المحامية رنا شعبان

هل تتجاوز نقابة المحامين القانون في إضرابها؟

11 آب 2021

02 : 00

ترتكز مهنة المحاماة على احترام القانون والاستحصال على قرارات عادلة والعمل المجدي بغية تحقيق هذه الغايات. إن إضراب نقابة المحامين المُقرَر بموجب بيان صادر عن مجلسها بتاريخ

27 أيار 2021، والذي أضحى أشبه بالإعتكاف، جاء مخالفاً لهذه الأهداف كافةً، إذ أنه غير قانوني وغير عادل وغير مجدٍ.

فمن جهة أولى، إن قرار نقابة المحامين بالإضراب غير قانوني، إذ عرَّف المجلس الدستوري الفرنسي الحق بالإضراب بما يأتي:

"الإضراب توقف عن العمل بالتوافق، يهدف الى الدفاع عن مصالح مهنية".

"Une cessation concertée du travail pour la défense des intérêts professionnels"

بمعنى آخر، إن القرار بالإضراب يجب أن يكون متوافقاً عليه بشكل جماعي، وبالتالي، كان يقتضي على الهيئة العامة لنقابة المحامين أن تصدر القرار بالإضراب بدلاً من أن تكتفي النقابة ببيان صادر عن مجلسها، أو على الأقل كان يقتضي الرجوع الى الهيئة العامة لإعلان الإضراب المفتوح.

اضافة الى ذلك، اعتبر مجلس النقابة أن الإضراب ملزم للمحامين كافةً، فحُوّل الحق بالإضراب الى موجب. ان هذا الأمر غير قانوني وغير مقبول، إذ أنه يشكّل تعسّفاً في استعمال الحق بالإضراب، وقد اعتبرت محكمة التمييز الفرنسية أن قيام المضربين بمنع غير المضربين عن ممارسة عملهم ودخول مقرّ العمل، تعسّف في استعمال الحق بالإضراب.

Cour de Cassation - Chambre sociale 7 mai 1987, Bull. civ. V, no 278

أليس إعلان استمرارية الإضراب إلى ما لا نهاية واحالة محامين غير مضربين إلى التحقيق الذي يسبق الاحالة إلى المجلس التأديبي تعسّفاً في استعمال الحق بفرض الإضراب؟

وهل أخذت نقابة المحامين بعين الإعتبار مدى تأثير الإضراب "المفتوح" على موجب استمرارية مرفق عام العدالة؟

ومن جهة ثانية، فإن قرار الإضراب غير عادل، إذ إن إخضاع الإستثناءات لمنع المحامين من ممارسة وكالاتهم الى ترخيص مسبق من النقيب هو أمر غير قانوني وغير عادل، لأن اشتراط ممارسة المحامي لموجباته الناتجة عن الوكالة المعطاة له بالإستحصال على إذن من النقيب، يخالف أحكام المادة ٩٤ من قانون تنظيم مهنة المحاماة التي تحصر حق النقيب بإعطاء التراخيص بقبول وكالة ضدّ محام آخر. أضف إلى ذلك أن موافقة النقيب أو رفضه لهذا "الترخيص المستحدث" لا يستند الى أي معيار موضوعي بل يبقى خاضعاً لسلطة النقيب الاستنسابية المستحدثة بشكل غير قانوني. أين العدالة في ممارسة اعتباطية من هذا النوع؟

بل أين العدالة عندما يؤدي الإضراب الى تعطيل جلسات متعلقة بتحقيقات القاضي بيطار في قضية مرفأ بيروت؟

فلماذا لم تستثن تحقيقات المرفأ منذ البداية من قرار الإضراب الذى أضحى غير مجد.

وأخيراً، فإن قرار الإضراب غير مجد، لأنه إذا كان سبب الإضراب يكمن حقيقة بالمطالبة باستقلالية القضاء فيكون الإستمرار به دون جدوى، لأنه كان يجب أن يكون موجهاً ضدّ السلطة الإشتراعية بدلاً من الضغط العقيم من قبل نقابة المحامين على القضاء.

أما إذا كان السبب الحقيقي للإضراب غير معلن وبالتالي مجهولاً من قبل المحامين أنفسهم، فيكون الاستمرار به مضرّاً بكرامة المحامين وموكليهم.

سمعت نقيب المحامين مؤخراً يصف الإضراب بـ "إنتفاضة المحامين الكبرى" فانتابني شعور بالاستغراب، ورحت أبحث عن معنى كلمة "إنتفاضة" بحسب معجم المعاني الجامع، ألا وهي "حركة أو ثورة شعبيَة، سياسية أو إجتماعية رافضة تغلب عليها القوَة والهيجان".

فالسؤال الذي يطرح نفسه هو، هل تكمن قوة المحامي "المنتفض" وهيجانه في التخلّي عن مهامه وفي الإمتناع عن إحقاق الحق وفي تعطيل تطبيق القانون ؟


MISS 3