سناء الجاك

دجّالون

27 تشرين الأول 2021

02 : 00

واضح أن الحاكم بأمره يستخدم تقنية الإستشراس هذه الأيام. فهو يتفنّن في وضع معادلات دموية يلوِّح بها، ليصل إلى تسوية تعتمد الإبتزاز لصون مصادرته السيادة من خلال التصعيد الأمني والإعدام السياسي لمن يعرقل له أجندته.

هو يبيعنا شروطه للرضوخ مقابل صمود الهيكل المتهاوي بإستقرارٍ هشٍ يحتاجه على قياسه وحده، لذا يلعب بالسلم الأهلي مستنداً إلى ثلة من الدجالين الذين يمثلون أنهم حريصون على الميثاقية والعيش المشترك، وما إلى ذلك من شعارات أُفرغت من مضمونها ولا وظيفة لها إلا الإبتزازات الصغيرة.

وواضحة شروطه ليوقف لعبته الدموية إستناداً إلى فائض قوته، ليس فقط من خلال المئة ألف مقاتل الحاضرين لدكّ الجبال، ولكن من خلال التحكم بمفاصل في إدارات الدولة، وتحديداً في الجيش والقضاء ليُخضع مفاصل أخرى لا تزال تستعصي عليه.

وواضح أن الدجالين الذين وكَّلهم بإدارة البلاد يلتزمون بالتعليمات، وإلا تُسحَب الوكالة. وهنا لا تمايز بين رأس الهرم وتدرجاته من مقام رؤساء ثلاثة وتحتهم هيكلية الأوركسترا المرافقة، ليؤدي كلٌّ منهم من موضعه وظيفته.

وهذه الوظيفة تقتضي النأي بالنفس عن لجم التصعيد وفق الأجندة المضطربة هذه الأيام، وصولاً إلى الهستيريا العابرة للمناطق والطوائف. فهي المطلوبة حتى يحافظ الحاكم بأمره على تحكّمه بمفاصل الدولة، ويتخلص من كل شائبة تؤرق مصادرته السيادة، وتؤشِّر إلى إمكانية مزيد من الهزات لتطيح بالوعي الاجتماعي المفروض قمعه وإعادة اللبنانيين إلى حظائر الطائفية والمذهبية... ولا شيء آخر.

فالشيء الآخر ممنوع، سواءً كان القرار الظني بجريمة تفجير المرفأ او الإستحقاق الإنتخابي الذي يمكن أن يفتح باباً من إبواب التغيير الفعلي، ما يمهد بالتالي، لتدحرج دومينو السلطة التي إستوجب بناؤها "تضحيات"، لا يزال يمنّننا بها، عبر حروب وإغتيالات وتفجيرات وأحداث أمنية وترهيب للحالمين بوطن له مقوماته الطبيعية.

صحيح أن اللبنانيين دفعوا ثمن هذه "التضحيات" من دمائهم ومصادر رزقهم وأمانهم المالي والإجتماعي والأمني، لكن الصحيح أيضاً أن الحصيلة تجلت في إلتزام الدجالين تنفيذ أهداف رأس المحور.

وواضح إرتياح الحاكم بأمره إلى هرمية التنفيذ. كلٌّ يؤدي دوره، لجهة الفتك بالدستور والإعتداء على الصلاحيات والتعطيل المبرمج والشلل المفروض حتى إشعار مجهولة مواقيته.

أما على أرض الواقع اللبناني فالأسوأ يليه ما هو أسوأ منه.

والأهم أن الدجّالين في هذه المنظومة لا يفوِّتون فرصة لنهش المكاسب في التعيينات وغيرها على هامش صراعاتهم الظاهرية، التي لا ترمي إلا إلى شدّ العصب بغية إستعادة بعض الزخم الشعبي الذي أطاح به قرف الناس من قذارتهم وكذبهم، ومؤتمراتهم الصحافية وإطلالاتهم الإعلامية المفتعِلة الغيرة على مصالح الشعب.

فكل ما نشهده في أداء الدجّالين، في هذه المرحلة تحديداً، يبعث على ما يتجاوز الإرتياب المشروع إلى الإدانة المشروعة. مقيت تواطؤهم من أجل مكاسبهم الرخيصة مقابل الإرتضاء بالعمل تحت إمرة الحاكم بأمره، وتسهيل إستمراره في مصادرة السيادة من خلال إعدام مفهوم الدولة والمواطنة.

الدجّالون في أدائهم الباعث على الإدانة المشروعة هو أفعل من المئة ألف مقاتل الذين يدكّون الجبال، لأنّهم بدجلهم يؤمنون الغطاء لمشروع مصادرة السيادة. والمطالبة برحليهم ينزع عن الحاكم بأمره وعن محوره غطاءً يشرعن وجوده ويسهّل له إرتكاب جرائمه.