ماذا ستفعل "طالبان" بالأسلحة الأميركية الجديدة؟

02 : 01

كان الاستيلاء على أسلحة العدو تكتيكاً نموذجياً في حرب العصابات طوال قرون. ما كان الجيش الأميركي لينتصر على الملك جورج الثالث لو لم يستحوذ على مواده الغذائية وأسلحته. لكنّ الاستيلاء على الأسلحة وأي مواد أخرى يختلف عن تلقي معدات العدو على طبق من فضة.

في سَيْل الصور التي يظهر فيها مقاتلو حركة "طالبان" وهم يتدفقون إلى شوارع كابول، لا مفر من التنبه إلى غياب أسلحة الكلاشينكوف التي كانت تنتشر في كل مكان. يظهر عدد صغير من أعضاء "طالبان" اليوم وهم يحملون ذلك السلاح الاعتيادي (AK-47) بالنسبة إلى المقاتلين المتمردين، فضلاً عن أسلحة أخرى يدوية الصنع، بدءاً من النسخ الباكستانية وصولاً إلى النسخة الروسية المستحدثة AK-19. يبدو أن معظم عناصر "طالبان" في شوارع كابول يفضلون أسلحة "كاربين إم-4" وبنادق "إم-16" ومختلف المعدات المُلحَقة بها، بدءاً من الأدوات البصرية المكلفة وصولاً إلى مناظير ومصابيح الليزر. إنه مشهد غير مألوف مقارنةً بالوضع الذي كان قائماً قبل بضعة أسابيع.

أصبح الجواب على السؤال المرتبط بمصدر هذه الأسلحة الصغيرة واضحاً: عمليات النهب بعد الحرب. لكن لا بد من الإجابة أيضاً على سؤال أكثر أهمية: ما هو مصير المعدات العسكرية الوافرة التي تركها الأميركيون وراءهم أثناء انسحابهم، أو تلك التي كانت بحوزة القوات الأفغانية التي انهارت سريعاً في ظل استمرار تقدّم "طالبان"؟

أفغانستان بلد غير ساحلي، لذا لن تكون إعادة المعدات العسكرية إلى الولايات المتحدة مهمة سهلة أو قصيرة. أُزيلت معظم المعدات أصلاً وسُلّم جزء كبير منها إلى قوات الحكومة الأفغانية، وتخلى الأميركيون عن المعدات التي عجزوا عن استرجاعها. يُعتبر تفجير كميات كبيرة من المعدات الحربية في مواقعها أقل كلفة من شحنها إلى خارج أفغانستان. ومع ذلك، ينتج هذا الخيار إرثاً ساماً قد يؤثر على السكان المحليين لفترة طويلة، كما حصل في العراق.

لكن تفاجأ البنتاغون بضيق الوقت وبالتوقعات غير المنطقية حول فرص صمود قوات الأمن الأفغانية. يقول جوشوا رينو، كاتبMilitary Waste: The Unexpected Consequences of Permanent War Readiness (الهدر العسكري: العواقب غير المتوقعة لجهوزية الحرب الدائمة)، إن إعادة نشر الأسلحة في الأماكن التي يغادرها أي جيش بعد انتهاء المعركة تزيد احتمال أن تؤجج الأسلحة الصغيرة أو أي معدات أخرى حرباً أهلية أو تنشر الفوضى.

برأي خبير لوجستي مرموق في البنتاغون، ما من سجل واضح حول كمية ونوعية المعدات العسكرية التي تركها الأميركيون وراءهم. أعلن مستشار الأمن القومي، جايك سوليفان، أن حركة "طالبان" لن تعيد هذه المعدات إلى الولايات المتحدة في المطار على الأرجح، ما يزيد تعقيدات الوضع الكارثي أصلاً. يتعلق واحد من الاستنتاجات الفورية المستخلصة من الانسحاب العسكري الأميركي غير المثالي بما تستطيع الولايات المتحدة فعله لتخفيض احتمال وقوع كوارث مستقبلية بسبب نزعة "طالبان" إلى استعمال المعدات العسكرية الأميركية والأفغانية المتروكة والمتاجرة بها.

سبق واتخذت الأوساط العسكرية والاستخبارية الأميركية هذا المسار خلال التسعينات، بعدما طرد المجاهدون المعادون للسوفيات الاتحاد السوفياتي. كانت المهمة الأساسية في تلك الفترة تقضي باسترجاع الصواريخ أرض جو "ستينغر" المحمولة والمتطورة. لتحسين فرص التصدي للمروحية الهجومية المسلحة السوفياتية "ميل مي-24"، وهي عبارة عن دبابة طائرة، زوّدت الولايات المتحدة المجاهدين بصواريخ "ستينغر" خلال الثمانينات. وبعد انتهاء الحرب بهزيمة السوفيات، أدى احتمال أن تُستعمَل تلك الصواريخ لشن اعتداءات إرهابية أو أن تستولي عليها حكومات عدائية إلى إطلاق حملة مطاردة لاسترجاع الصواريخ المحمولة. تخبّطت الأوساط الاستخبارية الأميركية لإعادة شرائها ويقال إنها دفعت 100 ألف دولار مقابل كل وحدة منها أو حصلت على الصواريخ المحمولة بأي وسيلة متاحة. يذكر ستيف كول في كتابه الشهير Ghost Wards (حروب الأشباح) أن مصير 600 صاروخ "ستينغر" من أصل 2300 قدّمتها وكالة الاستخبارات المركزية خلال الحرب السوفياتية الأفغانية بقي مجهولاً بعد استيلاء "طالبان" على كابول في العام 1996. كانت طهران تخوض المنافسة في السباق نفسه للحصول على أكبر عدد ممكن من صواريخ "ستينغر" التائهة.

لحسن الحظ، لم يتحقق السيناريو المرتبط بإقدام إرهابي على استعمال صاروخ "ستينغر" لإسقاط طائرة ركاب أميركية على أرض الواقع، ولم تطلق "طالبان" حملة متمردة ناجحة ضد الطائرات بفضل بقايا الأسلحة، ومن المعروف أن التاريخ يعيد نفسه دوماً!

قد تؤدي نوعية وكمية الأسلحة التي تجمعها "طالبان" اليوم منذ بدء تقدّمها السريع إلى عواقب سلبية وغير مقصودة بعيداً عن الحدود الأفغانية. قد تضمن مبيعات الأسلحة إلى الحكومات العدائية أو في السوق السوداء عائدات إضافية إلى "طالبان" وتزيد الشكوك والفوضى في آسيا الوسطى وما وراءها. تتمتع المنظمات المتطرفة، مثل "شبكة حقاني" المتمركزة أصلاً في كابول، بالقدرة على تهريب الأسلحة من أفغانستان إلى الشرق الأوسط والقارة الأفريقية، وحتى جنوب شرق آسيا.

تتراوح السيناريوات المحتملة بين استعمال الأسلحة الصغيرة لنشر الفوضى في المنطقة ووصول نظارات الرؤية الليلية ومعدات الاتصال العسكرية إلى جماعات مسلحة أخرى، بما في ذلك "داعش". كذلك، لا يمكن الحفاظ على معدات أكثر أهمية أصبحت اليوم بيد "طالبان"، مثل المروحيات، ويستحيل نقلها بالطائرات أيضاً بسبب غياب الطيارين وفِرَق الصيانة المدرّبة التابعة للحركة المتطرفة. لكن يمكن تسليم المعدات إلى الدول المهتمّة بالتكنولوجيا الأميركية الدقيقة، ولا تُعتبر هذه اللائحة قصيرة بأي شكل. تشمل عمليات النهب بعد الحرب مركبات "هامفي" العسكرية المصفّحة والطائرات الحربية والمروحيات الهجومية، فضلاً عن طائرات استطلاع عسكرية بلا طيار. استعمل الطيارون الأفغان معظم طائرات القوات الجوية الأفغانية للهرب إلى دول آسيا الوسطى المجاورة بعد انهيار كابول، لكن لا يزال العدد المركون في المطارات الأفغانية مجهولاً حتى الآن.

كما كان متوقعاً، بدأت المقارنات بين انهيار كابول وسقوط سايغون، ويشير معظمها إلى مغادرة المروحيات من على سطح السفارة الأميركية. لكن ترتبط مقارنة بارزة أخرى بتخبّط المفوضين السياسيين في شمال فيتنام للوصول إلى أرشيف جيش جمهورية فيتنام وشرطة جنوب فيتنام لتحديد مواقع لائحة من المسؤولين والمساعدين الاستخباريين. في حقبة "البيانات الكبرى" وقواعد البيانات المخزّنة في السحابة الإلكترونية، أدرك الجميع فجأةً أن حذف البيانات من الخوادم وسحق محركات الأقراص الصلبة ليس حلاً خارقاً. كذلك، تتعدد المخاوف من أن تُخلّف مئات الأجهزة البيومترية العسكرية المتروكة في القواعد الأميركية مسار التنقل الرقمي الذي يمكن أن تستعمله "طالبان" لتحديد مواقع مسؤولين أمنيين سابقين وداعمين للحكومة واستهدافهم. تكون "المعدات المحمولة باليد بين الوكالات للكشف عن الهويات" مُصمّمة للتمييز بين الأصدقاء والأعداء رقمياً عن طريق قراءة بيومترية، بما يختلف عن قواعد البيانات التي تشمل بصمات الأصابع ومسح قزحية العين وخاصية التعرّف على ملامح الوجه.

في غضون ذلك، ترك مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي في كابول أثراً رقمياً على هواتفهم الخليوية وعلى شبكة الإنترنت ككل، ويمكن استعمال هذا الإثبات الرقمي ضدهم الآن حين تتأكد "طالبان" من سيطرتها على السلطة ووسائل الإعلام المحلية. لكن قد يكون إضعاف قدرة "طالبان" على الوصول إلى معلومات استخبارية رقمية فعالة نهجاً خاطئاً. بالإضافة إلى الدعم الذي يمكن أن تتلقاه "طالبان" من أجهزة استخبارات خارجية، لا يمكن الاستخفاف ببراعة الجماعات المسلحة في تسخير المخططات غير المتطورة تقنياً لمجابهة الأسلحة المتقدمة تكنولوجياً. هذا ما حصل مثلاً حين استعمل المقاتلون الموالون لإيران في العراق برنامجاً جاهزاً سعره 26$ لاعتراض منشورات الفيديوات المباشرة من طائرات "بريداتور" الأميركية بلا طيار، فحصلوا بذلك على المعلومات التي يحتاجون إليها لمراقبة الطائرات الأميركية الدقيقة.

يرتفع احتمال أن يعترض المتمردون منشورات الفيديوات المرتبطة بالطائرات بلا طيار عبر الاتصالات المشفّرة اليوم. لكن تكثر الأمثلة التي تثبت فعالية التكتيكات غير المتطورة تكنولوجياً. منذ عشر سنوات، تستعمل "طالبان" طائرات تجارية بلا طيار لتصوير فيديوات دعائية وتنفيذ عمليات استطلاعية وتوجيه القنابل الجوية المفخخة. هذه المقاربة مستوحاة من تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام". بعد استيلاء "طالبان" على طائرات "بوينغ سْكان إيغل" المُصمَّمة للمهام الاستطلاعية حديثاً، قد تكتسب ترسانة المقاتلين المتوسعة قدرات جديدة. كذلك قد يتطور استعمالها التكتيكي، فتتحول تلك المعدات إلى خيارات بديلة وقاتلة.

من الناحية الدعائية، تؤدي الفيديوات التي يظهر فيها مقاتلو "طالبان" وهم يتجولون في المدن الأفغانية ويحملون غنائم الحرب الأميركية إلى زيادة الانتقادات ضد قرار إدارة بايدن بالانسحاب. لم يتضح حتى الآن النهج الذي تنوي "طالبان" تطبيقه لحُكم أفغانستان، لكن ستكون المشاهد الدعائية التي تظهر فيها أعلامها البيضاء وهي ترفرف فوق مركبات "هامفي" الأميركية مصدر إلهام للمجاهدين الآخرين والجماعات الإسلامية المتطرفة التي تريد تقليد تحركات "طالبان". في الوقت نفسه، قد تقرر دول آسيا الوسطى تقوية روابطها الأمنية الثنائية مع موسكو وبكين لمواجهة "طالبان" التي باتت تملك معدات معاصرة بعدما زاد احتمال توسّع قدراتها القتالية بفضل عمليات النهب الأخيرة.

برأي الجنرال الصيني القديم صن تزو، مؤلف كتاب Art of War (فن الحرب) الذي يظهر دوماً إلى جانب القائد البروسي كارل فون كلاوزفيتز في عروض "بوربوينت" العسكرية الغربية المعاصرة، تقضي القاعدة الذهبية بتحديد الأعداء في المقام الأول. لكن يبدو أن فترة عشرين سنة لم تكن كافية كي يعرف الأميركيون عدوهم الحقيقي!


MISS 3