما حصل مع حوادث كثيرة مرتبطة بالطقس المتطرف في الفترة الأخيرة، ستكون جميع الدول معرّضة لآثار التغير المناخي، سواء كانت غنية أو فقيرة، مع أن الدول الفقيرة تواجه مخاطر إضافية عموماً. يجب أن تؤدي الدول ذات المداخيل المرتفعة دوراً بارزاً لأنها مسؤولة عن انبعاثات غازات الدفيئة أكثر من غيرها وتسجل أعلى معدلات استهلاك المواد للفرد الواحد. بسبب هذه التصرفات تحديداً، تبلغ المخاطر التي نرصدها المستويات التي تصل إليها اليوم. لن يكون تحديد هذه العلاقة العكسية بين المسؤوليات والمخاطر ظاهرة مستجدة، لكن نأمل هذه المرة في أن تكشف أبحاثنا عن تداعياتها الأخلاقية وتسلّط الضوء عليها بالدرجة الكافية على الأقل".

توافقه الرأي الدكتورة ألكسندرا شنايدر (لم تشارك في البحث الأخير)، وهي رئيسة مجموعة الأبحاث حول المخاطر البيئية وعالِمة مرموقة في جامعة "هيلمهولتز زينتروم" في ميونيخ، ألمانيا. صرّحت شنايدر لصحيفة "ميديكل نيوز توداي": "تعكس النتائج الأخيرة بنظري الوضع الحالي للامساواة داخل الدول وبينها. من المستبعد أن يتحمّل أي بلد عاملاً بيئياً واحداً ويعجز عن تحمّل عوامل أخرى. لهذا السبب، تكون الدول الأكثر ضعفاً معرّضة لمخاطر التغير المناخي وتلوث الهواء أكثر من غيرها. من وجهة نظري إذاً، لم يكن هذا الاستنتاج مفاجئاً أو جديداً بالكامل، لكن من الضروري أن نسلّط الضوء عليه وننشر الوعي حوله".