راي تاكيه

القنبلة النووية ونتائجها العكسية على إيران

29 تشرين الأول 2021

المصدر: Foreign Affairs

02 : 01

بعد سنوات من الجهود الدبلوماسية المتوترة والمتقطعة، يُفترض أن تدرك جميع الأطراف المعنية اليوم أن حل المسألة النووية الإيرانية لن يحصل عن طريق التفاوض. ورغم إصرار الرؤساء الأميركيين ورؤساء الوزراء الإسرائيليين على إبقاء جميع الخيارات قيد النقاش، من المستبعد أن تستعمل الولايات المتحدة أو إسرائيل القوة العسكرية المباشرة للتخلص من برنامج إيران النووي. حان الوقت إذاً لتخيّل شكل العالم بعدما تصبح إيران مسلّحة نووياً.

يميل منتقدو الحُكم الديني في طهران إلى اعتبار هذه النتيجة كابوساً حقيقياً. لكنّ التسلّح النووي قد يؤدي إلى تفكك الجمهورية الإسلامية. من المتوقع أن يواجه النظام نتائج عكسية بعد تصنيع القنبلة النووية لأنه سيدفع الولايات المتحدة إلى تعديل سياستها كي تتمكن أخيراً من التركيز على الدولة الإسلامية بحد ذاتها بدل الانشغال بمعداتها النووية حصراً. كذلك، لن تضمن الترسانة النووية إرساء الأمن الذي أصبح النظام الديني بأمسّ الحاجة إليه، بل إن هذا النظام قد يصبح أضعف من أي وقت مضى.

بعدما يختبر الإيرانيون سلاحهم النووي بفترة قصيرة، من المتوقع أن تشتد الخلافات وحملات تبادل اللوم. في الوقت نفسه، ستضعف المصداقية الأميركية ويبدأ حلفاء واشنطن وشركاؤها في المنطقة بالتشكيك بجدّية التزامات الولايات المتحدة وقدرتها على حمايتهم، وستبدو إيران في ذروة قوتها.

لكن ستكتشف الجمهورية الإسلامية بعد وقتٍ قصير الواقع الذي فهمته جميع الدول المسلّحة نووياً في نهاية المطاف، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي: لا يمكن تحويل القدرات النووية إلى منافع استراتيجية مهما حصل. أمضى الملالي الذين يحكمون إيران عقوداً عدة وهم يحاولون تصنيع سلاح نووي، وتحمّلوا العزلة الدولية والعقوبات وحملات الاغتيال والتخريب، ومن المتوقع أن يحاولوا الاستفادة من منافع هذا الوضع. قد يلوّحون بترسانتهم ويفرضون مطالبهم، منها الإصرار على رحيل القوات الأميركية من المنطقة وتحديد أسعار النفط بحسب معاييرهم الخاصة.

لكن ما الذي ستفعله إيران إذا رفض الآخرون مطالبها؟ وماذا سيحصل إذا ردّت إسرائيل بدعمٍ غير مؤكد من واشنطن، على استفزازات إيران عبر إبداء المستوى نفسه من التعنّت؟ من المستبعد أن تجازف إيران بتدمير نفسها عبر استعمال الأسلحة النووية ضدهما. في النهاية، يبدو أن السلاح الذي يُفترض أن يرسّخ هيمنة إيران في المنطقة لن يغيّر شيئاً في القوة الإيرانية.

لكن ستتوقف النتيجة النهائية بدرجة كبيرة على طريقة رد واشنطن على الاختبار النووي الإيراني. يجب أن يلقي الرئيس الأميركي خطاباً واضحاً حيث يُصِرّ على عدم تغيّر وضع المنطقة بعد ظهور القنبلة الإيرانية، ويؤكد على استعداد الولايات المتحدة الدائم للدفاع عن حلفائها. كذلك، يجب أن توجّه واشنطن تحذيراً إلى طهران كي تعرف أنها ستكون مسؤولة عن تداعيات استعمال أسلحتها الجديدة أو نقلها. لتقوية وقع هذه الرسالة والتعبير عن جدّيتها، يُفترض أن ترسل الولايات المتحدة سفناً مسلّحة نووياً إلى منطقة الخليج، أو حتى تنشر صواريخ ذرية تسيطر عليها القوات الأميركية في دول الخليج. لا مفر من وقوع مواجهات محتدمة وأحداث مضطربة، ويجب أن تثبت واشنطن أنها تستطيع تحمّل المخاطر.



حين تصبح إيران دولة نووية، يجب ألا تحصر واشنطن مهامها بإبطال مفعول القنبلة الجديدة، بل يُفترض أن يتعلق هدفها الأساسي بحصد إجماع عالمي ضد الجمهورية الإسلامية. ستضطر الولايات المتحدة وحلفاؤها لفرض عقوبات قاسية ضد النظام الإيراني وعزله بدرجة إضافية عبر الضغط على الأمم المتحدة لاستنكار تحركات إيران رسمياً. كذلك، يجب أن تقنع واشنطن حلفاءها الأوروبيين بقطع علاقاتهم الدبلوماسية مع طهران. لن تغلق هذه الخطوات جميع الممرات التجارية في وجه إيران، إذ ستتابع الصين شراء كمية من نفطها على الأرجح. لكن يجب أن توقف اليابان وكوريا الجنوبية عمليات الشراء هذه. ويُفترض أن تُضعِف الولايات المتحدة علاقات إيران التجارية عبر تجريد البلد من قدرته على استعمال النظام المصرفي الدولي واسترجاع أمواله من الخارج. نتيجةً لذلك، سيضطر النظام الإيراني للعودة إلى المقايضة، ولا يستطيع أي بلد فيه 85 مليون نسمة أن يعيش بهذه الطريقة إلى الأبد. لن ترضخ الجمهورية الإسلامية بسهولة، لكنها قد تنهار.

قد يعترض البعض على هذا التوقع، على اعتبار أن الاستراتيجية نفسها لم تدمّر النظام في كوريا الشمالية التي تحدّت العالم، وأصرّت على التسلّح نووياً في العام 2006، ونجحت في البقاء في السلطة رغم عزلتها الاقتصادية والسياسية. لكن تغفل هذه المقارنة عن اختلافات هائلة بين البلدين. على عكس كوريا الشمالية، تحمل إيران تاريخاً حافلاً من الاحتجاجات والثورات التي أسقطت الأنظمة سابقاً. ولا يبدو عالم السياسة والمجتمع في إيران متحجّرَين بقدر كوريا الشمالية. قد يكون النظام في طهران وحشياً وقمعياً، لكنه لا يفرض سيطرته بقدر النظام في بيونغ يانغ.

على صعيد آخر، قد يؤدي تصنيع القنبلة النووية إلى إضعاف مساعي النظام للهيمنة على المنطقة لأن السلاح الذي يعتبره الملالي حلاً استراتيجياً لإنقاذ البلد قد يطلق سباقاً للتسلح النووي في جوار إيران. من المستبعد أن يقف السعوديون من دون تحريك أي ساكن حين يجاهر خصمهم الأساسي بترسانته النووية. قد تتحرك تركيا أيضاً انطلاقاً من رغبتها في التحول إلى قوة مؤثرة في المنطقة. نتيجةً لذلك، قد تزيد التقلبات في الشرق الأوسط فجأةً وتصبح إيران أقل أماناً. وفق هذا السيناريو، يتعلق عامل أساسي بتأثير إيران المسلّحة نووياً على السياسات الأميركية المحلية. تَقِلّ الملفات الدولية التي أجّجت الانقسامات بين الجمهوريين والديمقراطيين لهذه الدرجة في السنوات القليلة الماضية. اعتبر الديمقراطيون المعسكر الجمهوري متعطشاً للحروب كونه يرفض تلقائياً أي دعوة منطقية إلى السيطرة على الأسلحة. في المقابل، اعتبر الجمهوريون المعسكر الديمقراطي رمزاً للمهادنة والاسترضاء. لكن بعد تسوية المسألة النووية، سيتشجع الحزبان على اتخاذ مواقف أكثر صرامة من إيران. يحبذ الجمهوريون أصلاً استعمال القوة ومن المستبعد أن يلطّفوا مواقفهم العدائية. وقد يواجه الديمقراطيون من جهتهم تُهَماً بتسهيل ظهور القنبلة النووية الإيرانية، وهذا ما يعطيهم أسباباً وجيهة لتقوية موقفهم. قد تُمهّد هذه الحسابات السياسية لظهور إجماع جديد لمواجهة الجمهورية الإسلامية وإضعافها.

حين تتخلص واشنطن من الجدل الذي أثار انقسامات داخلية كبرى حول الملف النووي، ستتمكن من التركيز على طبيعة النظام الذي يقمع شعبه وقرر في الفترة الأخيرة إيصال قاتل جماعي إلى سدة الرئاسة. في الوقت نفسه، من المتوقع أن تتوسع مشاعر الاشمئزاز من سجل إيران المشين في مجال حقوق الإنسان في المعسكرَين الجمهوري والديمقراطي، ما يُمهّد لتوحيد الصفوف وإطلاق جهود مشتركة لإضعاف مكانة النظام عبر تنفيذ عمليات سرية ودعم المعارضين داخل إيران. قد لا يؤيد جميع الديمقراطيين والليبراليين تغيير النظام فجأةً. لكن بعد تسلّح إيران نووياً، ستتلاشى الفكرة القائلة إن الملالي لن يطبّقوا مقاربة معتدلة إلا إذا أصبح الأميركيون أكثر تساهلاً معهم. في غضون ذلك، يجب أن يدرك السياسيون الأميركيون في المعسكرَين معاً أن القنبلة الإيرانية ستُصعّب الرحيل من الشرق الأوسط لإعادة توجيه السياسة الخارجية الأميركية نحو آسيا. لأسباب استراتيجية وسياسية في آن، لن تتمكن الولايات المتحدة من إثبات قوتها أمام إيران إلا إذا حافظت على وجود قوي في المنطقة.

في نهاية المطاف، سيكون النظام الديني بحد ذاته أول ضحية للقنبلة الإيرانية. لقد أنفق هذا النظام مليارات الدولارات على برنامجه الذري وتحمّل عقوبات هائلة. وحين ينجح في مساعيه أخيراً ثم يكتشف أنه لم يحصد أي منافع استراتيجية بل زادت معضلاته الاقتصادية، سيواجه تداعيات سياسية متفجرة داخلياً. سبق وخسرت الجمهورية الإسلامية معظم شرعيتها بعد الانتخابات الشكلية الأخيرة وبسبب أدائها الاقتصادي المريع، وفسادها المستفحل، وتعاملها السيئ مع أزمة كورونا. وحين يتبيّن أن القنبلة التي كان يُفترض أن تقوي مكانة البلد وفق وعود النظام تُمعن في استنزاف أمواله، لا مفر من أن ينفجر الغضب الشعبي.

الشعب الإيراني ليس مطيعاً لدرجة أن يتحمّل انتهاكات حكومته المتكررة. في السنوات القليلة الماضية، نزل الناس من معظم الطبقات الاجتماعية إلى الشارع في جميع أنحاء البلد للاحتجاج ضد النظام. لا شك في أن الملالي سيحاولون سحق أي تحركات جماعية لإسقاطهم. لكن رغم هذه القوة الظاهرية، أصبح النظام اليوم في أضعف حالاته داخلياً منذ نشوئه. وعلى غرار الإجماع المتوقع في واشنطن ضد النظام الإيراني بعد اكتسابه قنبلة نووية، قد تزداد أيضاً قوة المعارضة في وجه الملالي محلياً.

قد يعترض البعض على هذه التوقعات على اعتبار أن إيران المسلّحة نووياً ستطرح مشكلة كبرى على الولايات المتحدة وشركائها وحلفائها في المنطقة، إذا حكمتها أطراف مختلفة عن النظام الراهن بعدما يواجه البلد تداعيات تصنيع القنبلة وينهار النظام الديني. لكن إذا سقط النظام فعلاً، سيظهر خَلَفه على الأرجح من رحم المعارضة، ومن المتوقع أن يُركّز على النمو الاقتصادي الداخلي، والتصالح مع المجتمع الدولي، والالتزام بالمعايير العالمية. كذلك، قد يتجه أي نظام إيراني جديد إلى عكس مسار التسلّح النووي لمعالجة المشاكل الهائلة التي يواجهها داخلياً، وسيميل على الأرجح إلى استخلاص الدرس الذي ينوي النظام الراهن تعلّمه بأصعب الطرق على ما يبدو: بالنسبة إلى إيران، ستكون تكاليف التسلّح النووي أكبر من منافعه بكثير!