رفيق خوري

السلطة و"حزب الله" في ورطة مزدوجة

16 تشرين الأول 2021

02 : 00

(فضل عيتاني)

ليس الإحتكام الى الشارع بدل الإحتكام الى القضاء سوى خطوة في مسار تتصور قوى "الممانعة" أنه يقترب من محطته النهائية. مسار الهيمنة بالتدرج على السلطتين التشريعية والتنفيذية والإمساك بالقرار السياسي والأمني وحق الفيتو في القرار الإقتصادي والمالي. والخطوة الأخيرة في انتظار خطوات أخرى هي القضاء على القضاء. وما حدث ليس صاعقة في سماء صافية. فالعاصفة كانت تتجمع منذ مدة في الصراع على روح لبنان. لكن ما جاء ليس العاصفة المطلوب أن تهب عبر إنتفاضة شعبية عابرة للطوائف والمناطق ضد الظلم السياسي والإقتصادي والمالي والإجتماعي، اللاحق باللبنانيين الذين صار ثمانون بالمئة منهم تحت خط الفقر. فما هبّ هو عاصفة فئوية ضد العدالة والوصول الى الحقيقة في الجريمة التي هزت لبنان والعالم، وهي الإنفجار الرهيب الذي قتل وجرح الآلاف ودمر المرفأ وأجزاء من بيروت. ما يجب أن يحدث لم يحدث، وما لا يجوز أن يحدث حدث.

كان لا بد من تهيئة المناخ الملائم لهبوب العاصفة. المطالبة بوقف ما سمي "التسييس والإستنسابية" في التحقيق. النجاح في كف يد المحقق العدلي الأول فادي صوان. ربط ما يقوم به المحقق العدلي الثاني طارق البيطار بـ"مؤامرة أميركية - إسرائيلية - سعودية" على "حزب الله" والمقاومة الإسلامية. تقديم كل أنواع الدعاوى أمام محكمة الإستئناف ومحكمة التمييز لكف يده. تهديد معلن على لسان المسؤول الأمني وفيق صفا بـ"قبع" البيطار. تهويل بالويل "لقاضي الأرض من قاضي السماء". وحين فشلت تلك الوسائل في التأثير على المحقق الشجاع، قرر السيد حسن نصرالله مباشرة على الهواء إصدار "أمر" بتغيير المحقق، وترك لرئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء ترتيب "الإخراج" المناسب. وهكذا وقعت الرئاسة والحكومة في ورطة، لكن "الثنائي الشيعي" أدخل نفسه في ورطة أيضاً.

ورطة السلطة تبدو من النوع المسمى "كاتش22". إذا رضخت لمطالب "الثنائي الشيعي" بتغيير المحقق العدلي، حكمت على نفسها بالإعدام شعبياً ودولياً. وإذا تمسكت بالموقف الدستوري والقانوني، طارت الحكومة ودخل البلد في لعبة شارع مقابل شارع على الطريق الى حرب أهلية. كذلك الأمر في ورطة "الثنائي الشيعي" و"حزب الله" بشكل خاص. فماذا يفعل السيد نصرالله إذا بقي البيطار في موقعه؟ التراجع صعب وبالغ الكلفة. والتقدم يتطلب إكمال "الإنقلاب" غير المعلن وإعلان الإمساك بالسلطة كلها رسمياً. وهذا يفتح باب حرب أهلية لا نهاية لها. ويفرض على "حزب الله" إما مواجهة حرب شاملة مع إسرائيل تؤذيها لكنها تدمر لبنان، وإما التوصل الى "ترتيب أمني" يفقده مبرر حمله للسلاح ويفقد إيران سلاح مشروعها الإمبراطوري، وهو العداء لإسرائيل.

وليس أخطر من هذه الورطة المزدوجة سوى توقيتها. فالبلد في هاوية أزمات عميقة. ولا مخرج له إلا إجراء الإصلاحات للحصول على مساعدات من الغرب والعرب.

و"ما أكثر العبر وأقل الإعتبار"، كما قال الإمام علي.