مايا الخوري

لم يفقد الأمل ولن يهاجر من الوطن

وليد عبود: الإعلام هو السلطة الأولى

3 أيلول 2021

02 : 00

يعترف الإعلامي وليد عبّود بأن ظروف الحرب كانت أقسى وأشدّ على اللبنانيين من الأزمة التي نعيشها اليوم، لذا يجب التحلّي بالأمل وعدم الرضوخ لليأس الذي يريدوننا أن نقع فيه. ويؤكد في حديثه أن لا حياد ولا موضوعية في المطلق لأن الإنسان إبن بيئته ومجتمعه وبالتالي لديه قناعاته وإلتزاماته الخاصة. في السياسة والإعلام وشؤون الوطن يتحدث الإعلامي وليد عبّود إلى "نداء الوطن".




تترأس تحرير أخبار محطة " MTV" في أصعب الظروف التي تمرّ فيها البلاد، كيف تقيّم هذه المرحلة التي بدأت منذ "17 تشرين" حتّى اليوم؟

بدأت العمل في عام 2001 في قسم أخبار تلفزيون "LBCI"، قبل الإنتقال إلى محطة" MTV"، لم تمرّ خلال هذه الأعوام، مرحلة مشابهة لما خبرناه منذ إنطلاق الثورة مروراَ بإنتشار "كورونا"، وصولاً إلى إنفجار "مرفأ بيروت"، وما تخللها كلّها من قضايا أساسية.نعيش تجربة بحدّين، هي من جهة مُتعبة لأقسام التحرير والتصوير والفنّ والتنفيذ، وتحمل من جهة أخرى تحديات جميلة.

قال لي مرّة مسؤول في عمليات الأخبار "ما دام قطعنا هذه المعمودية، لم يعد هناك شيء أصعب". أعتبرها المعمودية الأقسى والأجمل، وسيمرّ بفضلها كل شيء بسلاسة.



لكننا نعيش في دوّامة التأليف إلى جانب أزمة المحروقات والغلاء المعيشي؟

صحيح. نعيش دوّامةً منذ أشهرٍ، وما عناوين الصحف اليومية سوى تأكيد على ذلك. إنما يمكن الإستفادة إيجاباً من الوقت، لمتابعة القضايا والإشكاليات التي نطرحها في النشرة بعمق حتى تحقيق النتيجة المرجوّة.



إنطلاقاً من عنوان برنامجك السابق "بموضوعية" هل يمكن الوقوف على الحياد في نقل الأحداث من دون الإنخراط الشخصي فيها؟

يجب التمييز ما بين الحياد والموضوعية. لا يمكن لأي شخصٍ أو مؤسسة إدعاء الحياد المطلق، لأننا جميعنا، أبناء تربية معيّنة وبيئة معيّنة، ونتمتّع بخصائص نفسية معيّنة، وننتمي إلى طائفة وطبقة إجتماعية مختلفة، ونشأنا على مكونات ثقافية معيّنة، فكوّنت جميعها شخصياتنا، لهذا السبب يتميّز كلّ منا بإلتزاماته وخياراته المختلفة عن الآخر. وكذلك بالنسبة إلى الصحافي الذي لا يمارس مهنة حرفية، بل يعمل في الفكر والسياسة والإجتماع والثقافة، فيتكوّن لديه حدّ أدنى من الإلتزام وعدم الحياد. أمّا الموضوعية، فيُفترض السعي لتحقيق أعلى درجاتها، إنطلاقاً من عدم وجود حيادٍ مثالي، فننجح أحياناً ونخفق أحياناً أخرى. لكن علينا في كل الأحوال، السعي إلى تحقيق أكبر قدر ممكن منها في الشق الإخباري.



كيف يمكن الإلتزام بالموضوعية أمام أزمة البنزين والرغيف ولقمة العيش؟

أحد لا يمكنه الإلتزام بالموضوعية أمام قضايا مماثلة. أضع تحديدنا للمسؤول المباشر عن هذه الأزمات في قمّة الموضوعية لأن المستهدف هي السلطة، لا جهة سياسية معيّنة.



مرّ عام على إنفجار "4 آب"، أي تغييرٍ أحدثه في قناعاتك الشخصية ونظرتك للأمور؟


يجب ألا تحملنا فظاعة الأحداث والمصائب والتطوّر الأمني إلى اليأس من الوطن. رأينا في ثورة "17 تشرين" حيوية ونبضاً هائلاً في الشارع، خفتت تدريجاً، حتّى ترّدد إلى مسامعنا قرارات بالهجرة نتيجة فقدان الأمل، كما سمعنا رفضاً للمشاركة في الإنتفاضة بسبب التشكيك في قدراتها التغييرية. شهدنا حيوية مماثلة بعد حصول جريمة المرفأ، لكن الحماس خفت أيضاً، إلى درجة بقاء أهالي الضحايا والمتضررين وحدهم في الشارع. ما يدل على ضرورة إنبثاق نفس نضاليّ وكفاحيّ أكبر عند اللبنانيين الذين يظنّون أنهم قادرون على تحقيق التغيير خلال يومين أو ثلاثة. صحيح أننا نعيش في أضعف دولة أو جمهورية، إلا أننا نملك أقوى نظام، يرتكز على تشابك المصالح الطائفية والإقتصادية وغيرها، لذا نحتاج إلى مرحلة نضال طويلة حتى تحقيق التغيير.


أي رسالة توّجه إلى فاقدي الأمل في الوطن؟

يجب ألا نفقد الأمل، لأن الوطن ليس فندق 5 نجوم نعيش فيه ونتغنّى بجماله طالما نستفيد من خدماته، وعند أوّل مطبّ نتخلّى عنه. ليست تلك الوطنيّة التي تفرض علينا الصمود في الوطن، خصوصاً أن هدف من يسبّب هذه الأزمات الإقتصادية والمعيشية، تيئيسنا لنهاجر. كفر كثيرون بالنظام والدولة بعد جريمة المرفأ، إنما دماء الضحايا والجرحى والدمار ليست سبباً لليأس، بل محرّكٌ لشحن نفسٍ نضاليٍّ أكبر، حتى بلوغ الأهداف التي نطمح إليها.



هل يمكن إحداث ثورة من دون مسؤول قيادي يخطط ويدير التحرّكات الشعبية؟


غياب القيادة هو أحد مكامن الضعف في الإنتفاضة. يسعى أركانها إلى توحيد مجموعاتهم بهرمية كبيرة، منشغلين باللعبة الداخلية الخاصة بهم بدلاً من متابعة التحديات الأساسية، فيما ينفّذ أركان السلطة ما يريدون. نزل الناس إلى الشارع في "17 تشرين" بسبب تعرفة الواتساب، رغم أن الدولار لم يتخطَ حينها 1500 ليرة، فأين الإنتفاضة اليوم بعدما تخطّى الدولار 20000 ليرة؟





هل تفكّر بالهجرة بسبب الأوضاع السيئة في لبنان؟

أبداً. أي واقع هو الأصعب؟ الصمود تحت القصف السوري والحصار البرّي والبحري وإستشهاد مئات اللبنانيين يومياً، أو ما نعيشه اليوم؟ مررنا بمراحل أصعب بكثير، إنما هذه المرحلة طويلة، ما يُشعرنا باليأس بسبب غياب آفاقها. هل نرضخ ونخضع لهذا المخطط؟ أبداً! أدعو من يستطيع، إلى تأمين الحد الأدنى للصمود في هذه الفترة.



عدت إلى الواجهة في برنامج "بدنا الحقيقة" عبر "صــوت بيروت إنترناشيونال"، هل يمكننـا بلوغ الحقيقة في لبنان؟


هناك إدعاء في عنوانيْ برنامجي "بموضوعية" و"بدنا الحقيقة"، لا أدّعي شخصياً الموضوعية المطلقة، أو بلوغي الحقيقة المطلقة. إنه مبدأ الطموح للوصول إلى أعلى درجات الموضوعية وإلى أعلى نسبة ممكنة من الحقيقة. يرتكز التحدي في كل حلقة على إيصال أكبر قدر ممكن من الحقائق حتى يُبرّر العنوان. إن الموضوعي المطلق الوحيد في الكون هو الله الديّان، وهو القاضي الأول والأكبر وهو الحقيقة المطلقة أيضاً، لذا نطمح، نحن الذين خُلقنا على صورته ومثاله، أن نبلغ أقصى درجات الموضوعية والحقيقة.



هل يحاكي هذا البرنامج خبرتك الإعلامية وتطلّعاتك المهنية؟


أعتبر أن سمته الأساسية هي العصرية. ربما أفضّل الإطار الكلاسيكي، والإيقاع الأبطأ والأعمق، لكن إذا راقبنا إيقاع العصر وسرعة حياتنا وحركة السوشيل ميديا، وجدنا أن هذا البرنامج أو ما يشبهه، يحاكي العصر ومتطلبات الجمهور. يحتمل التلفزيون برأيي التطويل والتعميق أكثر، إنما أصبح هذا النوع من البرامج مطلوباً أكثر.



أي تحدٍّ يواجه الإعلام التلفزيوني مع إنتشار المنصّات الرقميّة؟

نواجه تحديات على صعيدي الشكل والمضمون. نلاحظ على الصعيد الأول إتجاه المحطات نحو تسريع إيقاع البرامج، عبر تأطيرها توقيتاً وصيغةً. أمّا على الصعيد الثاني، فبعدما عملنا سابقاً على إيقاع بطيء في الأخبار، مواكب لحركة المندوبين والمراسلين، أو لإيقاع الإذاعة ووكالات الأنباء، نختبر اليوم تحدياً أكبر، بسبب عدد المواقع الإخبارية والإجتماعية والخاصة، التي تضخّ مواقف كثيرة بسرعة زمنية قياسية تستوجب المتابعة الحثيثة. إذ يمكن بلحظة، حدوث تحوّلٍ ما، يضعنا أمام جهود مضاعفة. بعدما نعمنا سابقاً من ترف الوقت وإمكانية التأخّر لدقائق قبل نشر الخبر، أصبح التأخير مكلفاً جداً بسبب سرعة المواقع، ما يضعها تدريجاً في مرتبة الريادة بعد إكتساب إهتمام الناس.



هل تعوّض إطلالتك عبر "صوت بيروت" غيابك عن شاشة" MTV"؟


طبعًا عوّضتني على الصعيد المعنوي، خصوصاً أن نسبة مشاهدي بعض الحلقات قاربت المليون.



أي طريق هي الأصعب، المحافظة على القمة بعد بلوغها، أو إستعادتها بعد غياب؟

أرى العودة بعد غياب أصعب، لأنها تضعنا أمام تحدٍ نفسي أكبر، بهدف إثبات الذات والوجود وإثبات عدم التراجع بعد الغياب عن الشاشة.



أي دور تؤديه المنافسة الإعلامية في تحريك المشهد السياسي سواء لناحية فتح الملفات أو البحث عن قضايا الفساد؟

لولا توافر السياسة لما وُجِد إعلام سياسي، الذي هو الأساس. ولولا توافر الإعلام، لكانت السياسة في وجه مغاير وإيقاع مختلف، لذا هما في علاقة جدلية وطيدة ومترابطة. قد يرتكب السياسي هفوة إعلامية، أو يقوم بتصريح لافت، يحرّك المشهد السياسي كله. لذا أتساءل أحياناً عمّا يحرّك الرأي العام أكثر، السياسة أو الإعلام، لأستخلص بأن العمل الإعلامي اليومي الذي يضخّ بقوة عبر التلفزيون أو عبر مواقع التواصل الإجتماعي وعبر الوسائل التقليدية لم يعد السلطة الرابعة بل أصبح السلطة الأولى.