محمد دهشة

عودة الهدوء إلى بلدتَي مغدوشة وعنقون بعد تسليم المُعتدين إلى القوى الأمنية

مطارنة صيدا: نتمسّك بالعيش المشترك كشعار نهائي ونُحذّر من فخّ الفوضى

31 آب 2021

02 : 00

عدد من أهالي عنقون يرمّمون مزاراً دينياً في مغدوشة

نجحت بلدتا مغدوشة وعنقون بقطع دابر الفتنة، بجهود مضنية وحثيثة من مختلف المراجع الروحية والقوى السياسية، وأكدتا بمختلف انتماءاتهما حرصهما على العيش المشترك كنموذج مصغر عن لبنان الذي يمر بأزمات اجتماعية واقتصادية ومعيشية خانقة، جعلت "الحكيم فيها حيراناً" والناس تبحث عن اي شيء لـ"فشة خلق".

الاشكال الذي وقع عند إحدى محطات بلدة مغدوشة، ليس الوحيد وهو يتكرر عند كثير من المحطات يومياً وفي مختلف المناطق اللبنانية مع استفحال أزمة البنزين، غير ان ما اثار الضجة هو انتماء البلدتين المختلفتين طائفياً، واستعادة ذكريات أليمة من الحرب الاهلية، فجاءت المعالجة سريعة وحاسمة حيث علمت "نداء الوطن" ان رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي تابع الموضوع، رسم خريطة طريق للمعالجة على قاعدة التهدئة وتنفيس الاحتقان واعتماد حكم القانون وتسليم المعتدين.

خريطة طريق المعالجة ترجمت بزيارة قام بها مفتي صور وجبل عامل المسؤول الثقافي المركزي في حركة "أمل" الشيخ حسن عبدالله الى البلدتين، حيث عقد لقاءً مع راعي ابرشية صيدا ودير القمر للروم الملكيين الكاثوليك المطران ايلي حداد في منزل النائب الدكتور ميشال موسى، بحضور رئيس بلدية مغدوشة رئيف جورج يونان واتُّفق خلاله على تسليم المعتدين، قبل ان يزوروا معاً بلدة عنقون ويعملوا على تهدئة الاوضاع.

"نداء الوطن" جالت في مغدوشة وعنقون، ورصدت مشهد البلدتين بعد اتجاه الامور الى التهدئة عقب تسليم المعتدين من عنقون على الدكتور هشام حايك واسعد السرجي، الى القوى الامنية والعسكرية وفق الاتفاق، فترك ذلك ارتياحاً بين ابناء مغدوشة وفاعلياتها وبلديتها.

وفي الجولة الميدانية بدت مغدوشة هادئة مع بداية الاسبوع، قليل من المحال التجارية مقفلة، والاغلبية فتحت ابوابها، حركة الناس خفيفة كما هي العادة في النهار، واحاديث الناس تدور حول الاشكال الذي وقع ونكء جراح الماضي.. ولكن آمالهم ما زالت معقودة على تجاوز ما جرى بفعل وعي وحكمة الطرفين، ويقول شربل: "ان ما جرى لم يكن يريده احد، فنحن نعيش مع الجوار بسلام وتآخ ولكن في نهاية المطاف نرفض الاعتداء علينا، وبعد تسليم المعتدين نعتبر انها سحابة صيف وتنتهي".

في عنقون تبدو البلدة اكثر حركة وحيوية، وينصرف الاهالي الى اعمالهم، يكررون ذات الاحاديث، ويقول علي: "انها فورة غضب وانتهت، فالناس اخلاقها ضيقة وتبحث عن اي سبب لـ"فشة الخلق"، سنبقى مع مغدوشة في حسن وجوار وأخوة ونربأ ان نقع في الفتنة الطائفية".

وعلى وقع اليوم الهادئ، سجل تطوران بارزان الى جانب تسليم المعتدين، الاول ميداني ويتمثل بانتشار الجيش اللبناني في البلدتين وتسيير دوريات راجلة بين الحين والآخر للحفاظ على الامن والهدوء، استكمالاً لتدخله بتوجيهات من قائده العماد جوزاف عون ومتابعة رئيس فرع مخابرات الجنوب العقيد سهيل حرب، والثاني يتمثل بالتواصل بين مختلف المراجع الروحية من اجل تثبيت الهدوء والعمل على تنفيس الاحتقان تمهيداً لعودة الحياة الى طبيعتها وحسن الجوار من دون اي استفزاز، في وقت بقيت فيه محطات الوقود مقفلة في مغدوشة بقرار من البلدية تفادياً لتكرار الاشكال.

ويقول رئيس بلدية مغدوشة رئيف يونان لـ"نداء الوطن": "ان تسليم المعتدين وتكريس حكم القانون مدخل اساسي للمعالجة السريعة والبعيدة الامد، لقد تجاوزنا القطوع وعلينا جميعاً الآن مسؤولية كبيرة في تنفيس الاحتقان وعودة الامور الى طبيعتها، فنحن وعنقون والغازية وصيدا اهل وجيران ولن تقع بيننا اي مشاكل او فتنة"، مؤكداً اننا "كنا حريصين على معالجة هادئة كي لا تتكرر لاننا نرفض سيرة الحرب الاهلية ولا نريد اي حرب ولكن ما حصل غير مقبول ونرفض الاعتداء على كرامتنا، وسنبقى متمسكين بالدولة ومؤسساتها، وكل التداعيات قيد العلاج والمتابعة".

وأدّى نائب مغدوشة ميشال موسى دوراً بارزاً في لملمة الاشكال وتطويقه وبلسمة الجراح سيما وانه عضو في كتلة "التنمية والتحرير" التي يرأسها الرئيس بري، الى جانب راعي ابرشية صيدا ودير القمر لطائفة الروم الكاثوليك المطران ايلي بشارة الحداد، الذي لم يترك البلدة وشارك في الاجتماعات وترأس قداساً فيها حذّر خلاله من الفوضى، "لانه اذا استمرت ستشكّل منفذاً الى زعزعة الامن في كل لبنان"، آسفاً ان "يصبح الوقود في بعض الاحيان مادة تجارية بحتة، وهذا مناف للاخلاق والشعور مع الآخر في وطن واحد نعيش فيه اخوة متضامنين".

وأكد المطران الحداد لـ"نداء الوطن" ان "تسليم المعتدين لا شك قطع دابر اي توتير جديد، وجاء ترجمة للاتفاق الذي تم التوصل اليه بتوجيهات من الرئيس نبيه بري"، مشيراً الى اننا "سنقوم بكل ما يتوجب علينا من اجل التهدئة وقطع الطريق على اي فتنة، ونطلب من ابناء مغدوشة، كما عودونا التمتع بالحكمة العالية هذه الايام والتصرف بما يمليه علينا العيش المشترك وحسن الجوار، والا نحمل الخطأ الحاصل للجوار المتعايش والمتفاهم معنا"، مطالباً في الوقت ذاته "جميع ابنائنا في المنطقة التحلي بالصبر والحكمة والوطنية لتمر هذه العاصفة بسلام ونضوج، لا بعنف وجهل ومعاً سنعيد بناء هذا المجتمع المتألم ولن تقف بوجهنا اي عقبات او عقوبات".

بالمقابل، أكدت اوساط مسؤولة أن "حزب الله" وحركة "أمل" تابعا باهتمام كبير ما حصل، وأكدا على "وجوب تدخل الجيش لإنهاء كل الأحداث والسعي لعقد مصالحة بأسرع وقتٍ ممكن من أجل حقن الدماء"، فيما رفعت حركة "أمل" الغطاء عن اي مرتكب، ونفت اي علاقة لها بأي شكل من الأشكال بما حصل في بلدة مغدوشة وتعتبر أنه أمر غير مقبول على الإطلاق، ولا يمت إلى أدبيات العيش المشترك التي لطالما تمسكت بها الحركة ودفعت الدم في سبيلها وفي سبيل حماية مغدوشة والإبقاء عليها أيقونة في الجنوب.

واعتبر أهالي عنقون أن "ما نمر به اليوم في لبنان من ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة تركت خلفها بعض المشكلات الفردية في العديد من المناطق بإختلاف المكان والزمان، مع التأكيد على السبب بما معناه تأمين أقل الحقوق المعيشية لشعب عانى ما عاناه"، مؤكدين أن "الاشكال الذي حصل بين أهلنا في بلدة عنقون واخواننا في بلدة مغدوشة هو إشكال فردي"، معربين عن استنكارهم لاعمال الشغب التي مورست بقطع بعض الطرقات.

مواقف منددة

وتعليقاً على الاشكال، تواصلت المواقف السياسية والروحية، فأثنى مطارنة صيدا ودير القمر للروم الكاثوليك والموارنة والأرثوذكس مارون العمار وإيلي بشارة الحداد والياس كفوري، على "الجهود المبذولة من الفرقاء كافّة، لتلافي تفاقم الأحداث المؤلمة، لا سيّما موقف الرئيس بري وموفده الرسمي المفتي حسن عبدالله، الذي التقى النائب ميشال موسى وفاعليات مغدوشة وعنقون، وأعطى توجيهات واضحة لجهة تطبيق القانون في كلّ من افتعل أعمالاً عنفيّة؛ إذ لا شيء يعلو فوق القانون"، مشددين على اننا "نتمسك بالعيش المشترك كشعار نهائي لا حياد عنه بلبنان"، داعين كلّ الفرقاء الى عدم الوقوع في فخّ فوضى الفقر والعوز الذي يعيشه اللبنانيّون كافّة". وأشاروا إلى أنّ "هذه المشادّات الّتي تحصل، لا تمتّ بصلة إلى أبعاد طائفيّة، إذ إنّ أبناء البلدة الواحدة والمذهب الواحد نراهم يتقاتلون لتأمين لقمة العيش".

واستنكر النائب الدكتور أسامة سعد الاشكال والتعديات على المواطنين الآمنين، وقال: "إن المنظومة الحاكمة لا تعالج الأزمات الواقعة فوق رؤوس اللبنانيين بقدر ما تعمم الفوضى وتديرها، واللبنانيون في مغدوشة وعنقون والمناطق اللبنانية كافة يريدون الأمن والاستقرار ومعالجة الأزمات التي تتوالى فوق رؤوسهم. وهم يحمّلون أطراف السلطة جميعها مسؤولية ما يعانونه".