جان الفغالي

جوزاف عون بين فؤاد شهاب وابراهيم طنّوس

22 تشرين الأول 2021

02 : 00

اللبناني يهوى المقارنات، حين يُعيَّن وزير خارجية لا يعجبه، ويعتبره "مش معبَّا مطرحو"، يسارع إلى القول: "ألله يرحم كميل شمعون وفؤاد بطرس وشارل مالك"، وإذا تمّت تسمية إحدى الشخصيات لتشكيل الحكومة ولا تكون هذه الشخصية على ذوقه، يسارع إلى التحسر بالقول: "الله يرحم رياض الصلح وتقي الدين الصلح وصائب سلام". وحين يتم تعيين مدير للمخابرات في الجيش اللبناني، لا يجده على قَدْر القيمة والمكانة والموقع والمسؤولية، يعلِّق: "الله يرحم غابي لحود".

وحين يُعيِّن مجلس الوزراء قائداً جديداً للجيش لا يدعو إلى الارتياح، يترحَّم اللبناني على اللواء فؤاد شهاب والعماد ابراهيم طنوس اللذين لم ينغمسا لا في فساد ولا في إثراء مثير للجدل، ولا في مغامرات عسكرية غير محسوبة النتائج، ولا في اتفاقات تسببت في تصديع السيادة اللبنانية، ولا في تردد وتخبط في اتخاذ القرارات.

فاللواء فؤاد شهاب اجتمع مع اقوى رئيس دولة عربية، الرئيس جمال عبد الناصر، في خيمة نُصبَت على الحدود اللبنانية - السورية، فيما العماد اميل بستاني وقّع في مصر "اتفاق القاهرة" مع رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، بما شكَّل بدء انتهاك السيادة اللبنانية. كان بإمكان العماد بستاني الا يوقِّع، لكن دغدغة كرسي رئاسة الجمهورية داعبت طموحاته التي لم تكتمل، فخرج من اليرزة ولم يدخل إلى بعبدا.

اللواء فؤاد شهاب مات فقيراً ولم تظهر عليه مظاهر الثراء، لا هو ولا احد من افراد عائلته وأقاربه.

مناقبية اللواء شهاب تأثَّر بها العماد ابراهيم طنوس. على عهده في قيادة الجيش، في مطلع عهد الرئيس امين الجميل، أُبرِمَت أكبر صفقة شراء اسلحة من الولايات المتحدة الأميركية، عرَّاب الصفقة كان مستشار الرئيس الجميِّل، سامي مارون، لو كان على رأس قيادة الجيش غير العماد طنوس، لكانت أثيرت شبهات حول عمولة تقاضاها، لكن العماد طنوس خرج فقيراً من الجيش ومات فقيراً. فبعد خروجه من الجيش، أدار معملاً لأحجار البناء كان يملكه، وكان يعمل مثله مثل اي صناعي. كان يقود شاحنة الأحجار إلى الوجهة المطلوبة، ولم يكن أحدٌ يدري أن السائق كان يوماً ما مسؤولاً ترتجف له أعتى الشخصيات.

العماد جوزاف عون فيه من "عشق النظام والإدارة" ما كان لدى الرئيس فؤاد شهاب، ومن المناقبية العسكرية الصارمة ما للعماد ابراهيم طنوس. لم يقم بمغامرات عسكرية محفوفة بمخاطِر وأعطت نتائج عكسية، لم يُغطِّ فضيحة العصر المتمثلة بتسهيل الدخول الى المدرسة الحربية لقاء مبالغ طائلة، تعايش بقهرٍ وصبر مع وزيرِ دفاعٍ وأكثر، وبقي صامتاً وصابراً على حملات خيضَت ضده، بعضها علني وبعضها بين جدران أربعة سواء في منتجعات أو في مرتفعات، وزراء شاركوا في الحملات عليه، يوجِّهون اليوم رسائل اعتذار وندم في محاولة للإيحاء بأن هناك مَن حرَّضهم ولم يكونوا قادرين على عدم التنفيذ على قاعدة " نفِّذ ولا تعترِض".

يخوض العماد جوزاف عون مواجهة تكاد أن تكون أشرس مما واجهه اللواء فؤاد شهاب والعماد ابراهيم طنوس. اللواء شهاب واجه مَن كان يسميهم Les fromagistes، أي "أكَلَة الجبنة" في الإدارة والسياسة، والعماد ابراهيم طنوس واجه كثرة الحملات وقلة الوفاء، "فاقترعوا على رأسه في "خلوات بكفيا"، وكان آخر الكبار، ما قبل الطائف، على رأس قيادة الجيش.

أما جوزاف عون فيواجِه fromagistes أكثر جشعاً وأكثر نهماً، كما يواجِه متربِّصين به ينتظرونه عند أول هفوة ليصرخوا: "أصلبوه".

جوزاف عون لم يتلهَّ على "طاولة بوكر" وعلى "طاولة 14"، لم يتسمَّر أمام شاشة بورصة.

لا يدخل في لعبة مراهنات، لا يراهن، بل يراهنون عليه. فالـ "واو ونون الجمع" تزداد يوماً بعد يوم.