مروان الأمين

رأي حر

كي لا يكتب التاريخ

28 أيلول 2019

00 : 40

إن الإزدهار الإقتصادي الذي مرّ به لبنان أيام «المارونية السياسية» كان نتيجة خيارات سياسية لأهل الحكم، على تنوعهم وتناقضاتهم، وضع لبنان في علاقة ممتازة مع دول الخليج والغرب. فكانت الإستثمارات العقارية والسياحة الخليجية في لبنان، إضافة إلى الإيداعات الخليجية الضخمة في البنوك اللبنانية بعد أن هندس أهل الحكم النظام المصرفي بما يتلاءم مع توفير العوامل كي تجتذب أموال الفورة النفطية، إضافة إلى أموال البورجوازية العربية المهدّدة بالتأميم نتيجة الثورات والإنقلابات العسكرية.

بعد انهيار المارونية السياسية وبداية زمن الطائف، حكم الرئيس السوري السابق حافظ الأسد لبنان، وازن في علاقاته، بين دول الخليج والغرب من جهة (متمثل بالرئيس الشهيد رفيق الحريري) وإيران من جهة أخرى (متمثلة بحزب الله)، فانعكس ذلك على موقع لبنان من خلال المواءمة بين مشروع الدولة ومشروع الثورة، مع تسليم واحترام جميع الأطراف للحدود المرسومة بين المشروعين. في إطار هذه المعادلة، إستمر الإحتضان المالي والاقتصادي الخليجي للبنان، بحيث كانت دول الخليج تعمل باستمرار على لملمة الوضع الإقتصادي والمالي بعد كل عمل يقوم به «حزب الله» (مشروع الثورة)، (حرب 1993 وحرب 1996)، والإستمرار في تشجيع رعاياها على السياحة والإستثمار في لبنان، بالإضافة إلى دعم الليرة اللبنانية من خلال الودائع المالية الضخمة لدى مصرف لبنان.

مع موت حافظ الأسد واستلام بشار الأسد الرئاسة، بدأت مرحلة التضييق على رفيق الحريري وصولاً إلى إخراجه من الحكم وتتوج لاحقاً في اغتياله، وما يمثل ذلك من إنهاء لمرحلة التوازن بين دول الخليج والغرب من جهة وإيران من جهة أخرى. إنتصار مشروع الثورة الذي يمثله «حزب الله» على مشروع الدولة الذي كان يتجسد في رفيق الحريري. سقط لبنان بشكل كامل في يد المشروع الإيراني. حاولت دول الخليج ومعها الغرب إيجاد تسوية وتوازن ما بأشكال مختلفة مع بشار الأسد وإيران، لكن معظم هذه المحاولات رُفضت أو أُسقطت غدراً من خلال الإنقلاب عليها. دخلنا عملياً زمن «الشيعية السياسية».

بدأت دول الخليج بالإنسحاب التدريجي من لبنان، إلى أن تخلّت كلياً عن احتضانه مالياً واقتصادياً، فمنعت رعاياها من السياحة والإستثمار فيه، وما يشكله ذلك من تحريك للعجلة الإقتصادية وإدخال للعملات الصعبة إلى نظامنا المالي، كما توقفت عن دعم الليرة من خلال المزيد من الودائع المالية لدى مصرف لبنان. ذلك لم يكن خياراً خليجياً، بل رد فعل بعد أن تشكل محور شيعي - ماروني (حزب الله - التيار الوطني الحر) أصبح الحاكم بأمره في لبنان، وتعامل مع دول الخليج على أساس العداء الشرس لها، ومُهدداً لأمنها واستقرارها... فكانت بداية الإنهيار المالي والإقتصادي الذي وصلنا إليه اليوم.

هل يستطيع أحدهم أن يقول لنا أين الحكمة في رفض وزير الخارجية جبران باسيل والرئيس عون مجرد إعلان إستنكار للإعتداء على أرامكو، وما يشكل هذا الإعتداء من تهديد استراتيجي للسعودية ولشعبها، في وقت يعمل الرئيس الحريري مع وزير المال السعودي على عقد اجتماع لبناني - سعودي لتوقيع عشرات الإتفاقيات، ومحاولة إعادة إحياء الإحتضان السعودي للبنان والحصول على دعمها المالي؟ بينما دولة مثل العراق، تشبه في واقعها لبنان من حيث النفوذ الإيراني السياسي والميليشياوي (الحشد الشعبي)، وتشترك بحدود برية مع إيران تصل الى حوالى 1450 كلم، تتخذ موقفاً رسمياً رافضاً للإعتداء في كلمة رئيسها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، ويقوم رئيس حكومتها بزيارة الرياض للتضامن معها، في الوقت الذي كان الرئيس عون يعقد لقاء مع الرئيس حسن روحاني. أين الحكمة في ذلك؟ أين مصلحة لبنان، الذي يقف على حافة الإنهيار الإقتصادي والمالي، في وضع لبنان في الحضن الإيراني الذي لم يقدم أي دعم للإقتصاد اللبناني، وإظهار العداء للسعودية ودول الخليج التي تشكل الحاضن المالي والإقتصادي التاريخي للبنان؟

على من كان الداء من خلال وضع لبنان الرسمي على عداء مع العرب لمصلحة المشروع الإيراني، أن يكون الدواء من خلال مراجعة خياراته السياسية. كي لا يكتب التاريخ «في عهد الرئيس ميشال عون، أصبح لبنان على عداء مع السعودية ودول الخليج والعرب وخارج الإجماع الدولي، وذلك بما يتناسب مع مصالح المشروع الإيراني، هذا ما أوصلنا إلى الإنهيار المالي والإقتصادي الكبير.