هالة نهرا

سمير شمص... الوسيم "مسبّع الكارات"

13 تشرين الثاني 2021

02 : 00

في تعريفه غير الكلاسيكي المسهب بنفسه يقول سمير شمص إنه وُلد فناناً. في مقتبل حياته كان يقلّد أصواتاً وقد تعلّم ذلك من الطبيعة لأنه ابن الهرمل (تقع في شمال شرقيّ لبنان): "كنتُ أستمتع بسماع الأصوات وتقليدها وتمثّلت أولى مواهبي أيضاً في غناء المونولوج. ثم أسّستُ فرقة في الشمال وأطلقتُ عليها اسم "فرقة نجوم المسرح اللبناني" وقدّمنا مسرحيات، وكانت لديّ مغامرات فنية كثيرة في الشمال. ثمّ جئتُ إلى بيروت وكرّت السبحة في أعمال سينمائية وتلفزيونية ومسرحية. أنا الآن سمير شمص الذي يسمّونني "المخضرم" و"مسبّع الكارات" ويصفونني بـالفنان الشامل".

لدى سمير شمص محطّات في حياته و"كل محطة كانت غريبة" على حد تعبيره. هناك نجوم قابلهم للمرة الأولى وكان لديه رأيه الخاص بهم، ثمّ تغيّر رأيه بهم "لأنني ربما لم أكن "أُعطي" الرأي الصحيح". "في المرة الأولى التي قابلتُ فيها مرفت أمين وجدتُ أنها إنسانة جميلة أخذني رمسيس نجيب إلى بطولةٍ معها. وفي المرة الأولى التي قابلتُ فيها عادل إمام في مكتب رمسيس نجيب لم أرَ فيه ذلك الممثل الوسيم ولاحظتُ في عينيه الحَوَل، ولم أقتنع بما قاله لي رمسيس بأنه ممثل كوميدي "كويّس" وممتاز وكان لا يزال في بداياته. ثم فاجأني عادل إمام بأعماله الفنية لاحقاً". عن نجلاء فتحي يقول شمص إنها ظريفة جداً وجميلة وقد عمل واشتغل معها في فيلم "أجمل أيام حياتي". "وفي فيلم "باي باي يا حلوة" كنتُ إلى جانب محمد عوض ورشدي أباظة وجورجينا رزق".



الفيلم الأوّل في مصر كان "تلات نساء" ثمّ كرّت السبحة بعد ذلك وشاركتُ في مسلسلات وأفلام عدّة، بينها "الباحثات عن الحرية"، ومسلسل "وجه القمر" مع فاتن حمامة. لقائي الأوّل مع فاتن حمامة كان في السبعينيات، أتذكّره في مهرجان سينمائي في لبنان وكنتُ لا أزال في "المسرح الوطني". كنتُ على صداقة مع جيزيل نصر وكنتُ أسكن عين الرمّانة وكانت جيزيل تسكن في البناية في الاتجاه المقابل لي وغسان مطر الممثل أيضاً. لم يكن لديّ طقمٌ لارتدائه للسهرة فطلبتُ من غسان طقماً من اللون الأسود وكان غسان نحيلاً أكثر مني فبدا الطقم (البدلة) ضيّقاً على جسمي فقلتُ لنفسي "ماشي الحال، لا بأس بارتدائه ليلة المهرجان". ذهبتُ مع جيزيل وكنتُ سأقابل نجمة المهرجان فاتن حمامة للمرة الأولى وحالما وضعتُ رجلي على الدرج حتى رأيتُ فْلاشات الكاميرات مصوّبة علينا أنا وجيزيل وكنا نتمتّع بالبهاء شكلاً في أوّل حياتَيْنا. بسبب الفلاشات أبهرني الضوء وخطف بصري فانزلقتُ وتزحلقتُ على الدرج "فانفتح" بنطالي من الخلف وقالت لي جيزيل "عالحيط"! فوقفتُ على الحائط وأنا أدير ظهري ولم أتمكّن من رؤية فاتن أو أيّ أحد، وبقيتُ "مصلوباً" على الحائط حتى انتهى المهرجان وذهب الناس! ثم في لقائي مع فاتن حمامة في "وجه القمر" في مصر أرسلتْ لي فاتن سائقها إلى الفندق ليقلّني إلى موقع التصوير، وكانت هذه بادرة لطيفة جداً منها فمررتُ بشارع الهرم لشراء الورد للسيدة فاتن وكتبتُ لها "كلمتين حلوين على الباقة". عندما وصلنا إلى موقع التصوير، وهو عبارة عن شاليهات ويحوي حوض سباحة، وكان ينتظرنا المصوّرون مع المخرج، قلتُ له قدِّمْ لها أنتَ باقة الورد لأنني كنتُ أخجل. ثم ذهبتُ لتبديل ملابسي في الشاليه فطرقَ أحدهم الباب وفتحتُ الباب فيما كنتُ أرتدي ثيابي "يا دوب كنت عم بلبُس تيابي"، وتفاجأتُ بأنّ فاتن على الباب. كانت تريد أن تشكرني وكانت برفقة مساعد المخرج. ثم عدنا للذهاب سيراً إلى موقع التصوير وطوال الطريق كان المساعد يومئ بإشارات بيديه من خلف السيدة فاتن كأنّ هناك شيئاً خاطئاً، وعندما وصلنا إلى موقع التصوير وبعدما ذهبتْ فاتن، سألتُه: "ما الأمر؟"، فقال لي "دي السوستة (أي السَّحّاب) يا بيه مفتوحة"، فأجبتُه: "العمى أوّل مرّة بقابلها كان مفتوح من ورا، وهلّق مفتوح من قدّام!".



عن مرفت أمين يقول شمص إنه خلال تصوير فيلم "تلات نساء" (إخراج محمود ذو الفقار) "في مشهد كنا في "طلعة الحازمية بالسيارة"، فيما كنتُ أقود وهي إلي جانبي وكان هناك استلطافٌ بيننا، ففي الطريق وضعتُ يدي بيدها مثل العشّاق "وِرْجِعِتْ بَدّي لِفّ فأخد معي وقت لأنو كان في عجقة سير فنشر عرضي المخرج" لأنني تأخّرت، وأخذ يسألنا: "وين كنتوا؟ ليش طوّلتوا؟". ثم عندما ذهبتُ إلى مصر بعد مدّة كانت مرفت قد تزوّجت موفّق بهجت وكنتُ في سهرة مع رشدي أباظة (صديقي) في ملهى ليلي، فجاءت مرفت وموفّق، فسلّم موفّق على الجميع عدايَ أنا، كأنه كان يعرف ما حدث بيني وبين مرفت، فشعرتُ بالاستياء وألقيتُ عليه كوب ماء! اعتبرتُ أنّ تلك إهانة لأنه صديقي وكنا نتجالس في بيروت في الروشة وانزعجتُ أنه لم يسلّم عليّ أمام المصريين.. ما أغضب مرفت وحضّها على المغادرة وأدّى الأمر إلى مشكلة على الطاولة "مع تكسير صحون". في اليوم الثاني ندمتُ فاشتريتُ باقة ورد وذهبتُ إلى بيت مرفت ووضعتُها على باب بيتها مع كلمة اعتذار وكان اللقاء الأخير لي مع مرفت".



عن لقائه الأوّل بمحمود ياسين وشهيرة أخبرنا أنه في الثمانينيات كان في اليونان خلال تصوير مسلسل، وفي الوقت عينه كان محمود ياسين وفاروق الفيشاوي وشهيرة يصوّرون مسلسلاً آخَر. متابعاً قال شمص: "جئتُ في المساء وكانوا يجلسون في حديقة الفندق ورأيتُهم يبكون كلّهم فاستغربتُ. كانت في تلك الأثناء في لبنان الحرب الأهلية وكل يوم كان لدينا عددٌ من القتلى والشهداء. فسألتهم باللهجة المصرية: "بتعيَّطوا ليه؟"، فقالوا لي: "ده السادات مات (...) إتقتل"، فأجبتُهم: "بتعيّطوا عشان السادات مات؟ كلّ يوم عندنا بيموت ميتين واحد ما بنعيَّطْش كده!".. فزعل فاروق الفيشاوي وقال لي: "لماذا تهين السادات؟". مواصلاً حديثه أردف شمص قائلاً: "أخَدْها براس حامي ووقع مشكل بيني وبينو وصار في كراسي انسحبت على بعضنا!". ثم بعد مدّة طويلة قابلتُه في مصر "على أكلة سمك" فقلتُ له: "أنا لِيَّ تار عندك يا فاروق. عندما كنا في اليونان حدثت مشكلة بسبب السادات"، فأجابني: "الله، لِسَّه فاكِر؟!". واعتبر فاروق أنّها مسألة تاريخية ومرّت. فتعشّينا معاً وتصالحنا. في الوقت عينه في اليونان، كانت شهيرة ومحمود ياسين وكانت العلاقة بينهما متوتّرة قليلاً فعزمتني شهيرة على "كأس ويسكي" وصارت تتقرّب مني، فخلال مرور محمود ياسين رآنا معاً في هذا الوضع. بعدما ذهبتْ هي "أخدني على جنب وقال لي هِيَّ بتستعملك رابوق" أي أنها تستغلّني لإغاظة محمود بي، وقال لي: "خلّي بالك وما توقَعش في العلقة دي، ورجاءً ما تقرّبش عليها بقى". فقلتُ له: "لعيونك، تكرم عينك". تهمّني صداقة محمود أكثر منها. وفعلاً حدث ذلك وأصبحنا أنا ومحمود أصدقاء و"أحباب". لم أشتغل معهما أبداً في حياتي".

أمّا عن دريد لحّام ونهاد قلعي، فيقول سمير شمص إنه مثّل معهما في فيلم "الشريدان" (1965) وكانت البطلة ميّادة وكانت قصيرة القامة وكان هو طويلاً، فكانوا يضعون صندوق "بيبسي" Pepsi تحت رجلَيها كي تبدو أطول قليلاً في "الكادر" معه. "علاقتي بدريد ونهاد سطحية تقريباً وكنا نلتقي في مقهى "دولتشيفيتا" في الروشة، وكانت ملاحظاتي على نهاد أنه يُسرف ويبالغ في شرب العرق: "كان يأكل المعكرونة ويشرب العرق فأستغربُ لأنّ شرب العرق تليق به "الميزا"، لا المعكرونة. رحمه الله".



عن الأعمال التي يحبّ أن يقدّمها يخبرنا شمص بأنه يلاحظ شبهاً بينه وبين ستالين: "هناك شبَهٌ غريب على مستوى الشكل في تقاطيع الوجه والعيون والشارب وكل شيء. يحبّ سمير شمص أن يؤدّي شخصية "ستالين" فنياً. ويضيف: "قالوا لي: "لكنه شرير" فأجبتُهم: "لا توجد مشكلة فهو رجل تاريخي". يوافق شمص على أنّ من إنجازات ستالين انتصاره على النازية والفاشية، معتبراً أيضاً أنّ هذه فرصة فنية يصعب تحقيقها وهي حلم من أحلامه.

حين تقابله وجهاً لوجه تلمس رصانته ووقاره وتواضعه وعفويّته، وتستظرف حضوره وتقاسيم حديثه المشوّق. سمير شمص قامةٌ فنية على المستويين المحلّي والعربي، ونجمٌ لامع تميّز بوسامته التي كانت بمثابة تأشيرة دخولٍ له إلى السينما المصرية ممزوجةً بأدائه المتقن. اقترن اسمه بنجومٍ كبار من مصر وسوريا ولبنان في أعمالٍ عدّة، مثل السيدة الباسقة فيروز والشحرورة صباح ومرفت أمين وفاتن حمامة ودريد لحّام، وسواهم. للمرة الأولى في التاريخ يروي لنا شمص ذكرياته ويخبر المبدع اللبناني "نداء الوطن" حصرياً، عن تفاصيل لافتة وطُرَف ووقائع تتأرجح بين المهنيّ والعاطفيّ والشخصيّ في "الكواليس" أو أثناء العمل ضمن متفرّقات في محطّاتٍ جمعته بالنجوم. أكّد لنا شمص أنه كان أوّل ممثّل لبناني يعمل في مصر وأوّل ممثل لبناني وقّع على العقد للعمل بالمسرح الوطني مع شوشو ونزار ميقاتي. في تاريخه السينمائي سجّل حوالى 27 فيلماً بين مصر ولبنان، إضافةً إلى مسرحيات عدّة في المسرح الوطني.


MISS 3