جاد حداد

رابط بين المأكولات المصنّعة ومرض الأمعاء الالتهابي؟

31 تموز 2021

02 : 00

يكون مرض الأمعاء الالتهابي شائعاً في الدول الغنية أكثر من البلدان ذات متوسط الدخل المنخفض. لكن بدأت الإصابات بهذا المرض ترتفع في الدول النامية حيث تزداد شعبية المأكولات فائقة التصنيع.

طوال سنوات، اشتبه أطباء الجهاز الهضمي بأن هذه المأكولات تزيد الالتهابات وترفع احتمال الإصابة بمرض الأمعاء الالتهابي. لكن تَقِلّ الدراسات العيادية التي تُقيّم هذه الفرضية على نطاق واسع.

اليوم، تستكشف دراسة جديدة ومتعددة الجنسيات الرابط بين استهلاك المنتجات فائقة التصنيع ومخاطر مرض الأمعاء الالتهابي. جرى هذا البحث تحت إشراف نيراج نارولا، أستاذ مساعِد في الطب في جامعة "ماكماستر" في "هاملتون"، كندا، ونُشرت النتائج في "المجلة الطبية البريطانية".

ما هو مرض الأمعاء الالتهابي؟

يشير مرض الأمعاء الالتهابي إلى مجموعة أمراض تُسبب التهاباً مزمناً في الجهاز الهضمي. يدخل مرض كرون والتهاب القولون التقرحي في هذه الخانة.

تكشف الدراسات مجموعة من عوامل الخطر الوراثية للإصابة بهذه الحالة، لكن تربط أدلة متزايدة بين الأنماط الغذائية ونشوء المرض. يَصِف طبيب الجهاز الهضمي، أشكان فرهادي، هذا الاضطراب بعبــارة "مـرض الدول الغنية".

تخلّت المجتمعات، في ظل تقدّمها الاقتصادي، عن الطرق التقليدية لزراعة الأغذية وتحضيرها والحفاظ عليها ولجأت إلى منتجات معبأة بالشكل المناسب.

في مقابلة جديدة مع مجلة "ميديكل نيوز توداي"، أشـــاد فرهادي بالدراسة الأخــــيرة واعتبرها أول مرجع يضع الأغذية المصنّعة في خانة العوامل المسؤولة عن نشوء مرض الأمعاء الالتهابي.

يوضح فرهادي: "قبل هذه الدراسة، لم يثبت أي بحث ما يصيب صحة الأمعاء حين يتحسّن وضع البلد الاقتصادي. يستحق الباحثون الإشادة أيضاً لأنهم قيّموا المشروبات فائقة التصنيع، على عكس معظم الأبحاث الأخرى".

ما هي الأغذية فائقة التصنيع؟

يطرح نظام التصنيف الغذائي "نوفا" أربع فئات من الأغذية: أغذية غير مُصنّعة ومُصنّعة بالحد الأدنى، ومقادير مُصنّعة، وأغذية مُصنّعة، وأغذية فائقة التصنيع.

تشمل الأغذية فائقة التصنيع معظم المأكولات والمشروبات التي تنتجها الشركات بكميات كبيرة. وتحتوي هذه المنتجات على مضافات غذائية مثل المستحلبات، والمواد الحافظة، ومواد التحلية والنكهات المضافة، والدهون المتحولة، والملوّنات.

عبّر البروفيسور تيم سبيكتور، وهو كاتب وعالِم أوبئة في كلية "كينغز كوليدج لندن" في بريطانيا وأحد مؤسسي برنامج التغذية الشخصية "زوي"، عن آرائه حول الأغذية فائقة التصنيع في مقابلة مع مجلة "ميديكل نيوز توداي"، فأكد على أن الراشدين في الولايات المتحدة يستهلكون هذه المنتجات أكثر من المقيمين في أي دول أخرى في العالم. يفوق استهلاك هذه الأغذية هناك عتبة الستين في المئة من مجموع السعرات الحرارية.

قياس استهلاك الطعام ومخاطر مرض الأمعاء الالتهابي

قيّم نارولا وفريقه بيانات طبية خاصة بأكثر من 116 ألف شخص راشد تتراوح أعمارهم بين 35 و70 عاماً. جاء المشاركون من 21 دولة ذات مداخيل منخفضة أو متوسطة أو مرتفعة في أنحاء أميركا الشمالية، وأميركا الجنوبية، وأوروبا، وأفريقيا، والشرق الأوسط، وجنوب آسيا، وجنوب شرق آسيا، والصين.

شارك المتطوعون في استبيان حول وتيرة الأكل كل ثلاث سنوات على الأقل بين العامين 2003 و2016، وذكروا أنهم كانوا يستهلكون جميع أنواع المأكولات والمشروبات المعبأة والمُصنّعة التي تحتوي على مضافات غذائية، أو نكهات وألوان اصطناعية، أو مقادير كيماويـــــة أخرى. شخّصـت الدراسة مرض الأمعاء الالتهابي بعد إتمام الاستبيان الأولي. كان المشاركون في أميركا الشمالية وأميركا الجنوبية وأوروبا يستهلكون الأغذية فائقة التصنيع أكثر من سكان المناطق الأخرى. وكانت الإصابات بمرض الأمعاء الالتهابي في هذه المناطق أعلى بكثير أيضاً.

عملية التصنيع هي المشكلة!

كشفت الأبحاث السابقة أن بعض الأغذية يزيد مخاطر الإصابة بمرض الأمعاء الالتهابي. تُشجّع حمية "فودماب" المصابين بهذا المرض مثلاً على تجنب المنتجات الغنية بسكريات محددة.

استنتج فريق نارولا أن زيادة استهلاك المأكولات والمشروبات فائقة التصنيع ترفع احتمال الإصابة بمرض الأمعاء الالتهابي. لكن لم تستطع الدراسة أن تؤكد على وجود رابط سببي بين الأغذية فائقة التصنيع ونشوء المرض.

رغم ارتباط استهلاك تلك المأكولات بزيادة الإصابات، لم يترافق تناول الأغذية نفسها بنسختها غير المُصنّعة مع مخاطر مشابهة. لذا يستنتج الباحثون أن مخاطر مرض الأمعاء الالتهابي ترتبط بعملية تصنيع المنتجات.

دراسة محدودةذكر المشرفون على الدراسة عوامل عدة ربما أثّرت على نتائجها. في المقام الأول، اعترف هؤلاء بأن الاستبيانات الغذائية قد لا تُقيّم حجم الاستهلاك المطلق، مع أنها تكشف الفرق في مستوى استهلاك الفئات الغذائية المستهدفة.

كذلك، لا يمكن تطبيق هذه النتائج على الأولاد أو الراشدين الشباب الذين يصابون بمرض الأمعاء الالتهابي برأيهم لأن الاستنتاجات اقتصرت على المشاركين في عمر الخامسة والثلاثين على الأقل.

ربما أدى نطاق عمر المشاركين في الدراسة إلى الحد من قدرة العلماء على تحديد عوامل الخطر المُسببة لمرض كرون أيضاً. قد لا تراعي الدراسة التغيرات الغذائية التي تحصل مع مرور الوقت، لكن بقيت الأنماط الغذائية المُسجّلة مستقرة بشكل عام.

مع ذلك، قد تحمل الدراسة المبنية على المراقبة شكلاً من الانحياز نظراً إلى المتغيرات التي لم تأخذها بالاعتبار، مثل تلقي المضادات الحيوية خلال الطفولة وعوامل مجهولة أخرى.

نحو خيارات غذائية صحية

يتطلع نارولا وفريقه إلى إجراء أبحاث إضافية لتوضيح العامل الذي يجعل الأغذية فائقة التصنيع تُسبب مرض الأمعاء الالتهابي.

يقول سبيكتور: "يظن معظم الأطباء وخبراء الجهاز الهضمي أن نوعية الحمية الغذائية بالغة الأهمية للحفاظ على الصحة. يؤدي استهلاك مأكولات قليلة الجودة إلى اضطراب الميكروبات المعوية وإضعاف جهاز المناعة وإطلاق ردود أفعال التهابية مفرطة تكون مسؤولة عن أمراض شائعة كثيرة".

يتمنى سبيكتور أن تُشجّع الدراسة الأخيرة وأبحاثه الخاصة التي يجريها حول التغذية الشخصية كجزءٍ من مشروع "زوي" على تبني مقاربة استباقية وأكثر وعياً عند القيام بأي خيارات غذائية. هو يدعو الأطباء أيضاً إلى مساعدة المرضى على تقييم نوعية مأكولاتهم: "نحن نحاول أن نثقّف الناس حول محتوى الأغذية كي يغيروا طريقة تفكيرهم بالطعام، فلا يحصروه بالسعرات الحرارية أو الدهون أو البروتينات، بل يقيّموا أيضاً تأثير تلك المواد الكيماوية كلها على الجسم".


MISS 3