مايا الخوري

مرتاحة في الإعلام ولا تريد التلوّث بالسياسة

ريبيكا أبو ناضر: المغتربون أوكسجين الوطن وليتهم يستلمون الحكم

30 آب 2021

02 : 00

تابعت الإعلامية ريبيكا أبو ناضر شكاوى الناس منذ 40 عاماً تقريباً، حاصدة ثقة مواطنين لجأوا إليها في السلم والحرب، لمعالجة مشكلاتهم التي أهملتها الدولة. وفي زمن كَثُر فيه المسؤولون وغاب حسّ المسؤولية، تنشغل عبر "الحلّ عنا" (يُعرض عبر MTV) في تأمين الدواء والغذاء وحليب الأطفال بعدما أطبقت السوق السوداء على نفس المواطنين.



كرّست مسيرتك المهنية لخدمة المواطن لماذا إلتزمت بهذا المنحى الإعلامي؟

بعد تخرّجي من كلية الإعلام إنتسبت إلى إذاعة "صوت لبنان"، حيث تناوبت المراسلات على مساعدة الأستاذ خليل صاصي في إعداد برنامجه "شكاوى الناس". فلاحظ حسيّ الإنساني وصبري، لذا قرروا إنضمامي إلى برنامجه في خلال الظروف الصعبة التي عصفت بلبنان عام 1983. داومت خلال عامين كمساعدة إعداد حتى تعرّض الأستاذ صاصي لعارض صحيّ، فطُلب منّي إعداد البرنامج وتقديمه. شعرت بداية بمسؤولية كبيرة، وعدم جهوزيتي، لكنهم وضعوني أمام الأمر الواقع، خصوصاً أن اللبنانيين بحاجة إلى الخدمات. شكّل هذا البرنامج صلة الوصل الوحيدة بين الإدارات والمسؤولين في ظل لا إستقرار البلد في زمن الحرب. إلتزمت بقضايا الناس الذين وثقوا بي، لذا يجب أن أكون على مقدار المسؤولية والإستمرار في البرنامج، خصوصاً أن إلتزامي مبني على قناعة وعلى رسالة آمنت بها في ظروف صعبة.



هل إختلفت شكاوى الناس في الماضي؟


ساد خوف في الماضي من القذائف والحرب، وقلق على حياتنا، إنما كانت هناك بحبوحة مادية. حين هدأ القصف، داوم الموظف والمسؤول في عمله، ومتى تعطّل شيء في البنى التحتية أُصلح. على عكس الوضع الحالي الذي لا يمكن القبول به أبداً، نعيش حرباً من نوع آخر، هي حرب إقتصادية باردة وصعبة على الناس.

عالجت مشكلات إجتماعية كثيرة، لكنك تعانين مثل أي مواطن من إنقطاع الكهرباء والماء، والتلوث والإستشفاء، فهل تشعرين بعجز في التغيير؟أعتبر نفسي مواطنة أوّلاً، ولا تقتصر المعاناة على منطقة دون أخرى بل نعاني جميعنا بالطريقة نفسها. شهدت السلم والحرب وتواصلت مع المسؤولين، لذا أحزن لإضاعة كل الجهود اللبنانية والدولية التي صُرفت على هذا البلد. هناك حلول كثيرة غير مكلفة لأزمة الكهرباء المرتبطة أيضاً بالنقل، إنما لا يريدون المعالجة. تكمن المشكلة كذلك بالإنهيار المالي، فلو تحكّم المواطن بأمواله لما شعر بالعجز. لكنه فقد ماله وجنى عمره وعمله، ما أدّى إلى تصاعد في نسبة الفقر والبطالة، في ظلّ غياب أي إهتمام رسمي بشؤون الشعب. يجب تقديم حلولٍ لكل هذه الأزمة، خصوصاً أن عدد المواطنين في لبنان لا يتخطى عدد سكّان شارع في العالم. لا ينقصنا شيء لإدارة مقدّرات البلد طالما توافرت المدرسة والجامعة والبحر والأرض والجبل والماء والطاقات والإبداع.



هل تبدّلت شكاوى الناس في العامين المنصرمين بعد إنهيار الليرة وتفاقم الأزمة الإقتصادية؟


تبدّلت كثيراً، إلا أن الثابت الوحيد هو مشكلة إنقطاع المياه بسبب إنقطاع الكهرباء، فهما مترابطان. للأسف، متى إنقطعت الكهرباء ذهبت المياه هدراً على الطرقات أو إلى البحر بدلاً من تخزينها، وهذا تفريط في الثروة الوطنية. من جهة أخرى، عاد موضوع التفتيش عن المواد الغذائية والدواء وحليب الأطفال إلى الواجهة بعدما إنتهينا منه سابقاً، فأنشغل حالياً بهذه القضايا التي لم تشغلني في فترة الحرب. كما أن عدم قدرة الناس على تسديد الإيجارات هو من القضايا اللافتة أيضاً في العامين الأخيرين. ثمة تهديد فعلي بأن تصبح العائلات في الشارع لأن المؤجرين لا يصبرون أكثر. عدا عن إنفجار المرفأ وما نتج عنه من أضرار مادية لم تُصلح بعد، حيث لا يزال بعضهم يسأل عن زجاج لمنزله وعن إستشفاء وطبابة ودواء. لا يمكن إقتلاع السكّان من جذورهم في تلك المنطقة المتميّزة بتراثها لذا نشكر الجمعيات والمغتربين الذين ساهموا في الترميم وفي دعم المواطنين. إلى ذلك، هناك أضرار في المركز التجاري في وسط بيروت، إلى جانب الأضرار في المرفأ، المهدد بإنقطاع الكهرباء، ما سينعكس سلباً على الإستيراد والتصدير، وسيؤدي إلى فساد مستودعات الأدوية والمواد الغذائية التي تعرقل الدولة إخراجها مثلما حصل مع المساعدات المرسلة إلى الصليب الأحمر اللبناني. إنهم يساهمون بتدمير الوطن والمواطن. نعيش حالاً من الطوارئ بعد مرور عام على إنفجار 4 آب، ويستمرّ وجع الجرحى وأهـالي الضحايا وفاقدي الأرزاق.



كيف تفسّرين ثقة المواطن بالإعلام لمتابعة قضاياه بدلاً من اللجوء إلى المراجع الرسمية؟


دعوت قبل إنطلاق ثورة تشرين وإنفجار بيروت، المواطنين إلى المطالبة بحقوقهم فيما نقف نحن إلى جانبهم. وأن يشتكوا إلى المراجع الرسمية، لنتدّخل في حال عدم التجاوب. لكننا لاحظنا أن الدولة لم تستطع بناء الثقة مع الناس، فيما يثقون فينا أكثر.

إنها مسؤولية مضاعفة؟طبعاً. أتحمّل مسؤولية تجاه المواطن من جهة، وتجاه المراجع الرسمية التي تطلب مني المساعدة أيضاً. ويدلّ هذا الأمر إلى أهمية دور الإعلام، حيث أؤدي دوراً في تحريك القضية ومتابعتها، لكنني لست بديلاً من الوزير أو المسؤول.



هل إستفزّك موقف معيّن في أثناء متابعتك للقضايا؟

يستفزّني إنتظار المسؤولين لإتصالي الشخصي حتى يعالجوا المشكلة التي يسمعونها عبر برنامجي، بدلاً من المبادرة بأنفسهم على تسجيل الشكوى ومتابعتها.



ما رأيك بدور الإعلام حالياً سواء على صعيد نشرات الأخبار أو مضمون البرامج؟


لم يعد هناك "تابو" أمام الإعلام، وأصبح المواطن إعلامياً بحد ذاته مع إنتشار التواصل الإجتماعي، إنما يجب توافر المصداقية والمسؤولية قبل نشر معلومة أو صورة لأنه يصار أحياناً إلى إعادة إحياء صورة قديمة وترويجها لأغراض معيّنة. تُرتكب أخطاء كثيرة في هذا الإطار. يتخطى الإعلام حالياً دوره، لأنه يعمل لخدمة الناس إجتماعياً وصحيّاً، وتأخذ هذه المواضيع حيزاً مهماً في تقاريرنا ونشراتنا، إضافة إلى كشفه قضايا فساد كثيرة، إنما هل يتلقّف مسؤول ما هذه المعلومات فيبادر إلى تصحيح الأوضاع؟



ثمة من يدعو الإعلام إلى الحياد، هل يمكنه ذلك أمام القضايا الإجتماعية والإنسانية التي سبّبها سوء إدارة الدولة وفسادها؟


يرتكز الحياد على إيصال الصورة أو الخبر بحرفيّة من دون إضافة أو نقصان. فوجع الناس ليس بسبق صحافي. يجب ألا يقف الإعلامي طرفاً، بل أن ينقل الصورة كما هي تاركاً للرأي العام القرار. كما لا يجوز الوقوف مكتوفي الأيدي أمام إنهيار البلد، وأمام من لا يجد سوى الإعلام وسيلةً لإيصال صوته. ليعذرنا المسؤولون، لن نترددّ ولن نتوقّف عن الكلام حتى نصل إلى حلول ونتائج. ليحصّلوا تعويضهم ويستقيلوا إذا كانوا عاجزين، حتى يفسحوا في المجال أمام الآخرين لتحمّل المسؤولية بدلاً من العرقلة.



ألا تفكرين بدخول المجال السياسي لمتابعة قضايا المواطنين بشكل أفعل؟


ظنّ بعضهم أنني أسعى إلى أغراض سياسية، إنما لا يقلّ عملي في الشأن العام عن عمل النائب والوزير. أنا أعمل بمسؤولية كبيرة، فإذا كان موقعي الوزاري أو النيابي مهمّاً وطنياً لدعم المواطنين خدماتياً أو تشريعياً، فلا مانع إطلاقاً. لكنني مرتاحة حالياً في مهنة الإعلام ولا أريد التلوّث بالسياسة، التي أعتبرها وسيلة لخدمة الناس لا بريستيجاً وشرفاً.



يستمرّ "الحل عنّا" عبر شاشة MTV منذ 11 عاماً، ما الذي أضافته الشاشة؟


أضافت القدرة على دعم القضايا بالصورة المرسلة من قبل المواطنين التي تعبّر أكثر عن الوضع. كما أتابع بإهتمام الرسائل التي تصلني عبر مواقع التواصل الإجتماعي وهاتفي الخاص. أتمنى إنتهاء شكاوى الناس، للإنتقال إلى برنامج من نوع آخر، ولكن يبدو أن الوضع في لبنان لن ينتهي سريعاً. أشعر بفخر وإعتزاز تجاه محبّة الناس التي تزيدني مسؤولية وإصراراً لمتابعة القضايا.



ما سبب إنفعالك في الفترة الأخيرة بعدما إلتزمت دائماً الهدوء والصبر عبر الإعلام؟


أعتذر، إنما ما يحصل في الوطن أمر غير طبيعي. يغتالون أدمغتنا عبر إلهائنا بأمور مهمة على حساب أمور أساسية أهمّ، وهذا غير محتمل. أقف على تماس مع كل الناس من دون تمييز، لأن الإنسان اللبناني فوق أي إعتبار، وأدعم المسؤول الحقيقي، منتقدة غير المسؤولين. يجب أن تؤّمن الدولة البنى التحتية كلّها، فنهتمّ كمواطنين بالعمل والنجاح والإنتاج. غنّجناها حتى أصبحنا مستقيلين عن رأينا، نقبل الذل. أقود حملة ضدّ المسّ بالرغيف وإنقطاع حليب الأطفال. إن إعتراف الدولة بالسوق السوداء هو جريمة مالية، وما نراه هو تواطؤ لتدمير وطننا أمام أعيننا. أتمنى حرص اللبنانيين المقيمين على وطنهم كما حرص المغتربين الذين يقدّمون روحهم وقلبهم ومالهم من أجل لبنان، فهؤلاء أوكسجين الوطن. ليتهم يستلمون الحكم لأنهم يقيّمون الإنسان والأرض.