باتريسيا جلاد

لا علاقة لنتائج "ألفاريز آند مارسال" بالمفاوضات مع صندوق النقد وخطّة الحكومة

التدقيق الجنائيّ لن "يشيل زير" الأزمة الماليّة "من البير"

22 تشرين الأول 2021

02 : 01

التدقيق الجنائيّ يعني التدقيق التشريحي المحاسبي بناء على دراسة البيانات وتحليل خلفيتها
باشرت شركة استشارات إعادة الهيكلة "ألفاريز آند مارسال" أمس رسمياً التدقيق الجنائي المالي في مصرف لبنان، وذلك تعقيباً على العقد الجديد الموقّع مع وزير المالية يوسف الخليل في 27 أيلول الماضي. ومن المتوقّع كما أعلنت الشركة أن تقدم التقرير المبدئي لخليل خلال 12 أسبوعاً من تاريخ مباشرة فريق عمل الشركة مهامه أي في 20 كانون الثاني. وفي الفترة التي تسبقها بقليل أي قبل رأس السنة توقّع صندوق النقد الدولي مباشرة المفاوضات رسمياً مع لبنان. ويتزامن ذلك مع خطّة الحكومة التي هي قيد الإنجاز. ما يطرح تساؤلات حول فعالية التدقيق اولاً وتداعياته المحتملة على المفاوضات وعلى خطة الحكومة؟





لا يعلّق الخبراء الماليون والإقتصاديون الآمال الكبيرة على النتيجة التي سيخرج بها فريق عمل شركة Alvarez & Marsal، لأنه لن يتبين للمحقّق آلية صرف الأموال ومن حصل على شحنة المازوت على سبيل المثال المستوردة، بل فقط سيقتصر عمله على التأكد من أن الأموال التي خرجت مطابقة للأوراق والفواتير.

فأبرز ما يجب التوصّل اليه في التدقيق الجنائي بحسب الخبراء الماليين، هو تبيان حسابات المصرف المركزي وودائع المصارف وقيمتها وقيمة الهندسات المالية التي جرت وعلى اي أساس تمّ احتسابها. فحتى التحويلات الخارجية لن يتمّ كشفها كونها لا تتم عبر مصرف لبنان. أما الحسابات التي تسلّم الى الوزارات فهي موجودة، لكن يجب اكتشاف كيف تمّ صرف وهدر تلك الأموال في الوزارات، هل وفق القاعدة الإثني عشرية للموازنة أو وفق التحويلات؟ الأمر الذي لن يحصل.



غسان شمّاس



ويعتبر المستشار المالي والإقتصادي غسان شمّاس خلال حوار مع "نداء الوطن" حول نتائج التدقيق وتداعياته على المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، أن "التدقيق الجنائي من حيث المبدأ موضوع داخلي، وصندوق النقد الدولي يمكنه الإعتماد على نتائجه لدفع الحكومة باتجاه ضرورة القيام بالإصلاحات فقط"، مؤكّداً في هذا السياق على أنه "لا توجد تداعيات مباشرة للتدقيق على المفاوضات مع صندوق النقد، اذ أنه لا علاقة لنتائج التدقيق الجنائي بالبدء بالمفاوضات، فالأخيرة بدأت اصلاً، والمفاوضات مشروطة بعرض الدولة اللبنانية للمعضلات التي لديها".

لافتاً الى أن "تداعيات التدقيق قد تكون ايجابية لجهة مطابقة الأرقام الصادرة عن التدقيق الجنائي مع ارقام المصرف المركزي لناحية الحسابات الموجودة لديه والتي تعود للبنوك"، معتبراً أنه لغاية اليوم لا يوجد رجاء من فعالية التدقيق الجنائي".


مايك عازار



لا نتيجة فعلياً

بدوره رأى الخبير الإقتصادي والمالي مايك عازار خلال حديث مع "نداء الوطن" أن "كل المؤشرات تدلّ على أنه، لا نتيجة فعلية من هذا التدقيق الجنائي المالي الذي يحصل على مصرف لبنان. فالبنك المركزي يرسل المعلومات او الأوراق المطلوبة من شركة التدقيق الى وزارة المالية التي بدورها ترسلها الى فريق عمل شركة "الفاريز ومارسال"، الذي لديه مكتب في وزارة المالية حيث تتمّ دراسة الملف. وفضلاً عن ذلك إن من يدير العملية هو وزير المالية وكان مسؤولاً في مصرف لبنان وبالتالي تنطبق عليه مقولة تضارب المصالح".

وبالنسبة الى خطة الحكومة التي ستنفذها، قال "ستتحول الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي. واذا لم تخرج الحكومة بخطة في كانون الثاني أو شباط من العام 2022 فذلك يعتبر مشكلة كبيرة على ابواب الإنتخابات النيابية في آذار، ما يعني أنه لن تكون هناك خطة". لافتاً الى انه "إذا كانت ارقام التدقيق الجنائي متباينة عن تلك المقدمة من مصرف لبنان قد يعاد النظر بها في خطة الحكومة، عدا ذلك لا علاقة لخطة الحكومة بنتائج التدقيق وهي سارية".

فليست المرة الأولى التي توقّع وزارة المالية عقداً مع "ألفاريز آند مارسال" للكشف على حسابات مصرف لبنان، بل سبق أن وقّعت عقداً مع وزير المال السابق غازي وزني، ما لبثت أن أنهته في تشرين الثاني الماضي بحجّة عدم تلقيها المستندات التي تحتاجها من مصرف لبنان بسبب معارضة ذلك لقانون السرية المصرفية. وبناءً على ذلك أقر مجلس النواب، قانوناً نص على تعليق العمل بالسرية المصرفية لمدة عام لفتح المجال أمام إعادة إطلاق التدقيق الجنائي.


بول مرقص



ماهية التدقيق من الناحية القانونية

لكن ماذا يعني التدقيق الجنائي من الناحية القانونية والذي يجري للمرة الأولى في تاريخ لبنان، وماذا يختلف عن التدقيق الذي كانت تقوم به شركتا "ديلويت أند توتش" و"ارنست أند يونغ" على البنك المركزي منذ العام 1993، لتدقيق بيانات مصرف لبنان المالية وسائر بيانات الشركات التي يملك أسهمها أو يسيطر على قرارها؟.

أوضح رئيس منظمة "جوستيسيا" للإنماء وحقوق الإنسان المحامي د. بول مرقص لـ"نداء الوطن" أن "التدقيق الجنائيّ يذهب إلى أبعد من التدقيق المعروف بالمستندات والأرقام، وهو مسار يستمرّ لأشهر، ويصل إلى محاولة اكتشاف عمليات الغش والتزوير واختلاس الأموال العامة في حال حصولها، وذلك يكون عادةً تمهيداً لتكوين ملف قضائيّ جزائيّ، خلافاً للتدقيق المالي العادي الذي يسعى إلى مطابقة الإدارة المالية مع المعايير المحاسبيّة".

وأضاف: "الأهمّ قانونياً، أنّ التدقيق الجنائيّ يعني التدقيق التشريحي، أي إجراء تدقيق محاسبي يقوم على دراسة البيانات وذلك من خلال تحليل خلفيتها ومدى انطباقها على المبادئ القانونية، بينما يسعى التدقيق المحاسبي العادي إلى التحقّق من الأسس الظاهرة للقيود من دون البحث في خلفيتها".

وهنا ذكّر مرقص بالتدقيق الجنائي الذي اعتمد في أكثر من دولة، وقال "جرى التدقيق مع حكومة بوريس يلتسن بعد سقوط الإتحاد السوفياتي، عندما كلّفت شركة تدقيق عالميّة بما نقوم به حالياً، إذاً ما هو نطاق المهمّة وهدفها؟ ولماذا لم يشمل سائر الإدارات والمؤسسات والصناديق؟ وماذا إذا اكتشفت مخالفات افتراضاً؟ هل ثمة قرار بالتضحية بزبائن الجماعات السياسية؟

حول ذلك قال "إنّ عملية الإصلاح لا تقتصر فقط على عملية التدقيق الجنائي، وبالتالي يجب ألا يتم الربط بين التدقيق بحسابات المصرف المركزي وبين الإصلاح ككلّ، كما أنه لا يمكن حصر التدقيق في المصرف المركزي، بل عليه أن يشمل جميع الحسابات المشكو منها، سواء في مؤسسة كهرباء لبنان أم في الوزارات..." اذاً لغاية اليوم اقتصار التدقيق الجنائي على مصرف لبنان غير كاف بحدّ ذاته، وليؤتي ثماره يجب ان يطاول سائر الإدارات الحكومية والوزارات كي يخرج بالنتيجة المرجوة، الأمر الذي لم يتمّ اعتماده بعد.