ريتا ابراهيم فريد

يوسف الخضر: ممتنّ لأني اختبرتُ الجهل حتى تعلّمت

2 أيلول 2021

02 : 00

منذ بضع سنوات، كان يوسف الخضر يسير في شوارع الحمرا حاملاً بيده زهوراً لبيعها، وفي قلبه أحلام كبيرة وموهبة لامعة في الكتابة. يوسف هو شاب سوري انتقل في عمر صغير للعيش في بيروت، حيث ترعرع في شوارع العاصمة اللبنانية كبائع ورد وقادته الصدف ليصبح كاتباً، فصدر له ديوان شعريّ يحمل عنوان "مطرٌ على ملامح غربتي"، ورواية بعنوان "الهامستر"، تمّ إطلاقها خلال فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ 52. واليوم يوسف بصدد إطلاق ديوانه الشعري الجديد "قبر في السماء... قبر في الأرض"، حيث سيتخلّل حفل التوقيع أيضاً عرض فيلم وثائقي عن يوسف من إعداد المخرجة غنا عبود، وهو عبارة عن نزهة ليوسف وغنا مع الكاميرا، حيث سارا وتحدّثا من أول الحمرا إلى نهاية القصة. "نداء الوطن" تواصلت مع يوسف الذي تحدّث أكثر عن كتاباته وعن أحلامه.

كيف انطلقت الى عالم الكتابة ومتى لاحظت أنّ في داخلك موهبة تسعى الى شقّ طريقها نحو الضوء؟

أذكر أن أول النصوص التي كتبتُها كانت في عمر الثانية عشر، لكن برأيي الشخصي لا توجد لحظة محددة ينطلق منها الشخص كي يصبح كاتباً، فالكتابة أشبه بعاهة مستديمة تولد مع الكاتب وتلازمه لبقية حياته.

أطلقت منذ بضع سنوات كتابك الأول. كيف أبصر النور؟ وما هي الصعوبات التي واجهتك؟


بصراحة، كانت التجربة الأولى شبيهة بجريمة ارتكبها شخص لا يمتلك أيّ سابقة في الإجرام، لهذا اعتبرتُها جريمةً ناقصةً، تركتُ ورائي حين ارتكبتُها عدداً كبيراً من الأدلّة التي تدينني. لكن كما هو الحال لدى الأطفال، كان عليّ أن أجازف، فالطفل الذي لا يجازف ليخطو خطوته الأولى، لن يسير أبداً.

ديوان "قبر في الارض... قبر في السماء" هو كتابك الثالث الذي ستوقّعه الأسبوع المقبل. حدّثنا قليلاً عنه، ولماذا اخترت له هذا العنوان؟

استوحيتُ العنوان من عبارة وردت في أحد نصوص الكتاب، كما أنّ لها قصة في ذاكرتي. فبحكم عملي في السابق كبائع ورد متجوّل، كان عليّ أن أسير دوماً من دون توقّف بحثاً عن سبيل لبيع الورود الموجودة معي.

لكن على عكس ما كان يتوجّب عليّ فعله من مراقبة الناس واللّحاق بهم، كنتُ في معظم الأوقات أسير شارداً وموجّهاً نظري إلى الأعلى. وكوني كنتُ لا أزال طفلاً، لم أكن أدري أنّ هناك طرقاً أخرى غير الموت لبلوغ المدى، لهذا كانت تسحرني دائماً فكرة النزول الى داخل حفرة في الأرض، ثمّ الخروج من جانبها الآخر إلى السماء.

أما عن المجموعة الشعرية ككلّ، فيمكن تعريفها من خلال مقطع ورد في الكتاب نفسه وجاء فيه:

بعدَمَا رأيتُ ما رأيتُ في هذا العالم، وسمعتُ ما سمعتُ، كان عليّ أن أكونَ كاتباً، لم أجد خياراً آخر. ما كنت لأخرجَ من هذا العالم صامتاً، ما كنتُ لأدعَ كل هذا الألم يُدفن معي.



البعض يعتبر أنّ الكتابة هي تمرّد على الواقع، ما رأيك في ذلك؟

بالنسبة لي، لا أرى أنّ الكتابة الحقيقية هي تمرّد على الواقع، إنما هي عملية خلق واقع موازٍ.

من خلال تجربتك، هل من نصيحة تقدّمها الى الشباب الذين يشعرون أنّ تحقيق أحلامهم بات مستحيلاً؟

أقول لهم: إن لم يمُدّ هذا العالم يده إلى جيبه ليمنحكم فرصة، غافلوه واسرقوها.

ما الذي تغيّر بين يوسف الأمس (بائع الورد) ويوسف اليوم (الشاعر والكاتب)؟

سأجيب عن هذا السؤال من خلال الاستعانة برواية "الهامستر" التي كتبتُ فيها عن جبرائيل، وهو شخصية تطرّقت الى موضوع الفرق بين الحياة في المدينة والحياة في الريف، حيث اعتبر أنّ العيش في القرية مألوف وبسيط، لدرجة أنّ الأحداث نفسها قد تتكرّر مع الإنسان حتى بعد مرور ثلاثة عقود، أما العيش في المدينة فهو مربك لدرجة أنك لن تكون أنت ذاتك بعد مرور ثلاثة أيام من هذه اللحظة.

بالفعل كان هناك تغيير هائل بين يوسف الأمس ويوسف اليوم، وقد دفعتُ ثمنه باهظاً حتى باتت عظام صدري ناتئة، وجسمي هزيلاً، وملامحي متعبة من كثرة المحاولات والتفكير. لكن بالرغم من كل ذلك، أنا ممتنّ لكوني ولدتُ في بيئة مليئة بالجهل، فاختبرت الجهل ثمّ تعلّمت، وهكذا أدركت الشرخ الهائل بين أن تعرف أو لا تعرف.



بعد مرور سبع سنوات، كيف ترى اليوم الوثائقي الذي صوّرته معك المخرجة غنا عبود؟

لطالما تعاطفتُ مع نفسي في الماضي، أعني مع ذلك الفتى الوحيد الذي كان يجوب شوارع يعرفها جيداً، بينما لم تعرفه هي يوماً. كان يسير فيها مدّعياً في قرارة نفسه أنه كاتب، بينما كان كلّ شيء في مظهره ينفي ذلك. فجاءت غنا حاملة في يدها الكاميرا كي تساعد على إنصاف ذلك الفتى البائس، لحمايته من التلاشي على الأقلّ.

غنا عبود: من خلال يوسف رغبتُ بالتعرف إلى كل بائعي الورد

في اتصال مع "نداء الوطن"، تحدّثت المخرجة غنا عبود عن الوثائقي الذي أعدّته عن يوسف، مشيرةً الى أنها تعرّفت إليه من خلال أحد الأصدقاء في الحمرا حين كان لا يزال بائعاً للورد، وقالت: "لاحظتُ أنه إنسان عميق. وبتنا نلتقي دوماً ونتحاور ونتناقش، حتى أصبحنا صديقين". وأضافت أنها كانت تمتلك فضولاً كبيراً للدخول الى عالم يوسف والتعرّف من خلاله الى التجارب التي اختبرها في الشارع، لافتةً الى أنها من خلاله باتت ترغب بالتعرّف إلى جميع بائعي الورد.

وأوضحت غنا أنّ "الوثائقي الذي أعدّته عنه والذي تبلغ مدّته حوالى 37 دقيقة، تمّ تصويره منذ سبع سنوات، وقد احتاج الأمر الى بعض الوقت لتأمين التمويل لعملية المونتاج، ومن ثم إنهاء الترجمة تمهيداً لإرساله الى مهرجانات للأفلام في وقت لاحق". وأضافت أنها: "انهمكت بعد ذلك في بعض الأمور الشخصية، الى أن تقرّر إطلاقه الأسبوع المقبل خلال حفل توقيع الديوان الشعري الجديد ليوسف".

وعن مضمون الفيلم، أشارت غنا الى أنّه "يصوّر يوسف وهو يسير معها في شوارع الحمرا، وتحديداً في الدروب التي كان يسلكها حين كان بائعاً للورد، حيث يتحدّثان كأصدقاء عن كيفية نزوله الى الشارع، وكيف كان يعيش، إضافة الى علاقته مع نفسه ومع الناس ومع الله...".

وأضافت أنّ: "الفيلم يشبه يوسف في طريقة عيشه، فلا يتضمّن أي إسقاط أو موقف مزيّف، وتابعت: "مثلاً حين تعبنا من المشي بدا ذلك واضحاً في الفيلم، وهو بالتالي حقيقي الى أبعد الحدود".


*إطلاق فيلم "يوسف " وتوقيع كتاب "قبرٌ في الأرض قبرٌ في السماء" الصادر عن "دار أبعاد للطباعة والنشر"

المكان: بيروت - الحمراء - مكتبة برزخ. شارع الحمرا - مبنى روزا كافيه (الكوستا سابقاً) ط1

الزمان: السبت 4 أيلول. الساعة السادسة والنصف مساءً.