عماد موسى

الشاعرة العراقية أمل الجبوري: أنتمي إلى فضاء الإنسانية

3 تشرين الأول 2019

12 : 18

أمل الجبوري (فضل عيتاني)
أمل الجبوري شاعرة وباحثة عراقية مقيمة في لندن، تُرجمت دواوينها إلى لغات عالمية وحازت جوائز عدّة منها جائزة جومسكي في العام 2012 عن كتابها "هاجر قبل الإحتلال، هاجر بعد الإحتلال"، الذي اختير واحداً من أفضل خمسة كتب في أميركا العام 2011. والجبوري ناشطة في مجال حقوق الإنسان، وقد اهتمت بمسألة الأقليات.



تركت العراق العام 1998 إلى المانيا، وعادت العام 2003 لتنجز أول فيلم وثائقي عن رحلتها الأولى الى العراق، والذي وثّق أحداث سلب المتحف العراقي وحرق المكتبة الوطنية في بغداد. الفيلم بعنوان «من بغداد الى برلين». وقد تمّ عرضه أمام بوابة عشتار التاريخية في متحف برغيمون في برلين للمرة الأولى، ثم أعيد عرضه في المعهد الالماني في بيروت 2003 وفي القاهرة وفي الأونيسكو. ونهاية العام 2009 قدّم الموسيقار سدني كروبت قصائد الجبوري على شكل عمل سمفوني في متحف مارت كوربس في برلين. وكأن العراقية المهاجرة موجودة في كل المدن، في القاهرة وروما وبغداد وأمستردام، أما بيروت فلها مكانة خاصة في مشوارها الشعري، فهنا دار النشر، وهنا دور الأصدقاء، وهنا شيء من القلب، فأي رياح جاءت بها اليوم ؟

"هذه المرة كانت الرياح حزينة. أتيت للمشاركة في ذكرى صديقتي سحر(طه)، وحينما أقول صديقتي سحر فهي تختصر كل عناوين الصداقة الحقيقية".

وقد حاربت الفنانة سحر طه، العراقية المولد، السرطان لخمسة عشر عاماً، إلى أن تمكّن منها في آب 2018، وأنجزت الجبوري فيلماً قصيراً عن "المتربعة على قمة صفات الصداقة". وعن تلك التجربة تقول: "أحببت أن أوثّق رأي سحر بعد هذا المشوار الطويل مع الحياة وأيضاً مع المرض، وأن أنقل رسالة إيجابية مهمة فحواها كيف يكون للفن دور كوسيلة للتشافي. خلقت سحَر عالماً من حلم. ويحتاج الإنسان، في قمة الخسارات، إلى فسحة لا للهروب إنما للحلم. الفيلم الخاص بسحر مؤلم لكنه حمل رسائل إيجابية".

أمل الجبوري امرأة في نساء. مجالاتها الشعر، حقوق الإنسان، الإعلام وأنشطة مختلفة. وسعادتها الحقيقية تتحقق كلّما نقلت صوت أي شخص ظُلم، ليس فقط في العراق، إنّما في أي مكان في العالم. إنتقلت من ألمانيا إلى لندن فدرست الأدب، تاريخ الفن، والقانون. تخصّصت بحقوق الإنسان ثم علم الأديان والتاريخ والفلسفة... "التاريخ يُكتب من الأداة السياسية والمنتصر". وفي وقتنا الحاضر لرجال الدين سطوة كبيرة في تغيير السرديات كما الساسة. حاولت أن أفهم ما حدث في العراق وفي المنطقة عموماً كي أفهم ما يحصل اليوم. قرأت كتباً كثيرة مختصة بالعراق وأيضاً كتباً لم تقدم للعالم العربي حتى عن تاريخ الشرق الأوسط والمنطقة. هذه المنطقة مترابطة سواء بالشكل الذي أصبحت عليه بعدما قُسّمت في الحرب العالمية الأولى، وما حدث بعد زلزال 1990 ( اجتياح الكويت) وبعد الـ 2003 وما يسمى الربيع العربي... كلّ جذور هذه المشاكل لها سياق وبعد تاريخي. فما حصل للأيزيديين مثلاً اليوم، ليس أن داعش جاءت وحكمت باسم الإسلام فقط. الشيعة والسنة سبق وكفّروا الأيزيديين. تضيف: "أغلب ساسة العراق لا يقرأون التاريخ. لو قرأوا التاريخ جيداً لفهموا ما حدث الآن. لماذا ولّد داعش. كما أن العراق لا تبنيه طائفة واحدة ولا يُبنى بإقصاء الآخر".

قضية الهوية

قيل عن أمل الجبوري أنها شخصية عابرة للهويات، وهي تقولها صراحة: "أشعر أنني انتمي إلى فضاء الإنسانية بشكل كبير". لكنها بحثت في تحولات الهوية العراقية قديماً وحديثاً "مع سعي صدام حسين إحياء الهوية العراقية الرافدية بهدف القضاء على تأثيرات إيران طائفياً. إلى الهوية الإسلامية في مواجهة أميركا 1994. قضية الهوية شغلتني فلسفياً وفكرياً وشعرياً. وعبّرت عنها في دواويني الأولى التي كتبتها في العراق وفي منفاي في بافاريا.

التشظي الذي عاشته الهوية هو قتلٌ للذاكرة. أشعر أنّ الذاكرة تعرضت لعملية إبادة. لكن بلداننا تختزن حضاراتٍ لا يمكن أن تُمحى على الرغم من التحولات المريعة والزلازل".

كتبت الجبوري ذات يوم "النساء ينتظرن الحرية كي يوقفن مراسيم دفن الأيام والأطفال بانتظار الحرية".

كتبت ذات يوم أن "العراق لا يتسع إلا للموت" فهل يتّسع اليوم لأحلام، هل يتسع لخيبات؟

"نعم يتسع للأحلام. أعني بذلك أحلام الناس الذين يتطلّعون إلى عراق أفضل، إلى عراق هادئ إلى عراق نظيف لا يوجد فيه ظلم الأقوى وعراق غير طائفي ويتقبل الجميع".

هل كتبتِ شعراً بغير العربية؟ أسألها، فتجيب: "لا أقدر أن أحلم إلّا بالعربية ولا أقدر أن أحبّ إلا بالعربية ولا أقدر أن أشاكس إلا بالعربية، ليس تعصباً بل أحسّ أنّها لغة غنية تستطيع أن تتحمّل وأن تحمل".

ترجمت الجبوري قصائد للروائي والشاعر غونتر غراس الحائز جائزة نوبل للآداب العام 1999، ومنها "لا تلتفت الى الوراء" التي غنتها جاهدة وهبة، وأُعجب الشاعر أنسي الحاج بالقصيدة المغناة وسأل من عرّبها، ولما علم أن الترجمة للجبوري قال لها: "إرتكبت خيانات". وكشفت الشاعرة العراقية أنّها لجأت إلى القرآن الكريم واستبدلت جملة "أبطال تفوح منهم رائحة البطولة" بالنص الإنكليزي بـ"أبطال يعبقون برائحة البطولة"، وسبق للجبوري أن نظّمت أول زيارة للكاتب غونتر غراس إلى اليمن العام 2002 ضمن لقاء ضم نخبة من المثقفين منهم أدونيس ومحمود درويش ،عباس بيضون، حاتم الصكر، فخري صالح، وكتاب ناطقون باللغة الالمانية تحت شعار "في البدء كان الحوار". والحوار مع الجبوري وعوالمها رحلةٌ في فضاءات متشعّبة.