رفيق خوري

حكم المصارف والسلاح بلا دولة وسيادة

25 أيلول 2021

02 : 00

دقت ساعة الإحتفال بحصاد الجوائز بعد عام من لعبة الحواجز والحوافز: ولادة حكومة في نفق طويل لا أحد يعرف إن كان المحتفلون في الداخل والخارج يكملون الحفر فيه لإيجاد مخرج الى الضوء. ومن حق الرئيس إيمانويل ماكرون أن يوظف "المعجزة" التي ساهم في صنعها وسط العجز، بحيث تكون باريس الوجهة الأولى لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي ضيف الغداء في قصر الإيليزيه. ومن حق الرئيس إبراهيم رئيسي أن يحتفل بما هو أكثر من دون حاجة الى أن يكمل ميقاتي طريقه من باريس الى طهران. ومن حق الرئيس جو بايدن أن يتجاوز خطوطه الحمر وتحفظاته، فيوافق على حكومة لفرنسا وإيران في لبنان من باب الإشفاق على الوطن الصغير المدفوع الى الإنهيار. لكن من واجب اللبنانيين ان يتذكروا كيف قادت المصالح الى تغيير أساس المبادرة الفرنسية مع الإبقاء على العنوان، وأن يدركوا مخاطر اللعب الخارجي والتلاعب الداخلي بهم.

ذلك أن التفاهم الإقليمي والدولي الموقت يرافقه إنقسام محلي عميق، بصرف النظر عن إيصالنا الى حال نرى فيها أن الحصول على البنزين والمازوت والدواء والكهرباء "إنجاز تاريخي". ولا معنى للإنكار: لبنان خسر السيادة والدولة ومهدد بخسارة الهوية. والمعادلة فيه بالغة الخطورة في أي نظام ديموقراطي: سلطة ضعيفة، معارضة ضعيفة، ومتحكم قوي. ومرحباً رئاسة وبرلمان وحكومة وقضاء يهدده القدر. ومرحباً تسجيل إنتصارات في تأليف حكومة يوحي العهد أنه يحكمها، ويعرف أن من يتحكم بها حزبان: حزب المصارف بقيادة المصرف المركزي، وحزب السلاح بقيادة "حزب الله".

وإذا كانت الإصلاحات البنيوية التي يطالب بها اللبنانيون والمجتمع الدولي هي مفتاح صندوق النقد الدولي والصناديق الأخرى والعواصم، فكيف يمكن أن تصنعها التركيبة الفاسدة المشكو منها والتي تقف مصالحها ضد الإصلاحات؟ كيف تغلق الحكومة "المعابر غير الشرعية" وهي عاجزة حتى عن إعلان موقف من مرور صهاريج المازوت الإيراني من هذه المعابر، وسط إحتفالات وحشود شعبية ومسلحين؟ أليست المعابر غير الشرعية هي"الشرعية"؟

ماذا يبقى من الدستور والقوانين والقضاء حين يحتكم المطلوبون للقضاء الى المراجع الدينية؟ كيف نحافظ على هيبة القضاء ونصل الى الحقيقة وتحديد المسؤوليات والمحاسبة في إنفجار المرفأ، إذا كان المحقق العدلي يتعرض للتهديد الواضح من نافذ قوي، لأنه يريد الذهاب في التحقيق الى النهاية؟ ماذا يعني أن يعمد كل مطلوب للتحقيق الى إختيار المحقق الذي يريده عبر تقديم دعوى "الإرتياب المشروع" أو المطالبة بكف يد المحقق العدلي؟

لم يعد ينقصنا سوى محاكمة المحقق العدلي طارق بيطار لأنه نزيه وجريء. وفي كل ذلك حفاظ على الشكل عبر فذلكات قانونية، بحيث ينطبق علينا التعبير الإنكليزي الشهير: "محتوى قانوني لكنه ضار".