ستريدا جعجع: لا ثقة وسنثني على الحكومة إذا أحسنت التصرف وسننتقدها ونحاسبها عند كل خطأ

14 : 19

 ألقت النائبة ستريدا جعجع ، كلمة في جلسة مناقشة البيان الوزاري في قصر الاونيسكو، جاء فيها:

"يقف لبنان اليوم أمام تحديات كبيرة وخطيرة بل أمام مفصل تاريخي، فإما يبقى لبنان الذي نريد ونحب، والذي بذلنا من أجله الغالي والنفيس، وإما ينهار انهيارا كليا ويصل إلى قعر الهاوية ويصبح مهددا في مصيره وفي هويته.

لقد سبق وحذرنا من هذا المنبر، ومن منابر أخرى وفي مناسبات عدة، من الاستهتار في معالجة أسباب الكارثة التي حلت بنا على مختلف الصعد، بدلا من معالجة العوارض الظاهرية بشكل مجتزأ وعلى طريقة الترقيع والتخدير.

لم نترك كحزب وكتكتل نيابي أي فرصة إلا والتقطناها لنحذر وننبه من المخاطر المحدقة بنا جميعا، وقدمنا الخطط والبرامج واقتراحات القوانين، لكننا ووجهنا دائما بالرفض والمكابرة والإنكار، لأن هناك من يفضل المناصب والمكاسب على حساب الوطن وأهله، لأن هناك من لا يريد الإصلاح الجديّ والشامل لأنه يخشى المحاسبة والمساءلة ، لأن هناك من لا يريد الجمهورية القوية والدولة القوية والمؤسسات القوية، كي يبقى هو مستقويا على حساب الجمهورية والدولة والمؤسسات.

لقد كان سمير جعجع أول من رفع الصوت وتحديدا في لقاء قصر بعبدا بتاريخ 2 ايلول 2019 ، ليدعو مختلف القوى السياسية بمن فيها نحن، إلى الاستقالة والإتيان بحكومة مستقلين فعلا واختصاصيين من دون مشاركة أي فريقٍ سياسي بمن فيه نحن، فلم يسمعوا، وكان ما كان في 17 تشرين، وتشكلت الحكومة السابقة بتعديل في الشكل ومراوحة في الجوهر أي وفق منطق المحاصصة وحسابات النفوذ، وفشلت فشلا ذريعا، وتخلف رئيسها حتى عن تصريف الأعمال ، وتخلى كليا عن تحمل المسؤولية .

وفي هذا السياق ، استوقفني ما كتبه الرئيس نجيب ميقاتي (في صحيفة "النهار" في رد على مقالة للأستاذ عقل العويط): عقدت العزم على خوض هذه "المغامرة الإنتحارية" كما يصفها البعض، علني أتمكن من تشكيل حكومة. عقدت العزم على خوض ورشة الإنقاذ الموعودة، مع علمي المسبق بأنني لا أملك عصا سحرية. قد يقول البعض إنها مغامرة صعبة ولكنني سأخوضها مثابرا على العمل للنجاح في المهمة. ومن أهداف الحكومة الجديدة إجراء الانتخابات النيابية التي تشكل المفصل الحقيقي لتحديد خيارات اللبنانيين إنطلاقا من الحراك الشعبي الذي يشهده لبنان منذ السابع عشر من تشرين الأول 2019.

هذا الكلام الصادر عن دولة الرئيس يستوقفني بالمعنى الإيجابي ، ويعبر عن الجرأة التي يتمتع بها، فهو يدرك تماما أن الدعم سينتهي في أواخر أيلول ، كما يعرف أن هناك بعض المسؤولين قد تهربوا من هذه المسؤولية.

ولكن، وعلى الرغم من كل ذلك، استمرت الأمور بالمنطق نفسه، منطق المحاصصة والمحسوبيات بشكل نافر أحيانا وبشكل مقنع أحيانا أخرى ، مع احترامنا لبعض الأسماء في هذه الحكومة،

كما أن المشكلة تبقى في الإصرار على الهروب من الحلول الكبيرة والجذرية، وعلى التهرب من المحاسبة.

إن قيادة البلاد إلى هذه الهوة السحيقة لا ينبغي أن تمر مرور الكرام، فعذابات الناس وآلامهم ومعاناتهم وإذلالهم ينبغي أن تشكل حافزا لوضع خط أحمر وفاصل بين مرحلة الفساد والإفساد والارتهان للحسابات الخارجية،

وبين مرحلة جديدة عنوانها الشفافية والاصلاح وإعلاء شأن الدولة أولا، بسيادتها الناجزة وقرارها ودورها في تعميم العدالة والمساواة وحماية حقوق الإنسان، لا سيما الحق بالعيش بحرية وكرامة.

ولذلك، نحن إذ نناقش البيان الوزاري، فإنني ألفت نظركم إلى أن الحكومة الحالية هي محطة موقتة، ويفترض أن يكون عمرها قصيرا نسبيا، وبالتالي لا نراهن عليها لتحقيق المعجزات بل في أفضل الأحوال لإدارة الأزمة.

فحكومة الرئيس ميقاتي هي حكومة المهمة الصعبة وحكومة الفرصة الأخيرة ، وحكومة وقف الإنهيار ومنع الإنفجار. والأبرز من كل ذلك أنها حكومة الإنتخابات، والشروع بالإصلاحات.

الهدف الأول هو الوصول الى محطة الإنتخابات كإستحقاقٍ مفصلي ، وأما الإصلاحات الجذرية والأساسية ، فتستكمل في حكومة ما بعد الإنتخابات .

ومع احترامنا لدولة رئيس الحكومة ومعرفتنا الجيدة به، ولعدد من أعضائها، فإننا سنثني على الحكومة إذا أحسنت التصرف وأصابت في أدائها، وسننتقدها ونسائلها ونحاسبها عند كل خطأ وتقصير .

نحن كتكتل الجمهورية القوية لم نبادر الى الإستقالة من المجلس النيابي لنستمر العين الساهرة من خلال القيام بدورنا التشريعي والرقابي كنواب، مع العلم أننا حاولنا جاهدين من خلال تواصلنا مع عدد من الكتل الوازنة في المجلس، لإقناعها بالإستقالة معنا كي نتمكن من الذهاب الى إنتخاباتٍ نيابية مبكرة، وهو ما لم يحصل للأسف

وفي أي حال أكثر ما يهمنا، هو الانتخابات النيابية المقبلة، التي ينبغي للحكومة الحالية أن تتولى تنظيمها ، لأنها ستمثل الفرصة الأفضل والخيار الحقيقي لتغيير الأكثرية الحالية التي أثبتت فشلها الذريع، لا بل أوصلتنا إلى سلسلة المآسي والأزمات التي نعاني منها ، ولا بد بالتالي من التغيير، وفق ما يقرره اللبنانيون من مختلف الفئات والمناطق ، وبكل حرية وجرأة ، على رغم الأمر الواقع الحالي . وحينها فليتحمل اللبنانيون مسؤولية خياراتهم.

الظروف الاستثنائية تحتاج مقاربات استثنائية، ففي ظل إفلاس الدولة وتفشي الجوع والعوز والمرض والبطالة والهجرة والفوضى والتهريب، لا يمكن الاستمرار في إضاعة الوقت والتسبب في المزيد من المصائب. فهل المطلوب انتظار كوارث إضافية، على غرار انفجار المرفأ وانفجار التليل، وهل المطلوب أن يفقد اللبنانيون آخر آمالهم وأحلامهم كي نقتنع بضرورة التغيير عبر الاحتكام إلى الشعب في أسرع وقت .

الشعب هو مصدر السلطات كلّها، ومجلس النواب هو الذي يمثل الشعب وإرادته ، ولذلك رهاننا على التغيير من خلال الاستحقاق النيابي ، وإلا فإن الوطن بأسره أمام خطر الزوال والدولة أمام خطر السقوط الكامل . إنها رسالة الضمير ورسالة اللبنانيين لنا جميعا، لذا لن نمنح هذه الحكومة الثقة بناء على موقفنا الثابت منذ نحو سنتين، والذي نركز فيه على صفة الاستقلالية والاختصاص، وعلى إبعاد المجموعة الحاكمة عن تشكيلتها وعن مسارها" .

MISS 3