كلير شكر

هل يفجّر سلاح "حزب الله"... مشروع وحدة المعارضين؟

11 تشرين الأول 2021

01 : 59

لا سبيل لمعركة نيابية ناجحة إذا لم تتوحّد المعارضات

كان من الطبيعي أن تفرز التحركات الميدانية الاعتراضية، قوى سياسية جديدة ولو أنّ بعضها لديه تجارب حزبية أو سياسية سابقة، ذلك أنّ حالة النقمة التي تسود الرأي العام ازاء المنظومة السياسية التقليدية، ستؤدي بطبيعة الحال إلى انتاج أطر سياسية جديدة ذات خطاب وتوجه معارضين يعكسان حالة الغضب السائدة في الشارع والساعية نحو التغيير.

ولهذا، بدت الساحة اللبنانية خلال الأشهر الأخيرة، أشبه بـ"حقل فطر" ينمو سريعاً على ضفاف القوى التقليدية ويسعى في ما بينه لنسج شبكة أمان سياسية تسمح لكل الأطر الوليدة حديثاً في الإلتقاء. تدرك هذه القوى الجديدة أنّ لا سبيل لخوض المعركة النيابية بنجاح اذا لم تقدّم نفسها كإطار موحد أو ائتلاف موحد لتقنع الرأي العام الناخب بأنها بديل نموذجي لتحلّ محلّ السلطة. وفي هذا التحدي لا مجال للمساومات كثيراً. فإما يحصل وإما لا يحصل. صحيح أنّ هذا المسار التفاهمي يحتاج إلى وقت ومجهود ولكن لا يمكن للقيّمين عليه النوم على وسادة من حرير... كما هو حاصل راهناً. فالاستحقاق النيابي داهم وروزنامة المواعيد باتت على قاب قوسين من فرض نفسها، ولذا الحاجة إلى ايجاد قواسم مشتركة، وعلى نحو سريع، صارت ملحّة.

على هذا الأساس، تحاول هذه المجموعات الخارجة من التحركات الشعبية، العمل في ما بينها لوضع أسس مشتركة تمكنها من خوض الاستحقاق النيابي بجدية وعلى قدر عالٍ من التنافسية التي تساعدها على تحقيق نتائج جدية. الاجتماعات بين هذه المجموعات تجري على قدم وساق، بالتوازي يعمل كل منها على خطّ مواز، وبشكل مستقل استعداداً للانتخابات من خلال تجهيز اللوائح والمرشحين والماكينات الانتخابية، بانتظار ساعات الحسم التي ستتحدد خلالها كيفية مواجهة قوى المنظومة السياسية. لكن الأخيرة تعرف كيف تلعب على التناقضات التي تنخر في عظام المجموعات المعارضة التي تعاني أصلاً من اعتبارات معقدة وأجندات مخفية، فضلاً عن بعض ارتباطات مع قوى سياسية، وحسابات بعض الشخصيات المستقلة الرئاسية.

أولاً، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ عامل الوقت ليس في مصلحة هذا الفريق، وما سعي المنظومة الحاكمة إلى تقريب موعد الانتخابات إلا من باب زرك خصومها في زاوية الاستعدادات المنقوصة، التي قد تعاني منها المعارضة الحديثة، ما يفسح المجال أمام الاحزاب التقليدية، وبينها معارضون أيضاً، للانخراط في العملية الانتخابية بشكل مريح. ولهذا، لا يُفهم من المماطلة التي تطبع مسار المشاورات بين المجموعات المعارضة، إلا بكونها عاملاً سلبياً من شأنه إمّا أن يضيّع فرصة الاستعداد جيداً ومواجهة الخصوم على نحو جدي، وإما يضيّع فرصة الإئتلاف لخوض المعركة تحت مظلة واحدة، ليعود كل منها إلى خندقه لمواجهة الانتخابات على نحو فردي. وهذا ما تراهن عليه السلطة.

ثانياً، يبيّن فحوى الاجتماعات التي تعقد بين هذه القوى أنّ ثمة خلافاً جوهرياً حول الأولويات. هل يفترض أن تكون سيادية؟ أم إصلاحية فقط تهدف إلى "قبع" المنظومة أو ضربها بالصميم بالحدّ الأدنى؟ اذ يفيد المطلعون أنّ ثمة انقساماً حاداً بين مكونات هذه المجموعات، يحول حتى الآن دون تفاهمها الانتخابي. اذ يصرّ الفريق الموصوف بـ"اليمين"، ومنه "حزب الكتائب" والمجموعات القريبة منه أن يكون العنوان السيادي، وتحديداً سلاح "حزب الله" هو الممر الإلزامي للتحالف، ليكون التفاهم حول هذه المسألة، سابقاً لأي تحالف انتخابي، فيما ترفض مجموعات أخرى موصوفة بـ"اليسار" كـ"الحزب الشيوعي" و"التنظيم الشعبي الناصري"، و"مواطنون ومواطنات" (شربل نحاس) والقوى القريبة منهم، هذا المنطق وتعتبر أنّ الأولوية هي للعنوان الإصلاحي والدفع باتجاه تغيير المنظومة السياسية برمتها.

هنا، لا بدّ من الإشارة إلى أن الأحزاب اليمينية تعاني من أزمة المزايدة الشعبوية ازاء القضايا السيادية تجاه خصومها، وتحديداً "القوات" التي ترفع السقف عالياً في هذا الشأن، ولهذا تسعى هذه المجموعات إلى فرض هذا العنوان كمعبر إلزامي للتفاهم الانتخابي لاعتقادها أنّه السلاح الأمضى لكسب ثقة الشارع المسيحي، وتحديداً ذلك المتسرّب من "التيار الوطني الحر". الأمر الذي لا يلاقي إلى الآن قبولاً من الأطراف الأخرى، ويحول حتى اللحظة دون وضع صيغة انتخابية-إئتلافية.

ثالثاً، تشكل العناوين الاقتصادية-الاجتماعية موضوع خلاف بين هذه القوى المتباينة في جذورها السياسية وفي رؤيتها الاقتصادية والاجتماعية، ومع ذلك يقول المطلعون إنّ هذا الجانب بالذات قابل للمعالجة والتفاهم.

في هذه الأثناء، ستواجه هذه المجموعات استحقاق نقابة المحامين الذي سيجرى الشهر المقبل، على أمل أن يتكرر مشهد انتخابات نقابة المهندسين في التفاهم بين القوى المعارضة وفي تحقيق النتائج. إلا أنه حتى الآن، كما يقول المطلعون، فإن مشاورات هذه القوى لم تفضِ إلى تفاهم على مرشح واحد، بعدما طرحت "الكتلة الوطنية" ترشيح رمزي هيكل فيما طرحت مجموعة "مواطنون ومواطنات" ترشيح المحامي موسى خوري، ثم طُرح سيناريو الاتفاق على مرشح توافقي ثالث، إلّا أنّ محامياً من الحراك عاد وخربط الطرح، حيث يبدو أنّ الاتجاه هو لخوض المعركة بشكل منفصل، وقد يكون هناك أكثر من مرشح للمعارضة.

بالنتيجة، تترك هذه القوى مساحة اضافية للتشاور قبل أن تحسم خياراتها الانتخابية، ويقول المطلعون إنّ هذه المجموعات تعطي لنفسها مهلة يفترض أن تنتهي نهاية العام الحالي، قبل أن تقرر ما اذا كانت ستنجح في التفاهم لمواجهة الاستحقاق ضمن تحالف واحد يخوض المعركة على امتداد مساحة الوطن، أم أنّها ستتفرّق إلى مجموعتين أو أكثر.