يوسف مرتضى

قمّة بوتين - أردوغان: تقاطُع المصالح وتناقُض الاستراتيجيات ما بعد أفغانستان

6 تشرين الأول 2021

02 : 01

لم تكن زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى روسيا في 29 أيلول المنصرم ونتائج مباحثاته التي لم تخرج إلى العلن مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتن منفصلة عن تطورات ما بعد الإنسحاب الأميركي من أفغانستان وتداعياته التي أرخت بظلالها على العلاقات الروسية - الأميركية وعلى أكثر من ملف في الشرق الأوسط وفي مقدمها الأزمة السورية.

الاتجاه العام لاستراتجية إدارة بايدن بعد الإنسحاب من أفغانستان حسب العديد من المراقبين بمن فيهم الروس، تقضي بالتفرغ الأميركي لمواجهة اندفاعة الصين الاقتصادية وإعاقتها بدءاً من فرملة طريق الحرير عبر آسيا الوسطى إلى بحر الصين والمحيط الهادئ، ومسألة استقلال تايوان من جهة، والسعي لمنع تحالفها مع روسيا من جهة ثانية، وهذا يتطلب حسب الخطة الأميركية العمل على إضفاء جو من التهدئة في ملفات الشرق الأوسط.

من هذه الخلفية احتل الملف السوري واحتمال انسحاب القوات العسكرية الأميركية من سوريا والعراق أولوية في المباحثات الأميركية الروسية التي أعقبت الانسحاب الأميركي من أفغانستان عبر الوفود الأميركية التي زارت موسكو في الآونة الأخيرة.

وحسب مصادر روسية قريبة من الكرملين، أن تقاطع مصالح أميركي - روسي قد برز في هذه الحالة. وملخّصها رغبة أميركية في التهدئة ومصلحة روسية في التخفيف والحد من العبء الاقتصادي والأمني في الميدان السوري، الذي لا يحد منه حسب الإدارة الروسية إلا التقدم بالحل السياسي وفق قرار مجلس الأمن الدولي 2254 كمدخل لا بد منه لإعادة إعمار سوريا وتوفير مئات مليارات الدولارات، الأمر الذي لا يمكن حصوله إلا بالإتفاق مع أميركا والغرب من جهة وعودة سوريا إلى الحاضنة العربية، أي الاتفاق مع السعودية تحديداً من جهة ثانية. على أن يجري التمهيد لذلك بخروج جميع القوى والميليشيات الأجنبية من الميدان السوري من جهة ثالثة.

في هذه الأجواء اندفع الجيش السوري بالتنسيق مع الحرس الثوري الإيرانــي والميليشات التابعـة له للسيطرة العسكرية على مدينتي درعا وإدلب بهدف عرقلة تلك المساعي وبما يعزز شروط هذا الفريق في أية تسويات يعد لها الأميركي مع الروسي.

تدخّل الروسي في درعا ومنع المواجهة ونشر الشرطة العسكرية الروسية فيها بعدما دخل في وساطة بين نظام الأسد وقوى المعارضة السورية، أفضت إلى تموضع نقاط تفتيش للجيش السوري في المدينة، على أن يبقى الأمن في درعا البلد تحت رعاية الشرطة العسكرية الروسية وتسليم التنظيمات العسكرية المعارضة ما لديها من أسلحلة ثقيلة للجانب الروسي.

وللإحاطة بما يمكن أن يكون قد جرى التوافق عليه بين الجانبين الروسي والأميركي، زار وزير خارجية العدو الإسرائيلي موسكو وسمع فيها تعهداً روسياً رسمياً بعدم السماح بأي تهديد لأمن إسرائيل من الأراضي السورية والتأكيد على إبعاد الميليشيات الإيرانية 80 كلم شمال دمشق. ثم زار أو استدعي الرئيس السوري بشار الأسد إلى موسكو والتقى الرئيس بوتين الذي تطرق معه إلى الحاجة الملحة لتثبيت الوضع الأمني في درعا وإدلب من ضمن اتفاقية مناطق خفض التصعيد، وطلب إليه ضرورة تسهيل عمل اللجنة الدستورية كمقدمة لولوج التسوية السياسية على أساس قرار مجلس الأمن الدولي 2254، فتحدد موعد لاجتماعها في الخامس عشر من شهر تشرين الأول الجاري . كما كان بحث معمق بين الرئيسين حول كيفية مواجهة التحديات الاقتصادية التي تواجه سوريا وما يثقل الكاهل الروسي جراء ذلك.

في هذا السياق من التطورات جاءت زيارة العمل للرئيس التركي إلى موسكو. وعلى الرغم من سرية المفاوضات التي جرت بين رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين، فإنه لا يمكن إغفال أهمية المصالح المتبادلة ذات الطبيعة الاقتصادية بين البلدين، مثل أهمية خط أنابيب الغاز التركي ستريم، ومحطة أكويو للطاقة النووية قيد الإنشاء، ومبادرات أردوغان لمساعدة روسيا في مكافحة حرائق الغابات وإمداد تركيا بـ إس-400 من أنظمة الدفاع الجوي، وهذا لم يمنع التطرق إلى التعقيدات والتناقضات في العلاقة بينهما في قضايا تحتل أهمية استراتيجية عند كل منهما خاصة في سوريا وليبيا وناغورني كاراباخ، وشمال القوقاز وأوكرانيا وآسيا الوسطى.

ومعلوم أن أردوغان نجح في تعميم الآراء والأفكار الإسلامية والتركية لحزب العدالة والتنمية وتمددها عبر كامل مساحة الإمبراطورية العثمانية السابقة، بما في ذلك دول البلقان ودول ما بعد الإتحاد السوفياتي (جورجيا وأذربيجان ووسط روسيا) والبلاد الطورانية في آسيا الوسطى، ومؤخراً في التعاون السياسي والعسكري التقني بين أنقرة وكييف، ما يثير بشدة، قلق الكرملين من احتمال توظيف هذا التمدد الأردوغاني في مصلحة الخطة الأميركية لمحاصرة روسيا.




وبعد التحركات العسكرية لجيش النظام السوري مدعوماً من الحرس الثوري وميليشياته باتجاه إدلب، ساور أردوغان الكثير من القلق من احتمال أنه بعد انسحاب القوات الأميركية وحلف شمال الأطلسي من أفغانستان، أن يتولد لدى الأسد وشركائه (إيران وروسيا) أمل في أن تغادر القوات الأميركية قريباً من شمال شرق سوريا، تاركة الحكم الذاتي الكردي في الحسكة ومناطق عربية أخرى الخارجة عن سيطرة دمشق، بأن تسعى هذه الأخيرة وبدعم من القوات الجوية الروسية لإعادة بسط سيطرتها على حقول النفط والغاز في شمال شرق الفرات. بينما ترمي خطة أردوغان للدخول إلى الضفة الشرقية لنهر الفرات بقواته أو بأدواته من المعارضة السورية المسلحة لنزع سلاح الأكراد. هذا كان الموضوع الأساسي الذي سيطر على أجواء المباحثات بين بوتين وأردوغان في سوتشي والتي انتهت بدون بيان أو مؤتر صحافي مشترك ما أثار الكثير من التساؤلات لدى المراقبين حول نتائجها.

وفي خلاصة ما رشح عن تلك القمة حسب المصادر الروسية، يظهر أن أردوغان تمكن مرة أخرى من إقناع بوتين بأن تصعيد الصراع المسلح في إدلب وحولها لا يلبي مصالح روسيا. ووفقًا لأنقرة، فإن الأعمال العدائية واسعة النطاق، ستؤدي إلى تدفقات جديدة من اللاجئين وبالتالي إلى زعزعة استقرار الوضع في المنطقة برمتها.

لذا بات على الأرجح، أنه سيتم تجميد الصراع السوري مرة أخرى، في وقت تسرّب تأكيد غير مباشر عن قمة سوتشي مفاده، أن تفاهماً قد حصل بين بوتين وأردوغان على بداية انسحاب للقوات التركية إلى الحدود التركية السورية.

وحسب بعض الخبراء الروس، فإن القيادة الروسية ترى أنه طالما أن التسوية السياسية في سوريا لم تسلك طريقها العملي بعد، ستبقى موسكو مضطرة للمناورة من أجل الحفاظ على توازن المصالح في سوريا لشركائها الإقليميين في شخص الأسد وأردوغان وآيات الله الإيرانيين. وفي هذا الوقت سيبقى الشعب السوري محروماً من فرصة اختيار سلطته ويظل رهينة الألعاب العسكرية والسياسية للدول الأجنبية في المدى المنظور.

وعلى الرغم مما تشهده بعض ملفات المنطقة من انفراجات في الظاهر، بما في ذلك التحرك الأميركي والفرنسي باتجاه السعودية وطرح موضوع التسوية في اليمن، والمفاوضات الإيرانية السعودية برعاية الحكومة العراقية، ورفع بعض عقوبات قيصر عن سوريا تسهيلاً لإمداد الكهرباء من الأردن إلى لبنان عبر سوريا، وتشكيل الحكومة اللبنانية، فإنه لا يوجد حسب المعطيات المتوفرة وتقديرات بعض الخبراء الروس ما يدعو للتفاؤل بالمدى المنظور إلى التوقع أن تركيا أو إيران ستساهمان في حل سلمي للصراع السوري. كما أن الأمل ضئيل في أن توافق إدارة بايدن على انسحاب القوات الأميركية من شمال شرق نهر الفرات، في وقت لا يخفي الحلفاء الإقليميون للولايات المتحدة (إسرائيل والأردن ودول الخليج ) اهتمامهم بالحفاظ على الوجود العسكري الأميركي في شمال شرق الجمهورية العربية السورية.

لذلك المنطقة اليوم تظللها تفاهمات هشة لترسيخ التهدئة بانتظار اكتمال العناصر الإقليمية والدولية للتسويات، ومفتاح ذلك هو في ما ستؤول إليه مفاوضات فيينا .


MISS 3