"داعش"... هل ينجح في استرجاع قوته؟

02 : 25

تتعاون القوات الأميركية في شمال العراق مع شركائها ميدانياً وتثق بقدرتها على مواجهة بقايا "داعش"، بعد سنتين على خسارة التنظيم آخر معاقله. مرّت خمس سنوات منذ أن التزمت واشنطن بـ"قوة المهام المشتركة - عملية العزم الصلب". تنشط تلك القوات اليوم من دون أن تترك بصمة كبيرة في وسط العراق وشماله. العملية مستمرة، لكن تكثر التساؤلات ميدانياً حول مسار المرحلة المقبلة واحتمال عودة "داعش".

تعليقاً على جهود الحلفاء بقيادة الولايات المتحدة، يقول الملازم جاس نوينشفاندر، قائد كتيبة "فرقة عمل نينوى"، إن "داعش" حاول إيجاد مواقع جديدة لاستغلال الثغرات الأمنية في العراق لضمان صموده. يتمركز نوينشفاندر ومئات العناصر الآخرين بالقرب من الموصل، ويشكلون رأس حربة لرصد أي مؤشرات على عودة "داعش". كانت المعركة صعبة في الجزء الغربي من المدينة (يُسمّى أحياناً "الضفة اليمنى" بسبب اتجاه تدفق نهر دجلة هناك). تعرّض مسجد النوري الشهير، حيث أعلن زعيم "داعش" أبو بكر البغدادي عن نشوء "دولة الخلافة" في العام 2014، لتفجير على يد متطرفين أطلقوا الهجوم كمحاولة أخيرة لتغيير الوضع. دمّر "داعش" الكنوز الأثرية والمواقع الدينية الخاصة بالأقليات واستعمل المدينة لبيع العبيد. حين حاصرت القوات العراقية المدعومة من التحالف الغربي المدينة في خريف العام 2016، كان حوالى 800 ألف شخص قد تهجروا بسبب القتال، وعاش مئات الآلاف داخل المدينة معاناة حقيقية.

تناول تقرير المفتش العام في البنتاغون "عملية العزم الصلب"، بين نيسان وحزيران 2019، وكشف مجموعة من أكبر المشاكل التي يواجهها العراق. وفق التقرير، يستطيع "داعش" أن ينشط ضمن جماعات صغيرة ويتنقل بين سوريا والعراق. لا تنفّذ القوات العراقية عمليات كافية على طول الحدود، وتفتقر إلى طائرات الاستطلاع وطائرات بلا طيار. كذلك، ما من تنسيق فاعل بين القوات العراقية، وتستمر التهديدات التي تطرحها جماعات مدعومة من إيران ضد مصالح الولايات المتحدة وعناصرها. في شهر أيار، استهدفت الصواريخ وقذائف الهاون القواعد الأميركية منذ توتر العلاقة الأميركية الإيرانية. يعتبر نوينشفاندر أن "داعش" لا يتمتع بالقدرة اللازمة على متابعة الاعتداءات أو تطوير "دولة الخلافة" التي أنشأها. صحيح أنه خسر مواقعه، لكنه يتابع نشر قناعاته الإيديولوجية. يتعلق التحدي الأساسي بإبقاء التنظيم في موقع المهزوم و"تحديد شروط إعادة تأهيل المنطقة وبنيتها التحتية". يُقال إن "داعش" بات مضطراً للتحرك ضمن جماعات صغيرة جداً، وتشير التقارير إلى تحرك بضعة رجال دفعةً واحدة، وقد يصل عددهم إلى 20 فرداً كحد أقصى. يحمل كل من خدم في العراق بين 2004 و2009، على غرار نوينشفاندر، فكرة عن قدرة العراقيين على تنفيذ مهمتهم. في تلك الأيام، كان الأمن هشاً. أما اليوم، فأصبح الوضع معاكساً. يوضح نوينشفاندر: "حين نتجول حول الموصل، نشاهد حواجز تفتيش ناشطة ورجال شرطة منتشرين". خارج المدينة، أطلق الجيش عمليات تمشيط، منها عملية "إرادة النصر" هذه السنة في أجزاء أخرى من العراق. يجري العمل أيضاً على تقوية المنظمات غير الحكومية للتخلص من العبوات الناسفة في البلدات.

اليوم، تقضي مهمة التحالف في نينوى، منطقة محورية في محيط الموصل، بالتعاون عن قرب مع المقر العراقي الرئيس واللواء نعمان عبد الزوبعي، ما يعني تمكين العراقيين من تلقي المعلومات الاستخبارية والتناقش حول دورياتهم وعملياتهم. تستطيع الولايات المتحدة أن تجلب إمكاناتها الجوية وطائراتها بلا طيار لتسهيل تلك المهمة. يُفترض أن يسمح دمج المعلومات الاستخبارية وتوزيعها على مراكز الشرطة والقوى المعنية بهزم بقايا "داعش". برأي نوينشفاندر، يضمن دعم قوات التحالف تماسك الآلية الناشطة.

بنظر الولايات المتحدة، كان الانتقال من خوض حرب عالمية على الإرهاب إلى تقديم التوصيات والمساعدات ثم الاكتفاء بأداء دور استشاري مساراً طويلاً وشاقاً. بعبارة أخرى، تتولى القوات المحلية الآن أكبر المهام، أو حتى المهام كلها. يتطلب هذا الوضع أيضاً أعلى درجات التأني والصبر. بعد سنتين على انتهاء عمليات قتالية كبرى هناك، ثمة حاجة إلى اتخاذ خطوات أخرى، منها التأكد من قدرة القوات العراقية على تنسيق عملياتها واستعمال إمكاناتها الجوية المتواضعة، مثل المروحيات، لإبقاء "داعش" تحت المراقبة. يقول الضباط الأميركيون إنهم يريدون التعاون مع العراقيين لتحسين طريقة استعمال تلك الإمكانات، ويأملون أيضاً في أن يتزامن تحسّن الوضع الأمني في سنجار مع عودة النازحين، أبرزهم اليزيديون الذين اضطهدهم "داعش".

يقول نوينشفاندر إن المناطق الواقعة داخل الموصل وفي محيطها لا تزال تعاني اليوم من تداعيات الحرب. لكن بدأ الوضع يتحسن: فتحت الأمم المتحدة مكتباً جديداً لها في المدينة، وتتقدم جهود إعادة الإعمار بشكلٍ ملحوظ، و"يسير كل شيء في الاتجاه الصحيح". يؤكد نوينشفاندر على هذه التطورات من دون أن ينسى أحداث العام 2009، حين شهدت المدينة اعتداءات إرهابية مريعة وافتقرت إلى جميع مظاهر الأمن.

توضح رحلة إلى جبل "قره جوغ" التحديات القائمة. أشار العقيد سرود برزانجي، قائد قوات "البشمركة" الكردية، إلى مناطق في جبهته الممتدة على 150 كلم، على طول الجبال والتلال حول بلدة مخمور المُطِلّة على سهول نينوى. ينتشر 14 ألف عنصر من "البشمركة" على طول هذا الخط، على شكل تسعة ألوية. وفي الجهة المقابلة، تتمركز فرقة المشاة الرابعة عشرة ومجموعة من وحدات "قوات الحشد الشعبي". يُفترض أن تكون هذه التعبئة كافية لكبح "داعش"، لكن يقول ضابط كردي إن التنظيم بدأ يتنامى مجدداً. هو يعمل على هذه الجبهة منذ سنوات ويعرف تفاصيل الأرض جيداً، ويعتبر العملية الأخيرة مع قوات العراق والتحالف ناجحة، فقد أدت ضربة جوية إلى مقتل 14 عنصراً من "داعش". لكن بشكل عام، يتراجع التعاون مع القوات العراقية، إذ يظن عدد كبير من القوات الكردية أن عناصر شيعة وموالين للإيرانيين تسللوا إلى القوات العراقية، ما يعني استمرار تهميش العرب السُّنة المحليين وانضمامهم إلى جماعات متطرفة.

يضيف العقيد برزانجي: "يخترق "داعش" المناطق الواقعة بين مراكز "البشمركة" والجيش العراقي. تسلل التنظيم إلى هذه المواقع بعد أحداث تشرين الأول 2017. لكن تحسّن الوضع السياسي لحسن الحظ بين إربيل وبغداد، لذا سُجّل تحسّن ملحوظ أيضاً بين الجيوش. تفتقر القوات العراقية إلى العناصر ولا تسيطر إلا على نقاط أمنية محددة، لا القطاع كله. يتسلل "داعش" إلى هذه المناطق السنية وتربطه علاقة سيئة مع "الحشد الشعبي"". تعتبر "البشمركة" أنها تحتاج إلى دعم إضافي من المجتمع الدولي لتسهيل هزم "داعش" هناك، منها معدات أساسية مثل الدروع الواقية. يجب أن تشمل تلك المعدات طائرات بلا طيار لتنفيذ عمليات استطلاع. تملك "البشمركة" أسلحة متنوعة، بعيارات وأنظمة تعود إلى حقبات مختلفة.

يسعى "لواء المساعدة لقوات الأمن" الذي ينشط بالتعاون مع "البشمركة" إلى توسيع بصمته للمساهمة في الحفاظ على أمن المنطقة. لذا تحاول الولايات المتحدة على الجهتين تقوية تلك الوحدات لهزم عناصر "داعش" الذين يتسللون إلى المناطق الواقعة بين القوات العراقية و"البشمركة". حين ذهبنا إلى جبل "قره جوغ"، في 18 أيلول، راقبنا الوضع وانتظرنا حتى ظهور خلية تابعة على الأرجح لتنظيم "داعش" في وادٍ جاف، تحت الجبل. أكد عناصر "البشمركة" على أن أعضاء "داعش" أنفسهم يأتون يومياً لجمع المياه ثم يختبئون في الكهوف. كانت القوات العراقية أبعد من أن تطلق النار، ولم تكن أي طائرات بلا طيار أو وحدات أخرى متوافرة هناك. إنه دليل على حاجة الوحدات المنتشرة على الجبهات إلى معدات أساسية، مثل بنادق القنص ومناظير الرؤية الليلية ومعدات استطلاعية. يتوقع برزانجي أن تتكثف نشاطات "داعش" خلال موسم الأمطار أو الشتاء.

يظن نوينشفاندر أن المصالح المشتركة تضمن مواصلة حملة هزم "داعش". لكن لا تزال الفجوة بين القوات العراقية و"البشمركة" واضحة. يتابع "مركز التنسيق الكردستاني" التابع لقوات التحالف تدريب "البشمركة"، بمعدل 1400 عنصر في كل دفعة. تشمل حكومة إقليم كردستان حوالى 200 مدرّب مقابل 600 في بقية مناطق العراق. اختفى عناصر "داعش" بشكل شبه كامل من الإقليم، ولم يقع أي اعتداء في الفترة الأخيرة. لكن في بقية مناطق العراق، لا تزال المعركة مستمرة يومياً، في ظل تواصل الغارات والعمليات والاعتداءات من جانب "داعش". تريد قوات التحالف المساهمة في التخلص من آخر معاقل التنظيم الإرهابي، لكن يتطلب هذا الهدف عمليات مشتركة أو تعاوناً إضافياً بين قوى الأمن العراقية و"البشمركة".

لا تزال العوائق التي تحول دون تكثيف التعاون بين الطرفين قائمة. تعتبر وزارة «البشمركة» أن بغداد تحتاج إلى عقد اتفاق مع إقليم كردستان حول دفع الرواتب، كما تُشدد على ضرورة أن تزيد قوات التحالف دعمها ومعداتها لها. مجدداً، تفتقر هذه المنطقة إلى حاجات أساسية، منها ثكنات مناسبة للقوات، ولا بد من توفير الرواتب والميزانية اللازمة لسد هذه الثغرات. كذلك، تسود مخاوف كبرى من توسيع دور «الحشد الشعبي» والميليشيات الطائفية.لا تتعاون قوات التحالف ولا «البشمركة» مع «الحشد الشعبي»، لكنّ القوات العراقية تفعل. يتلقى «الحشد الشعبي» رواتبه من بغداد، ويُعتبر اليوم كقوة معترف بها رسمياً. مع ذلك، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على عدد من عناصره وقادته. يطرح هذا الوضع تحدياً صعباً لأن «الحشد الشعبي» يعادي الولايات المتحدة والقوات الكردية صراحةً. لكن يمكن إيجاد حلول وسطية دوماً في العراق. تقع قاعدة تابعة لـ «الحشد الشعبي» على مسافة مئة متر فقط من قوات التحالف بالقرب من الموصل. وحين تتجول هذه الأخيرة، تُنَسّق تحركاتها مع القادة المحليين والشرطة أو يرافقها عناصر من الجيش العراقي. ثمة مراكز تفتيش للحشد الشعبي أيضاً في محيط نينوى وغرب الموصل. في بعض الحالات، ينشط عناصر «الحشد الشعبي» والجيش العراقي في مراكز التفتيش نفسها. تسمح اتصالات مشتركة لقوات التحالف بعبور تلك النقاط بسهولة، لكن حاول «الحشد الشعبي» في الماضي عرقلة مسارها في بعض المناسبات.

يؤكد العراق على أن «داعش» ليس بأمان. تذكر منشورات سقطت حديثاً فوق مواقع يُشتَبه بارتباطها بخلايا «داعش»: «سوف نَطالُكم سواء كنتم في الكهوف أو الأنفاق أو الجبال أو الصحارى». لذا سيكون تكثيف التنسيق بين القوى الناشطة، ودفع رواتبها، ومنحها المعلومات الاستخبارية المناسبة، أساسياً لمساعدتها على بلوغ تلك المواقع.


MISS 3